Avatar

Articles par سهى بطرس قوجا

الاستعداد الدائم

قال يسوع المسيح:” السَّماء والأرُض تزولان، وكلامي لن يزول. فأمَّا ذلك اليومُ وتلكَ السَّاعة، فما من أحدٍ يعلمُهما، لا ملائكةُ السَّمواتِ ولا الابنُ إلا الآبُ وحْده”. ( متى 24: 35- 36).كشف ربُّ السموات لأبنهِ عن كل من ما لابدَّ منهُ ليقوم برسالتهِ التبشيرّية الخلاصِّية، ولكنهُ لمْ يكشفَ لهُ الأزمنة والأوقات ” ليسَ لكم أن تعرفوا الأزمنةَ والأوقاتَ التي حددَّها الآبُ بذاتِ سُلطانهِ” (أعمال الرسل 1: 7)، لذلك يجب على الناس أجمعين أن يكونوا مُستعدين دائمًا وأبدًا، لأنهُ في ” الساعة التي لا تتوقعونها يأتي أبنُ الإنسانِ” (متى 24: 44). وقد أعطى المسيح أمثلة يوضح فيها كيف يكون الإنسان مُستعدًا يوم لقاءه برَّبهِ وهي:” مثل الخادم الأمين، مثل العذارى، ومثل الوزنات” (متى 24: 45_ 51/ 25: 1-31).قال يسوع أيضًا:” لأنَّ من الداخلِ، من قُلوب الناس، تخرُجُ الأفكارُ الشَّرَّيرةُ: الفسقُ والسرقةُ والقتلُ والزَّنى والطمعُ والخُبثُ والغشُّ والفُجورُ والحسدُ والنميمَةُ والكبرياءُ والجهلُ” (مرقس 7: 21- 23). أما بولس الرسول فقد ذكر في رسالتهِ إلى أهل غلاطية:” وأمَّا أعمالُ الجسَدِ فهي ظاهرةٌ: الزَّنى والدَّعارةُ والفجورُ وعبادةُ الأوثان والسحرُ والعداوةُ والشقاقُ والغيرةُ والغضبُ والدَّسُّ والخصامُ والتحزبُ والحسدُ والسَّكرُ والعربدةُ ” (غلاطية 5: 19- 21).قلبُ الإنسان عندما يبتعُّد عن الإيمان والصلاة ومحبة المسيح، يُسوسُ الشر لعقلهِ ولفكره عن كمْ الخطايا التي ذُكرتْ في هذين النصين ليسوع المسيح ولبولس الرسول والتي تجتاحُ وتعصفُ بالإنسان من الداخل والخارج، وتكمْنُ في خباياه ودواخلهِ بنسبةٍ. مُولدة الدافع والنيةُ في داخلهِ لارتكابها في لحظة غضب أو لحظة أنانية أو أحيانًا كانتقام من واقع يرفضهُ أو من شخص أساء إليهِ، فيُخرج هذه الأعمال ويُطلقها مسببةٍ أذية لهُ ولغيرهِ، فيخطأ إلى نفسهِ وإلى الرب. وكما نعلم بأن الإنسان يُولد وفي داخلهِ الخير والشر، الأسود والأبيض. وهذه الأعمال والنياتْ جميعها مُتجذرة في الإنسان أو يكتسبُّها من مُحيطهِ والمُحيطين به، ولكن بقدرتهِ وإرادته النابعّة من عمق إيمانهِ يستطيع التحكم بها.وأغلب هذه الخطايا والنياتْ ليست فقط مُقتصرة على الأعمال، بل إن مُعظمها كالخبثُ والغيرة والغضب والحسد والدسَّ والطمع ……الخ. تعمل بخفية في داخلنا، مُتخفيةٌ في العقل والقلب. وجميعها في النهاية خطايا  وتجارب تُحاول أبعادنا عن الآب السماوي، فنؤذي بها أنفسنا وغيرنا ونخجل منها وتكون عاقبتها الموت” فأيُّ ثمرٍ جنيْتُم … من الأعمالِ التي تخجلون منها الآن، وعاقبتُها الموتُ؟” ( روما 6: 21). فمثلاً:   ـــ الخُبثُ: كمْ وكم من المرات نرى أشخاصًا يتصرفون بخُبث في سبيل مصلحتهم الشخصية أو في سبيل إيقاع غيرهم في ورطةٍ، مُتناسين مخَافةَ الربَّ!  ـــ النَميمةُ: ألا نتكلم كثيرًا عن فلان أو فلانة، دون أن نتأكد من صحة الكلام لمُجرّد إننا سمعنا فقط، ألا نكون قد اغتلناهم كلاميًا وألحقنا شرًا بهم. فهذه جارة تقضي ساعات طوال تتكلم على حساب جارتها!