Avatar

Articles par سهى بطرس قوجا

ولمعَّ نجمهُ في السماء

أتى المُتجسد ليخلص الإنسان من قوى الشر والخطيئة ومن الشهوات المُهلكة، أتىّ المسيح صغيرًا فقيرًا ليكبر على الأرض ويحمل خطيئة العالم الكبرى، أتى من أجل أن يكشف عظمة الخالق واهتمامه بخلاص الإنسان.”بعدما ولد يسوع في بيت لحم … جاء إلى أورشليم بعض المجوس القادمين من الشرق، يسألون:” أين هو المولود ملك اليهود؟ فقد رأينا نجمهُ طالعًا في الشرق، فجئنا لنسجد لهُ” ( متى 2 : 1- 2 ). أتوا يسألون ثم ” مضوا في طريقهم، وإذا النجمُ، الذي سبق أن رأوهُ في الشرق، يتقدمهم حتى جاء وتوقف فوق المكان الذي كان الصبي فيه، فلما رأوا النجم فرحوا فرحًا عظيمًا جدًا، ودخلوا البيت فوجدوا الصبي مع أمهُ مريم، فجثوا وسجدوا لهُ، ثم فتحوا كُنُوزهم وقدموا لهُ هدايا، ذهبًا وبخُورًا ومُرًّا” ( متى 2: 9 – 12 ).نجمًا مُضيًا لمع في السماء يعلن عن ولادة طفل صغير في مذود، هذا الطفل دعيّ المخلص (نور العالم) الذي أنار العالم بقدومهِ وخلص البشرية من ظلامها ” … إن المسيح يسوع قد جاء إلى العالم ليخلص الخاطئين ..” ( 1 ت: 1: 15)، لمع نجم ميلاد التجدد والمحبة والتسامح والغفران والسلام ليكون النور للبصر والدليل للطريق والرمز للفرح.  حياتنا في خضم صخب الحياة دائمًا تتطلب ولادة جديدة، تتطلب أنفصالا عن العالم للحظات لنسكن ذواتنا ونبحث عن الطفل الغافيّ في أعماقنا، والذي بيقظتهِ وصرختهِ يُعيدنا إلى حيث بدأنا أن نكون، نعم الحياة تتطلب أن ننفصل ولو قليلا عن الاهتمامات الدنيوية لنعيش لحظات روحية وإيمانية مع المسيح. المجوس لِما تجشموا عناء السفر الطويل والشاق، مُنقادين خلف نجمًا في مسيرتهم؟ لأنهم أدركوا أن الخلاص بالمسيح والحياة فيهِ، أبصروا هذا بقلبهم وسمعوا لصوت البُشرة دون إرغام أو فرض بل كانت رحلتهم بملء إرادتهم وبكامل إيمانهم، نعم نراهم قبل أن يقدموا كنوزهم وهداياهم قدموا أنفسهم وذواتهم. يُحتفل كل عام بميلاد المسيح ولكن لا نريد أن يكون هذا الميلاد مُجرد مناسبة اجتماعية وأحتفال خالي من الروحية، لا نريدهُ كحدث تاريخي يُعاد إقامتهِ في يومهِ واعتباره مهرجان يتضمن برنامج لعدة احتفاليات بل أن يكون امتداد مُتواصل وكلمة حاضرة ومُمتدة إلى ما لا نهاية، نريد فيه أن نستحضر المسيح معنا ويكون دائمًا وأبدًا بيننا.” المجْدُ للِّه في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالنَّاسِ المسرَّة” ( لو 2: 14)، ولد المسيح في مغارة صغيرة وبين الحيوانات ليكون فيما بعد راعيًا صالحًا لخرافهِ التي تتبعهُ بسماع صوتهِ ويفديها بعد حين بدمهِ الزكي، ولدّ المسيح ليكون ضياء تلك النجمة التي عكست نورها على جميع نجوم السماء، في ليلة ميلاد الطفل يسوع أضاءت الدنيا وعمتْ المحبة والسلام القلوب المُحبة المتواضعة، هي كانت ولادة خلاصية إذن بها تكون حياة جديدة يلبسها الإيمان

