Avatar

Articles par Benedetto XVI NULL

نور الفصح بحسب البابا بندكتس السادس عشر

فيما ننتظر في الكنيسة الذي يكتنفها سواد الظلمة أن يُضاء نور الفصح، لا بدّ لنا من أن نختبر الإدراك المعزّي بأن الله يعي تماماً الليل الذي يغلّفنا. وهو في الواقع قد أشعل نوره في قلب الكنيسة… إن الليل يسمح لنا أن نقدّر النور على حقيقته. إنه بريق وضياء يفتح أعيننا لنرى، ويدلّ على الطريق ويوجّه، ويساعدنا على التعرف على الآخرين وأنفسنا. إنه الدفء الذي يقوّي ويعطي الحركة؛ الدفء الذي يعزّي ويبعث البهجة والسرور. أخيراً، إنه الحياة، وتلك الشعلة الصغيرة المرتجفة هي صورة للسرّ الرائع الذي نسمّيه “الحياة” وهو يعتمد في الواقع كل الإعتماد على النور… لسنا في هذا الوقت نحتفل بالقيامة وحسب؛ بل إننا نُعطى أن نلقي عن بُعدٍ نظرة خاطفة إلى المجيء الثاني للرب الذي نتقدّم للقائه ومصابيحنا مشتعلة… وعلى نكهة الفرح التي تميّز الأعراس أن تطبع ليلتنا تلك المتلألئة بأنوار الشموع. كما علينا أن نطرح على أنفسنا هذا السؤال: “هل أكون واحداً من المدعوّين إلى الجلوس إلى مائدة الله؟ هل سيكفي الزيت سراجي ليضيء العرس الأبدي؟”. ولكن ربما يليق بنا أكثر كمسيحيين أن نطرح على أنفسنا الأسئلة المناسبة حول الحاضر. فالعالم مظلم بالفعل، ولكن شمعة واحدة يتيمة تكفي لتنير أحلك الظلمات. أوَلم يمنحنا الله شمعة في العماد ووسيلة لإضاءتها؟ علينا أن نكون على قدر رفيع من الشجاعة لنضيء السراج بصبرنا وثقتنا ومحبتنا. وبدل أن نتذمّر من الليل، هلمّ نجرؤ على إضاءة السراج الصغير الذي وهبَناه الله: إنه “نور المسيح! حمداً لله!”.

سر الفداء بحسب بندكتس السادس عشر

إن صورة المسيح المصلوب التي تشكل النقطة المحورية في ليتورجيا يوم الجمعة العظيمة تجعلنا ندرك مدى خطورة الشقاء البشري والوحدة البشرية والخطيئة البشرية. ومع ذلك، لم ينفك يُنظَر إليها على مدى قرون تاريخ الكنيسة كصورة للتعزية والأمل. لقد تمّ العثور على لوحة المذبح المعروفة بـ”إيزنهايم” للرسام “ماتياس غرونوالد” ولعلّها أكثر رسم لرواية الصلب تأثيراً في كل تاريخ المسيحية في دير الإسبتاريين الأنطونيين الذين كانوا يعنَون بالمصابين بالأوبئة الفظيعة التي ضربت الغرب في أواخر العصور الوسطى. ويُصوَّر يسوع المصلوب فيها في عداد أولئك الضحايا، وقد شوّهت ندبات الطاعون الدبلي الجسد منه، وهو أفظع أنواع الأوبئة في ذلك الزمان… وقد جعل هذا الرسم المصابين يدركون أنه بسبب مرضهم تحديداً كانوا يتماهون مع المسيح المصلوب الذي بآلامه أصبح واحداً مع معاناة البشرية كلها؛ وقد شعروا بوجود المصلوب في صليبهم وعرفوا أنهم ومن خلال شقائهم يُحملون إلى الإتحاد مع المسيح وبالتالي إلى لدن رحمته الأبدية. لقد خبروا صليبه كفداء لهم… وهم بدل التعزية الإلهية يريدون تغييرات تفدي المعاناة بإزالتها: ليس الفداء من خلال المعاناة بل الفداء من المعاناة، ذاك هو شعارهم؛ وليس توقع المساعدة الإلهية بل أنسنة الإنسان على يد الإنسان، ذاك هو هدفهم.

خميس الغسل بحسب بندكتس السادس عشر

من لم يُحصَ بين الأقوياء سيكون شاكراً حينما ينظر أحد الأقوياء وهو لا يساعد نفسه على مائدة الحياة. حينما ينظر القويّ إلى السلطة والممتلكات التي أُعطي باعتبارها تفويضاً لخدمة الآخرين… فطالما أنه يُنظَر إلى القوة والثروة كغايةٍ بحدّ ذاتها، ستبقى القوة قوةً تُستخدَم ضدّ الآخرين وتبقى الممتلكات وسيلةً لإلغاء الآخرين. وفي تلك اللحظة، حين يأتي ربّ العالمين ويؤدي مهمة الخادم بغسل الأرجل –التي هي بدورها مثال بسيط عن الطريقة التي يغسل فيها أرجلنا على مدى حياتنا-، حينذاك تُرسَم لدينا صورة مختلفة تماماً. فندرك أن الله الذي هو القوة المطلقة نفسها لا يرغب في سحقنا، بل تراه يجثو أمامنا ليرفعنا. وينجلي سرّ عظمة الله تحديداً في قدرته على أن يكون صغيراً. فليس عليه أن يجلس في أعلى المناصب أو يتصدّر المجالس. والله يحاول بهذه الطريقة أن يثنينا عن أفكار السلطة والهيمنة التي تساورنا. وهو يبيّن لنا أنه من الترّهات أن أكون قادراً على إعطاء الأوامر لحشد هائل من الناس وأحصل على كل ما أمنّي به النفس – وأنه حقاً من العظيم أن أكون في خدمة الآخرين… فوحده يوم تتبدّل القوة من الداخل، ويوم تتغير علاقتنا بالممتلكات من الداخل ونقبل يسوع وطريقة عيشه حيث يتفاعل كل كيانه مع فعل غسل الأرجل، وحده يومذاك يصبح العالم مؤهلاً للتعافي والناس قادرين على العيش بسلام مع بعضهم البعض. إن يسوع يبيّن لنا ما يجب للإنسان أن يكون عليه، وكيف يفترَض به أن يحيا وما يجب أن نعمل من أجله.

تجارب يسوع بحسب البابا بندكتس السادس عشر

يمكن فهم تجربة يسوع كقبول لتجربة آدم الأولى وتغلّب عليها… فتعرّض يسوع للتجربة يشكل جزءاً أساسياً من إنسانيته وجزءاً من نزوله إلى منزلتنا، إلى أعماق حاجتنا… والتجارب المصوَّرة بخطوط عريضة تعود وتحدث بشكل ملموس في مراحل محددة من حياة يسوع. فبعد تكثير الخبز، يرى يسوع أن الحشود تهمّ باختطافه لتقيمه ملكاً، فيبتعد ويعود وحده إلى الجبل (يو 6: 15). وهو كذلك يقاوم تجربة التماثل مع المعجزات التي يجترحها، ما يهدد بمناقضة تعاليمه- ومهمته الحقيقية (راجع مر 1: 35-39). وعندما يحاول بطرس، بعد إعلانه أن يسوع هو ابن الله، أن يثنيه عن سلوك درب الآلام، ينهره الرب بالكلمات ذاتها التي نسمعها في ذروة رواية التجربة هذه وفي ختامها فيقول له: “سِر خلفي، يا شيطان” (مر 8: 33).