ـــ الطمع: لا حدَّ لهُ، عندي كل شيء ولكن ما زلتْ أريد المزيد والمزيد، وأجمع لي كنوزًا في الأرض في سبيل أن امتلك أكثر، وهكذا نرى الكثيرين في العالم مُحتاجين إلى رغيف خبز! لأن هذا الآخر استحواذهِ لم يكن لهُ حدَّ، فحرمَ الآخرين من أن يأخذوا فرصتهم هم أيضا. فكان طماعًا وأنانيًا بذات الوقت.هذا ما يزرعهُ الشرير في قلبنا وعقلنا وغيرها الكثير، أنهُ يأتي إلينا في لحظة ضعفنا ويخطفُ كلمة الله التي زرعها المسيح في داخلنا ويُبدلُ الأبيض في داخلنا بالأسود ” فيجيءُ الشَّرير وينتزعُ ما هو مزروعٌ في قلبهِ” (متى 13: 19). لأنهُ ضعيفٌ بإيمانهِ، فيحثنا على النطق بكلمات غير لائقة ويُشجعنا على الأذية والسرقة والقتل والعداوة وعلى الكذب والحقد والاستغلال. فالنيات الحسنة موجوّدة وكذلك النيات السيئة، ومثلما قُلنا الإنسان يُولدُ وفي داخلهِ الخير والشر! ولكن ما مدّى قُدرتنا وتمسُكنا وقوة إرادتنا إزاء ضعفنا كبشر؟هل علينا أن ننسَّى محّبةُ الله الكُبرى لنا وتضحيةَ يسوع من أجلنا؟ هل نفقدُ ثقتنا وإيماننا بالرَّب ونستسلم للأعمال السيئة ولأول تجربةٌ تُصادفنا؟ أم نتسلحُ بإيماننا وبمسيحنا الفادي ونستعُّد دومًا لمُقاومة ومُحاربة الشرير والتجارب التي تعترض حياتنا أو الذين يكونون سببًا في خطيئتنا؟نحن جميعُنا “أسرى محبَّة المسيح، بعدما أدركْنا أنَّ واحدًا ماتَ منْ أجل جميع الناس، فجميع الناس شاركوهُ في موتهِ” (2 كورنثوس 5: 14). فيجب أن لا نترك للخطايا توسوُّسُ في عقلنا وقلبنا وتُحرفُنا عن طريق الرب، وأن لا نكون مثل القائلين” تعالوا نأكلُ ونشربُ فغدًا نموتُ” (1 كورنثوس 15: 32). بل نقوَّي إرادتنا ونعمل إرادة الله ونسير على خُطى المسيح ونكون على صورة جوهرهِ وأعمالهِ ونقتدي به في حياتنا، و”منْ يعملُ بمشيئةِ اللهِ هو أخي وأُختي وأُمّي” (مرقس 3: 35).ومُباركٌ هو الرَّبُ الذي منحنا الحياة في هذا الوجوّد، وميزنا عن كافة المخلوقات والدواب على الأرض، بأن منحنا النفس التي نفخها فينا (الروح) وخلقنا على مثالهِ وصورتهِ. ومنحنا عقلٌ ولسان ننطق به وحكمةٍ ومعرفةٍ ومواهبٍ وأعمال مُتنوعةٍ ومُتباينةٍ من شخص لآخر كلٌ حسَّب قُدرتهِ وتكاملهِ للآخر” وهذا كلهُ يعملُهُ الروحُ الواحدُ نفسُهُ مُوزعًا مواهبهُ على كُلَّ واحدٍ كما يشاءُ” (1 كورنثوس 12: 11). وتكون ثمارهُ ” المحبَّةُ والفرحُ والسَّلامُ والصَّبرُ واللُطفُ والصَّلاحُ و
الأمانةُ والوداعةُ والعفافُ” (غلاطية 5: 22- 23).فلتكُن أعمالنا، أعمالٌ تليق بأبينا الذي في السمواتِ وتُمجّدهُ في ملكوتهِ. لأن” الذي ما عرفَ الخطيئةَ جعلهُ اللهُ خطيئةً من أجلنا لنصيَّر به أبرارًا عند اللهِ” (2 كورنثوس 5: 21).  وحياتنا على الأرض ما هي سوّى استعدادٌ لتقبل الحيَّاة في السماء إذا ثبتنا إلى النهاية وتمسّكنا بكل إرادتنا بحياة البرِّ والإيمان والقداسةِ والسلام والخير.” فاسهروا، لأنكم لا تعرفونَ أيَّ يومٍ يجيءُ ربُّكُم” (متى 24: 42)، ” وعيشوا مُدة غُربتكم في مخافتهِ” (1 بطرس 1: 17)، ورددوا دائمًا في صلاتكم إلى الآب” لا تُدخلنا في التجربةِ ولكن نجنا من الشرير …. آمين” . 