عقول تمطر كلامًا

نعرف أن السماء تمطر مطرًا على الأرض، لتُسقيّ وتُحييّ وتنبت كل ما عليها ولتدبّ الاستمرارية في كل ما موجود فيها. هكذا هي الحياة ماضية وهكذا هو خير المطر الهاطل من السماء، يُحيي كل ما تحتها. ولكن نحن في موضوع مقالنا سنتكلم عن نوع آخر من المطر، عن قطرات تتقطر من كلمات أفكار مُحلقة في سماء عقول، لتسقطت في الآذان وتحلّ في القلوب ومن ثم تترجم في الأفعال التي تصدر من إنسان وخزتهُ وخزات ربما ألمتهُ وربما قد أدمتهُ لتصل الآخر عن طريقهِ، وفي الحالتين هي قد تركت أثرها واستقرت وستنتقل إلى مكان ثاني وتُعيد الكرةّ إن سُمحَ لها بالإعادة!أحداث ومواقف الحياة والإنسان الذي فيها يُمارسها لا حصرّ لها، هي نتيجة الإنسان نفسهُ، هو من يجدها وهو يمارسها على نفسهِ وعلى غيرهِ وهو من يدعوها في واقعهِ بغض النظر عن الأحداث التي تكون قد تماثلت بسبب الطبيعة. هذه مُجتمعة تؤدي إلى قيام حالة في داخل الإنسان تجعلهُ يفقد القدرة على تحملها ومواجهتها، مما تضطرهُ إن لم يكن بالأفعال، بالكلام الذي يُغني عن الكثير المُفتعل إلى إطلاق كلمات رنانة تهزّ الأبدان لها من قوتها وهولّ وقعها في النفوس، ليس لشذاهّا وإنما لأنها كسمّ أفعىّ الكوبرا تُقتل في لحظة تلقيها!هكذا هو وقعّ الكلام المُرّ، وهكذا نعطيه تشبيه صغير: عندما تمسك مطرقة بيدك وتحاول أن تعمل ما تريد عملهُ من أي شيئًا كان، فأنك سترى ذلك الشيء الكامل وقد أصبح أجزاء مُتقطعة مُبعثرة، واحدة بعيدة عن الأخرى بالضرب المُستمر! كذلك الكلمات التي لا تكون في محلها حينما تصل إلى مسامع شخصًا ما سواء كانت عن قصد أو بدونهِ، فأنها ستجعل نفسهُ تشمئز وتنفرّ وتتشتت، وربما إن كان مما يردون الدينّ مع فوائدهِ سيُعيدها وفوقها البعض الآخر، أليس كذاك؟! وهنا تكون بداية النهاية ووضع فواصل لكل أمور الحياة الحاضرة والغائبة وتفريقها. أنها بصورة أوضح كوضع النقطة في نهاية كل جملة مكتوبة في ورقة ولكن الفارق بين نقطة الورقة ونقطة الحياة، هو أن الثانية ليست لإيقاف الأحداث عند ذلك الحدّ المكتوب، بلْ هي تكون مراحل الانتقال من حالة إلى أخرى؟!صفحات الحياة مُسطرة بالكثير مما هو فيها عابرٌّ، هي كلمات كُتبت في أرجائها بعضها من أجلها وبعضها الآخر ضدها، هي كلمات تناثرت من شفاه أرهقها ما أمطرت به العقول، هي كلمات تربت في عروق شعور مؤلم، هي كلمات نبتتْ في دواخل إنسان حاقد، هي كلمات صادرة من صوت يدويّ من جرحهِ، هي كلمات حصدت من حقول إنسان سائر في ظلمات أرض مُحطمة، هي كلمات عالقة على أطراف لسان يقطن هيكل مُظلم، هي كلمات تعبرّ كل ما هو في الطرقات باقيٌّ وعابرّ، هي كلمات لا مكان لها تأوي فيهِ فتختار الفرار المُستمر، هي كلمات ينقصها الكثير من الحروف والتفسير والتعبير، هي كلمات بكل هذا الوصف الذي قيل عنها، مُؤلمة وجارحة وربما قاتلة! والكلمات الجارحة حجارة تضرب بها قاصدها يجرح هو وتموت أنتَ، لأنكَ بها قبل أن تجرح الآخر تكون قد حكمت على إنسانيتك بالموت الدائمي؟!فالكلمة السيئة التي تخرج من الفم لا يمكن لها أن تعود أو يتم تبريرها بأي أسلوب كان، تمامًا كالسهم حين ينطلق من قوسهِ ويصيب هدفهِ! كونها أخذت طريقها ووصلت أذن سامعها واستقرت قلبهِ، وحتى الأعتذار عنها فيما بعد لا يمكن أن يُعيد ما كان أو يُصلح ما أنكسر، فتذكر دومًا أنكَ:” بكلامك تُبررّ وبكلامك تُدانُّ” ( مت 12 : 37 )، وكذلك أعلم أن:” من أراد أن يحبّ الحياة ويرى أيامًا صالحة، فليكفُفْ لسانهِ عن الشر وشفتيه أن تتكلما بالمكر، ليعرض عن الشر ويصنع الخير، ليطلب السلام ويجد في أثرهِ” ( 1 بطرس 3: 10 – 11 ).  وتذكر أن الماء  قد يغسل الجسد مما مُتراكم عليه ولكن قليل منهُ يستحيل أن يُطهر اللسان مما باحّ به عندما تشربهُ، فليست المشكلة دائمًا في التفكير فيما الذي ستقولهُ بل التفكير كيف ومتى ولمن ستقول كلامًا لا يخدش شعور أحدٍ؟! فالقليل يُضيع الكثير والعين التي تبصرك ستجدها في يومًا ما أضاعتك. انتقي كلماتك قدر المُستطاع ودعها تأخذ طريقها السليم لتبقى على استقامتها مدى بقائك، ودعك مظلتك مفتوحة بعض الوقت حين تمطر، لكي تذهب قطرات المطر بعيدًا عن رأسك وترتاح من تنشيفهُ لاحقًا. 

التصادم اللاحق

مواقف كثيرة ترافق الخطوات والمسير، هي دروب تسلك فيها وصولاً إلى ما يريد كل واحدًا بلوغهِ، هي رغبات وربما أمنيات يُريد لها أن تكون على أرض الواقع ماثلة وثابتة وراسخة وتُعاش. لكن الكثير والكثير منها مما يأتي بعد حين وبعد طول انتظار يتعارض مع ما يكون ساعتها ومع الحاضر في زمان قد اكتملت دورتهِ عند باب تلك الحياة ليكون ويصبح ما سيكون عليه مُستقبلاً. وهنا تبدأ العيون بالإبصار على ما آلت عليه الأمور وحينها كذلك يبدأ المعني بها تقبلهِ لها بنسبةٍ أو التصادم معها. ما نعلمهُ جميعًا هو أن أي شيءٍ في الحياة يكون بحاجة إلى تفكير وأرضية صلبة يُقام عليها، أرضية بحيث عندما تكون قد تعبت فيها وبذلت جهد وتابعت يكون لك فيها خيرًا حتى وإن كان قليلا، المهم أن تكون قد عرفت، أين ومتى وكيف كان كل هذا؟! أليس كذلك؟ سنعطي فكرة مُبسطة عن فكرة موضوعنا والذي واقعنا يحمل ثمارهُ، مثلهُ مثل الكثير من الأشجار التي شمخت في سماء الحياة وكانت ثمارها لا تنفع أو ربما لم تحمل أغصانها الثمار.   تصادم الأفكار: كثيرة هي مناهج الحياة والأكثر هي طرق التعامل معها، لكن المهم فيها هو كيفية تقابل الأفكار فيها وعدم تعارضها بهدف الوصول إلى نتائج أو أعادة ترميم ما يستحق البناء، بالتأكيد مع سلوك مسالك مُنتظمة ومضبوطة تحمل كل الموضوعية في أغناء سيرورة الحياة والتقدم بعيدًا عن التقسيمات والشروخات التي تقطع أوصال الكثير من العلاقات والكلام الواجب أن يكون ماثل في واقعهِ.   جدالات كثيرة تحدث في مُجتمعنا تخلق نوع من التباعد والتصادم وجدار عالي يصعب عبوره أو لمح حتى ثقب صغير فيهِ لمرور النور خلالهِ، بسبب الانفرادية وتحيز طرف لآخر وتضارب الآراء والأفكار وعدم تقابلها، هي تكون مُتنافرة ومُتباعدة أكثر من أن تتقارب ولو لوهلةٍ صغيرة! بسبب أن كل صاحب فكرة أو فكر أو رأي في أية قضية كانت أما تخصهُ أو تخص مُجتمع أو بلد، يحاول فيها جاهدًا أن يبين أنهُ على صواب حتى مع علمهِ ويقينهِ برأي الآخر وتطلعاتهِ ومدى مصداقيتها وفعاليتها! وهذا شيءٍ جيد أن تكون واثق الخطوة ومُتطلع ولديك تصميم وثبات ولكن لا ضيرّ من انفتاح الفكر وتقبل الأفكار واختلاطها وامتزاجها بحيث يُعطيك الفرصة في تولد أفكار أخرى تكون مرجع للأولى ويُستند عليها. هي وسيلة لتطوير الأفكار نحو الأفضل ونحو فرص أوسع، أعمّ وأشملّ، كونك تطلق العنان لآرائك وأفكارك في أن تكتمل وتصبح أكثر شمولية واحتواء، حتى حينما تتقابل مع فكر الآخرين تلمّ شتات ما هو مُتفرق ومُتشابك ومُتبعثر ومُتبدد في قوالب مُتماثلة تساعد بعد حين في إيجاد وسائل وسبل تحقيق نقلات حضارية في الواقع الإنساني.     كل إنسان وجد نفسهُ ضمن إطار مُختلف عن الآخر ولكن مُشابه في التركيبة، والاختلاف لا يفسد للودّ قضية، فإن اختلف اثنان في رؤى أو حقيقة ما فيجدر بكل واحدٍ أن يتقبل وجهة النظر والإطار الفكري ضمن زاوية تختلف عن زاوية الآخر، لكي تحضى بالقبول وبتوسع أكبر من أجل غدٍ مُشرق يشرق على العقول وينير الأفكار.فالحياة مهما عشتها فأنها تبقى لم ولن تكتمل ما لم تتقبل الآخر ووجهة نظره، بعيدًا عن حدود تحاول أنتَ أن ترسمها عندما تكون مُتزمتًا ومُصرًا على فكرة بناء على اقتناع شخصي مُنفرد من قبلك. دعّ الطريق مفتوح للأفكار من المرور وللكلمات من أن تتحدّ وتمارس دورها وفعاليتها في ترميم العقول وثم الحياة، لتخلق فيما بعد لغة جميلة، مُتناسقة، مُتناغمة، مُنسجمة في أفواه الأجيال المستقبلية وفي كينونة الموجودات وأرضها، بمعنى الخروج عن الدائرة المألوفة إلى أفق أبعد وأوسع وأشمل، وغير ذلك فإنك ستفاجأ بتصادم لاحق يجعل ما تحت قدميك يهتزّ لينقلك إلى أرضية أخرى أنتَ لم تتأقلم عليها ولم تأتي منها. 

رحلتي إلى الخيال

عندما تقسو علينا الحياة وتجرفنا في طريقها الأقدار، نجد أنفسنا صدمنْا، ضعفنْا، تقوقعنْا، بسبب يأسنْا وعدم مقدرتنْا على التحمل. فنأسر أنفسنْا بقيود نحن من نضعها لأنفسنْا، ونشدّ أفكارنْا ونبحرَ فيها إلى عالم الخيال بكل عقلنا، باحثين عن آمالنْا، أحلامنْا، إنساننْا، أمانينْا الضائعة والتي أصبحت سراب في عالم الواقع، علّ وعسّى نجدها في عالم اللاوعي! أسئلة كثيرة من عالم الواقع تُبادر ذهننْا، تُدهشنْا، تُحيرنْا، تُبكينْا… من يُجيبنْا عليها… لا نعلمْ؟!

الشتائم حيلة المُفلس

معظم الأمور في الحياة لا تسير دومًا على وتيرة واحدة، لابد لها من الخروج عن مسارها الذي قد يكون غير ملائم للملائم لها وبالعكس.الاختلاف: وهل من الممكن أن تكون الحياة مستمرة بطبيعتها بدونهِ؟! بالتأكيد لاء، لأن لولا هذا الاختلاف على أرض الواقع لمْا كنت أنا وأنت وهو وهي كلٌ على موضعهِ اليوم، بغض النظر عن مستواه وعن الظروف التي قد تتداخل وتتشابك لتكون في الواقع وتأتي بنتائج عكسية ليس كما يُراد لها … أليس كذلك؟! فالاختلاف مثلما هو حالة سلبية وعقيمة في كثير من الأحيان ولكن بالنظر لجانبهِ الآخر فأنهُ يحمل الكثير من الايجابيات والحلول التي من الممكن أن تعطي الحافز للوصول إلى الأفضل والأمثل في حالة ما إذا فهم على هذا الأساس وليس غيرهُ ….. كيف؟طبعًا تركيبة كل إنسان تختلف عن الآخر وبالتالي فأن الأفكار لا يمكن أن تتلاقىّ بنسبة كاملة بدون تبادل وجهات النظر وتقبل الآراء مهما كان تباين اختلافها ومناقشتها على أسس سليمة وبناءة وواعية. فبين رأيٌ ورأيًا آخر هنالك نقطة اختلاف فيها تقارب وتباعد في ملعبها، وبين أن تكون مُعارض وموافق هنالك مبدأ وقضية للتداول والنقاش فيها على أسس ثقافية سليمة وموضوعية بحتة بعيدة عن الشخصنة والاتهامات والاهانات والتراشق بالكلمات باختلاف مُسمياتها، وتحجيم لكل ما هو ماثل.   ولكن نشهد ونلاحظ ونسمع بمُجرد ما يثير موضوع معين يخص قضية ما في مجتمع أو بلد ما، أن تلك النقاشات المُتداولة فيهِ قد ذهبت لأبعدّ من حدودها القريبة وخلفت الكثير من الرواسب والانطباعات السلبية مع الكثير من التوتر والحدية والتفرقة والتخاصم وتغيير معالم اللغة والشخصية والسلوك، مع إعطاء الكلمات حروفًا غير حروفها المعهودة وألوان غير ما هو ظاهر ومعلوم لها في واقعها! حوارات ومناقشات يلبسها الكثير من العنف الفكري المتوتر المتولد في ذات الشخص نفسهُ، ومُتخذة شكلاً ومنحىّ آخر بعيد تمامًا عن مضمونها الأصلي ومعناه وفي مُحاولةٍ لإقصاء الآخر واعتبار كل واحدٍ أن رأيهِ هو الصائب والأمثل! هنالك تعصب وتعنّد وتزمت في الرأي والفكرة ومحاصرتها ضمن حدود يتمنىّ لها أن تكون فقط، مع العلم طبعًا أن هكذا فكر مُحاور هو مُدرك تماما لحجم ومردود كلامهِ في واقعهِ، ولكن يضع نفسهُ في خانةٍ هو من يريد لهّا أن تكون من أجل أن تخدم ما يرغب به هو وغيرهُ وما الحاصل منها لاحقًا!والمُتتبع لكل ما يجري على الساحة اليوم، يلاحظ هنالك انحياز وتأييد وتعصب أعمىّ إلى جهة دون أخرى! هنا لا نشخص أحدًا بذاتهِ ولكن كحالة عامة أصبحت ماثلة في الواقع وتخلف الكثير من السلبيات من اهانة وتجريح بالكلام وانفعال وشتائم وإطلاق كلمات نابذة وتصغير الآخر، مُفتقرين بهذا إلى أقل أساليب التواصل وهم من ينشدونهُ! هذا الأسلوب المشين من البعض هو ما جعلني استغرب منهُ وأتسأل: كيف أن أصحاب قضية يؤمنون بحقيقتها ووجودها ويدافعون عنها، ينجرفون لينزلقوا إلى القاع الذي هم يحاولون الفرار منهُ!في أي نقاش مُتداول يخص قضية ما، نلاحظ خروج الموضوع عن مضمونهِ ومستواه وفكرتهِ ليصل إلى شخص كاتبهِ حتى بدون أن يكون هنالك استيعاب كامل بمحتواه، بسبب كون أفكارهم وآرائهم حبيسة تعصبهم الأعمىّ! يحولون ساحة الحوار إلى مسرح ذات عرض صاخب يشمل ممثلين حقيقيين وآخرين زائفين وبنصوص يتيمة! في محاولة لإظهار الضغائن الشخصية واستفزازات ومُشاجرات ومشادات كلامية عنيفة وفقيرة، وبيان أي واحد هو الأسرع في جرّ الحبل إلى مرماه! ولكن الاستغراب أكثر يكون حينما تجدهم في موضع ثاني يرددون العبارة الشهيرة لــ غاندي:” الاختلاف في الرأي لا يفسدّ للودّ قضية” وهم للفساد زارعين وللحقد والتفرقة حاصدين! لا نعلم لمن يكتبوها ولما يرددوها ولما يلبسون القناع إذا كان ودّهم قائم!اختلف في الرأي وأبديّ رأيك وفكرتك ولكن لا تحاصر الفكرة ضمن حدود فكرك أنتَ فقط، بل دعها تنطلق وتأخذ موقعها من الأفكار الأخرى لتتقابل ولتعرف وتتعرف على مكمنْ الخلل أين، هذا إن كان يوجد هنالك اقتناع أصلا وإيمان بما أنت تسعى إليهِ!نحن بحاجة إلى تعلم ثقافة الحوار الراقي، ثقافة تكون مولودة الفكر النيرّ بدون  انحياز وبدون فرض شيءٍ على شيءٍ آخر، وبدون أن الغي وجود الآخر من أجل أن أثبت وجودي الذي لا يكون من دون هذا الآخر الذي تحاول إقصاءه بشتى الأساليب وشراء الذمم مقابل حفنة من المال التي حينما تحصل عليها تستصغر نفسك بها وتجعلها مُهانة وأنت لا تعلم يا عالم، جعلت نفسك مملوكة وخادمة للمال!سهلا هو جدًا أن تقلل من شأن الآخر.  سهلاً هو أن تتهم الآخر وترشقهُ بمختلف كلمات الإتهام.  سهلاً هو أن تحجم الآخر حسب نظرتك الضيقة.  وسهلاً هو أن تشتم الآخر بكلمات تدل على تركيبة شخصيتك وكيانك وبيئتك أولاً.ولكن كنْ على يقين تام أنك في حالة إفلاس دائم وفقر ذاتي، تعيش في فراغ فكري لا أساس ولا مبدأ لهُ ولا قضية للتداول والبحث فيها! تعلم ثقافة الحوار لكي تصل إلى مصافيّ الرقيّ، وأعلم أن الاختلاف واردّ ولكن ليكن بمحبة. 

وكان لهُ ما أراد

تسرقهُ اللحظات من دنيتهِ لتسكنهُ في عالم كل ما فيهِ نفسًا ترحل إلى حيث ما يحضرها لتعيش فيها، أنها نفسًا تعيش الحيرة ويشتتها الغموض في دنيا الواقع واللاواقع ليبعثرها داخل كيان مُتمرد! ولكن ما لذلك التمرد من حضور حاضر ألا إذا استدعيّ ليكون في وقتهِ المناسب.  

نسيم الأماكن

ويبقى السؤال يراودني ويتقاذف إلى مُخيلتي:” لماذا هذا الرحيل المفاجئ؟!” فلا أجد الإجابة عليه، وكل ما أفعلهُ هو الاكتفاء بالصمت وسط الألم الصارخ!”. مُتألم يكلم نفسهُ ببضع كلمات حديث كان، لا يسعهُ المكان اليوم رغم وسعهِ، أنهُ ألم يهتف بما يوخزهُ ما بين الحين والآخر؟! شعرَ بشوق وحنين يجتاح دواخلهُ، أشعرهُ بضيق في صدرهِ  وحزن وتنهدّ، لملمّ بعضهِ الذي يشتاق لبعضهِ، وبعضهُ الذي يشتاق لها، والبعض الآخر المُتبقي الذي يسكنهُ، ذاهبًا بهما للمكان الذي يحنّ لهُ دومًا ويرتاح فيهِ، أنهُ أفيونهُ الذي يغيبهُ عن حالتهِ لبعض الوقت ليعيش زمانًا كان ما يزال فيهِ يعيش حيًا!وما بين سماء شبه رمادية وبحر رمادي مُتقاذف الأمواج، يكون هو بينهما ساكن، جالس على الصخرة التي طالما كانت زمان بالنسبة لهما الجنة التي يتقابلون بها، كانت مسكنهما المعهود. جلس ومدَّ عينيهِ للبعيد البعيد للأفق المائل إلى السواد، علْ بعض البوح يخفف مما يجتاحهُ ويزورهُ بدون استئذان! ناظرًا للموج المُتلاطم والمُتهافت على رمال الشاطئ بعينًا سارحةٍ! ترى إلى ماذا ينظر، وما الذي ينتظرهُ من هناك؟! أيأمل في عودة من غابَ بدون ميعاد؟! أيعقل أن يكون الأمل المنشود في داخلهِ؟! أم هي الحيرة في داخلهِ هي من تقودهُ؟!أخذهُ التفكير وبعدها مدّ جسدهُ على الصخر وبسط يديهِ حدّ حدودها، مُسدلاً قدميهِ للموج، مُستسلمًا أمام البحر ليأخذه مع أصوات موجهِ إلى من يفكر بها ويقلقهُ رحيلها فجأة! ناظرًا للغيم الرمادي الراحل رويدا رويدًا مع الريح المسافر في الفضاء. نظر إليه وتمنى أن يكتب عليها شوقهُ وشجنهُ وقبلاتهِ وعناقهِ لتصلها إلى حيث هي! وأخيرًا وسط هذه الأجواء ووسط ما عزفتهُ في داخلهِ، جعلتهُ يستسلم ويسدل عينيهِ عن عالمهِ ليرحل إلى عالمها الذي يعج بداخلهِ بكل ذكرياتها، مُعانقًا عطرها، كلماتها، همساتها، لمساتها، نبرات صوتها، عتابها، جنون حبها، يتذكرها وتحل هي بأعماقهِ بكل ما يحملهُ حلولها.  ولكن بينهُ وبين نفسهِ يقول: أحلامي ضرب جنون، وجنوني لا أمل لهُ! وبينما هو يكلم نفسهِ بكلمات، حلم بسفينة عائدة بعد غياب تحمل على متنها من هم إلى الروح أقرب، رستْ على الشاطئ وهي الأخرى رستْ عند عتبة قلبهِ! فلمحها بعينيه وهي تنزل منها بخفة خطواتها وتركض إليهِ بلهفة وصوت الخلخال يرنُّ في رجلها، واصلةٍ إليهِ وماسكة يديهِ وهامسة في إذنهِ بحرارة دفء صوتها:” اشتقت لك، وعيني لم تنمُّ قريرة منذ أن فارقتك، اشتقت لكَ وقلبي لم تنتظم دقاتهِ منذ أن غادرتكَ، حياتي سادّ فيها الصخب منذ أن فارقتك عيني، اشتاق بعضي الباقي لبعضي الآخر الذي يسكنك، أنا بدونك لا أكون، ببساطة أنا أنتَ”.        صوتها الحنون بمُجردّ دخولهِ مسامعهِ لامسّ وجدانهِ وداعب روحهُ وجعل دقات قلبهِ تتضارب من تهافت نغمات صوتها عليها وشعر برغبةٍ بأن يطير بها، وشعر بالحياة تدبّ فيهِ من جديد، وشعر أن المكان لا يسعّ حجم سعادتهِ …. شعور لا ينتهي! نظر إليها نظرة عاشق ولهان وقال لها:” أنا وأنتِ لنْا ذكرى لن ننساها ما حيينا، وحتى المكان وذلك المقعد شاهد والشمس حاضرة رغم غيابها اليوم". داعبتْ الابتسامة شفتيها ولامست شغاف قلبهِ برسمتها وأراد أن يأخذها بالأحضان، ولكن ما إن حاول ذلك حتى فاق وعرف أنهُ كان على أرض الأحلام يجول ويبحث فيها عما لا يجدهُ في واقعهِ! حلم وتمنىّ ولكن أمواج البحر حققت فقط رغبتهِ على شواطئ الأحلام وتركتهُ يعيش لحظات هي كانت لهُ حياتهِ وعمرهِ الذي يتمناه!مع الأسف كان حلم جميل زارهُ في لحظة جوع الروح! كل بقعة من تلك الأماكن التي تحمل رائحة الماضي العطرة، تحمل ذكريات موثقة سواء كان بين ثناياها وفضاءها أو في الذاكرة، كلما رحل إليها من لهُ مكان فيها أضاءت جنبات النفس واستعرضت أمامهُ ما هو مخزونًا في الذاكرة ومنقوشًا في القلب. وتبقى بعض الأماكن نسيمها عنبر وبيلسان، لكن الانتظار فيها يُدمي! هي ذكرى، انتظار، وحدة، تفكير، همسة، عتاب، هلوسة، جنون …. الخ، هي مشاعر صادقة ووفية لأبعد حدّ مُرتبطة بالمكان الذي فيهِ شهد أجمل اللحظات وأجمل عمر وأجمل صمت وأجمل أنفاس وأجمل صوت وأجمل صدق مشاعر. ذلك المكان الذي تربىّ بين أحضان اثنين يبقى عنوان لهما يعودان إليهِ كلما هبّ الحنين وأراد أن ينتعش في داخلهما. أماكن تدقّ القلوب لتعيش فيها وتعطرها بعبق رحيقها، فللأماكن أرواح كروح من زارها ونقش فيها مكانهُ وأسكن حبهُ، وكلما حنّ واشتاق رحل إليها وجلس بين ما تحملهُ ليعيش ويعيد الأنفاس إلى النفس لتحيا.    

تأملات في الإنسان

لنتأمل قليلا في تلك الشجرة الشامخة على الأرض، أغصانها ترتفع بما يسكنها من ثمار أو زهر وأوراق في فضاء الحياة، وجذورها تمدها في باطن الأرض مُتمسكة فيها بكل قوتها. تعيش فصول الحياة الأربعة، تتحمل برد الشتاء القارص والمطر الهابط والثلج النازل بثقلهِ على أغصانها فتعيش محنتهِ بقسوة وتتحمل، ثم يأتيها الربيع بما يحملهُ من جمال خلاب ليعيد الحياة إليها وينعشها من جديد لتجدد وتُعطي وتهب ما لديها من خيرات، بعد الربيع أنهُ الصيف وشمسهِ الحارة والعطش والذبول النسبي تحضيرًا للخريف القادم أخيرًا، فيُجردها من أوراقها  ورقةٍ ورقة ذاهبة في مهب الريح، ويُعيشها ما بين الحرّ والبردّ وما بين الصمود والتحدي وما بين الرحيل والبقاء!ولحين ذلك وما بين هذه جميعها مُجتمعةٍ، قد يسكنها الطير ويعشش فيها وقد يزورها الغراب ليحل على غصنها، وقد يؤلمها نقار الخشب بمنقارهِ بنقرهِ المُتواصل عليها، أو تصبح طعامًا للدود الزاحف إليها رويدًا رويدا، وربما الإنسان نفسهُ يمد يده عليها بفأسهِ ليرميها أرضًا، مُنهيًا بفعلتهِ دورة حياة الحياة ذاتها، وتنتهي الحياة وتقطع الأنفاس!       الإنسان كتلك الشجرة أيضًا يعيش فصول الحياة بكل عواصفها وزوابعها المحملة على اختلافها، وبقوة إرادتهِ وتصميمهِ قادر على أن يثبت نفسهُ ووجوده بكل قوة وجدارة ويتخطاها إلى ما هو باقي من الموجود، وأيضا قادر على أن يتجاوزها من داخلهِ لكي لا تبقى وتأخذ مكانها وتحتلهُ وتستوطنهُ كما يحتل العدو والغريب الأوطان! سنقوم برحلة وجولة لمدة زمنية قصيرة إلى داخل الإنسان لنجول فيهِ ونعرف ونتعرف ونتأمل في كل ما يجول في مكنوناتهِ وأعماقهِ، أنها رحلة صغيرة بدقائق معدودة نبدأها من القلب وما يتولد فيهِ وما يخرج منهُ، ثم نزور العقل لنستكشف كيف يفكر ويعطي الإيعاز لكل ما مكنون ومضمور في أوراق الإنسان للحياة وللآخر.هذا الكيان الحيّ يتدفق الدم في شرايينهِ وأوردتهِ، واصلاً إلى جميع مناطق جسدهِ وهو مُحمل بالكثير من المعاني الثمينة عن النفس وعن الآخر من:” الاحترام، الحبّ، المشاعر، الأحاسيس، الألم، الحزن، البسمة، الشجون، كلمات جميلة، السعادة، الصمت، الشفافية، الحنين، النقاء، الضيق …. وغيرها الكثير مما يجول في الخاطر، قد تستأنس النفس لها أو ترفضها حسب ما يلائمها ويناسبها وأحيانًا ما يفرض عليها، فهي مرات لا تكون حرة أمام إرادتها! فالحياة إذن تكون بما تحملهُ والإنسان بما يتلقاه ويمارسهُ على نفسهِ وعلى غيره من فنون كثيرة وتحمل من الألوان والأدوار الأكثر.وحينما نتأمل في الإنسان هذا الكائن المُميز والمُختلف عن باقي الخلائق والمميز بعقلهِ عنهم، نجدهُ حينما يغيب عقلهُ عن المنطق والإرشاد وعن الحضور الحاضر يُوعزّ لنفسهِ للقيام بالكثير من الأمور المُخالفة لطبيعتهِ كإنسان إنساني! يكون مسلوب الإرادة، هو من يسلبها حينما يسخر ذاتهُ إلى كل ما هو ضد النفس.أنها عبثية الإنسان ومشكلة زمانهِ الحاضر التي غابّ فيها المعنى والجوهر، مما يدفعهُ بما يحملهُ في قلبهِ من شعور وما يختزنهُ عقلهِ من نظرة مُغايرة لواقعهِ لا يستسيغها بسبب واقع عاشه أو غيره ذاقهُ أثر في نفسيتهِ في الحالتين وغير من ملامح الحياة والإنسان في عينيهِ! دافعًا به بعد حين إلى التصادم والركون عند المشكلة التي تكون كتلك العاصفة الشتوية الباردة الهابة، تُبرد كيانهِ وتجعلهُ يجد صعوبة في التوافق الداخلي النفسي والحياتي مُستقبلاً! يفكر بما يسكنهُ وينظر لواقعهِ فيحتار ويتردد، وما يكون من العقل سوى إلقاء ظلالهِ بقوة على كل ما يُخالج القلب ويلمسُّ الشعور.   كثير من الأمور والأشياء يرغبها القلب ولكن العقل يرفضها، والكثير الآخر يسكن القلب والعقل يغلق الأبواب عليها! وهناك الأكثر مما يختزن في العقل ويضمر في القلب واللسان يترجمهُ بكلمات وجمل قد تسعد أو تحزن أو تعيش في الأيام كما تعيش الثواني والدقائق في الساعات. أو ربما قد يحدث العكس بنسبةٍ والقلب هو الذي يرفض ويتمردّ!   التأمل في هذا الكيان العظيم لا ينتهي، هذا الكيان الذي يحمل بين جنباتهِ: الذكر والأنثى، الأسود والأبيض، الخير والشر، الفكر والشعور، الحياة والموت، الضحك والبكاء، الزهر والأشواك، الحروف والأرقام، الشهيق والزفير، الحقيقة والخيال، الظاهر والمكنون، النور والظلام، الدفء والبرد، القصة والرواية، وأخيرًا وليس آخرًا الوطن والغربة! وتبقى نفوس تحيا في دنيا الحياة.  

ثقب إبرة

ثقب إبرة أكيد كل شخص يعرف حجمهُ، ولكن ليس كل واحدٍ يعرف أهمية وصفهِ في أمور دقيقة حياتية. ذُكر في الكتاب المقدس (الإنجيل) في قول يسوع المسيح:” مرور الجمل من ثقب الإبرة أسهل بكثير من دخول الغني ملكوت الله” (مت 19: 24)، وهناك حكمة صينية تقول:” أنظر إلى السماء من ثقب إبرة”. ونحن نقول أنظر لكل شيءٍ في حياتك من خلال ذاك الثقب الصغير، لكي ترى من خلالها كل شيءٍ كبيرٍ دقيقًا ومضبوطًا.   هي جميعها دعوات تدعو إلى نبذ الأمور الدنيوية والتمسك بالحياة الآخرة، الحياة الغنية بمحبة الله وتوبتهِ وغفرانهِ، وأيضًا دعوة إلى الأمل والتواصل والتفاؤل والتخلص من كل يأس وهمّ وظلمة، هي نداء للحذر من تكالب الخطوات في متاهات الحياة من خلال الانشغال بالمال وجمعهِ بشتى الأساليب، هي دعوة جميلة للبحث عن نافذة حتى لو كانت صغيرة بصغر ثقب الإبرة، ليطل منها على شروق جديد وخيط أمل يتمسك به، هي دعوة لتذكر الذات وعدم نسيانها! المال نعم ضروري لتسيير أمور حياتنا، هو وسيلة وليس غاية وقيدًا وأسلاك شائكة تفصل الذات عن الجسد وعن الآخرين وتضيعها في متاهات وأزقة الحياة.يقول:” كثقب إبرة أرى الدنيا الآن وأضيق مما تتصورون وتتخيلون، تهتُ، ابتعدت، خسرت، ضيعتُ، شوهتُ، خذلتُ وخُذلت كثيرًا وبعدها خرجت من كل شيءٍ كانَ بلا شيءٍ يكون، وثقت بالجميع وأحسنتُ ظني بهم بلا حدود، وعلى غفلة فقدت الثقة ومعها فقدت ذاتي! أنها لخسارة كبيرة حين تحسُّ أنكَ مجرد آلة كلما تباطأت في حركتها تدهن بالزيت، تمامًا كالجوع عندما يحل يسد رمقهُ بلقمةٍ! لازلت أبحث عن ذاتي التي تركتني في غفلة من الزمن، فهل من الممكن أن نتلاقى حتى ولو صدفة أنا وهي، أم هي ماضية في طرقاتها بعيدًا عني، بسببي أنا؟!”.فجأة تشعر بأنك أنتَ لست أنت، وكلماتك ليست ملكك، ومجهودك ليس من عملك، وخطواتك تاهتْ منك، تنظر لنفسك في المرآة تلمح إنسانًا آخر، تبحث في أعماقك تجد شخصًا آخر يسكنك! أين أنتَ من نفسك، لا تعرف؟! ترى ما الذي جعلك ترى الحياة بوسعها كثقب إبرة صغير؟! من جعلك تنسى ذاتك وتتخبط في طرقات الحياة وحيدًا؟! من جعلك تعيش الاغتراب مع النفس والغفلة عن الحياة؟! من الذي جعلك تتمنى أن تجتمع بذاتك مُجددًا؟! بالتأكيد تكون أنت نفسك السبب الرئيسي لكل هذا، إن لم يكنْ هنالك من سلب إرادتك وجعلك تعيش الأغتراب والغياب عن الحياة وأنت حيٌّ!    ما نفع العالم لو ربح الإنسان كل شيءٍ فيه وخسر نفسه! كل شخص مُحبًا لأمور الدنيا وللمال، يجعل من نفسهِ وفكرهِ عبدًا لهما، مُسيرًا بهما، مكبلاً بأغلالهما، سالكًا طرقاتهم! وبالرغم من كل ما يملك ألا أنهُ يعيش الفراغ مع نفسهِ والضياع وفقدان طعم الأشياء ومعناها! هي ليست دعوة لنبذ المال أو الاستغناء عنهُ كليًا، بل التعريف بأنهُ ليس كل شيءٍ بالحياة، وليست لهُ تلك الأولوية التي البعض يترك كل شيء في حياتهِ حتى أقرب المُقربين إليهِ، مُتمسكًا به. الحياة أجمل وأبسط من ذلك إذا عرف طبعًا كل واحدٍ كيف يجعلها بسيطة ببساطة روحهِ وجماليتهِ.   عش الحياة دون تفكير وسبق أحداث للغد، كل يوم لهُ تدبيرهُ وكل ساعة لها دقائقها، لا تستعجل ولا تركض في سنينك دون راحةٍ، أشعر بروعة يومكَ، وفكر بعمق بذاتك التي هي بحاجة لك أكثر، هي من تجعلك إنسانًا يعرف ويحسّ بقدرهِ! خصص لها كل يوم بضع دقائق لتتحدث معها وتُجالسها وتحتسي معها فنجان قهوة على كرسي في حديقتك أو تحت ظل شجرة خضراء تتطاير من بين وريقاتها نسيمات هواء رطبة، وتغردّ على أغصانها الطيور أنشودة الأمل والتفاؤل والحياة. وجه نظرك للسماء والى الغيوم التي تتحرك في فضائها لتعلم وتدرك أن الحياة نبض دافئ مُتدفق بأجمل المشاعر الإنسانية، وليس صخر تقع عليك تحطمك، عطر أنفاسك بأريج الزهور لتبتسم ابتسامة ملئ فمك نابعّة من بين ثنايا أعماقك لكل ما هو موجود بالحياة، والذي أنتَ هو أحد هذه الموجودات.