التحرر في العقل

الحياة لا قيمة لها ألا إذا عشناها مع الآخرين بــ حرية عقلية، ووجدنا فيها ما يستحق من أجلهِ أن نكافح ونستمر، وتلك القيمة تأتي من خلال نظرة متوازنة لكافة أمور الحياة ولكل ما موجود فيها. وهي تستحق منا نحن البشر أكثر، تستحق أن نجعلها جميلة بقدر جمالها ونجعلها صورة حية باقية، ولكن الإنسان الموجود فيها يجعلها مرات كثيرة بفلسفتهِ المعقدة ونظرتهِ الانفرادية أكثر تعقيدًا عندما يكون من داخلهِ مصرًا على ذلك. ولو كل إنسان حاول مُجرد المحاولة في أن يرمم نفسه من الداخل من أجل أن تخدمه في الحياة وفي الآخرين لكان اليوم على قمة الثقافة وتقدير الآخر قائمًا فيهِ، ولكن نظرتهِ وتقييمهِ للأمور نحو السلبية أكثر من الايجابية هي من تجعلهُ في الحياة مُشتتًا ما بين وبين! يظلم نفسهُ ويظلم من هو معهُ ويجعل الحياة تبقى راكدة في مكانها، لا يسير فيها ولا يعطي الطريق للآخرين للمضي فيها؟!   الحياة تبقى الحياة والإنسان فيها هو من يتطور ويختلف، يتوافق ويخالف، يتميز ويتمايز، يتمحور ويحاور. وقضية المرأة ما زالت هي محور الحديث وحولها تدور الكثير من الأسئلة والاستفسارات، بعضها منها هي وبعضها الآخر موجه لها، وما بين كل ذلك تكون هي في الوسط تبحث عن حلول واستفسارات وردودّ لمن يسأل ويطالبها بالجواب؟! المرأة من هي؟!المرأة كيان حولها يدور كل ما في الحياة ولا يكتمل ألا بها، هي بمعنى أوضح الحياة برمتها وهي من تمارس أغلب الأدوار على مسرح الحياة، وفي النهاية ألا تستحق من الجميع على السواء الثناء والتصفيق لها والتقدير والشكر على جهودها؟! ولكن في مجتمعاتنا الشرقية بالذات وهذا ما يهمنا أكثر تجدها حسب كل بلدًا أشلاء مبعثرة سواء كان بيد الرجل أو المجتمع، هنالك ثقافة مغلوطة ونظرة ترمق لها كلها شك وكأنها قاصر وبحاجة إلى وصاية دائمة عليها، هي ثقافة تمارس عليها وهي بدورها تمارسها بنفسها على غيرها من بنيّ جنسها نتيجة تلك الأفكار المزروعة في الفكر!وأكيد طبعًا هنالك أسباب كثيرة تدفع إلى استقاء تلك الثقافة، منها اقتصادية واجتماعية والتي بدورها تؤدي إلى حالات نفسية ومن ثم ممارسة ثقافة خاطئة من قبل البعض، تجعل ذلك البعض الآخر يلحقهُ! كثير من الباحثين الاجتماعيين يؤكدون أن الوضع الإنساني الحالي للمرأة سببهُ العنف الممارس عليها والأوضاع الاقتصادية التي تعيشها المرأة والتي بسببها تدفعها إلى مُمارسة الكثير من الأمور خارج نطاق المعقول، مما يكون السبب في جعلها صورة عاكسة للأخريات، وجعل الرجل بمختلف مُسمياتهِ يمارس عليها عنفهُ سواء كان على زوجتهِ أو بنتهِ أو أختهِ وحتى أمهِ! والتي بنتيجتها يكون هو السبب فيها، يجعلها من جانب سلعة في يده ومن جانب آخر يجعلها عبده في بيتهِ  أو سجنهِ بالأحرى، من خلال ممارسة ضغطهِ عليها وتنفيذ أوامره لكي لا تكون نسخة من أخريات هو كان لهُ دور في صنعها (بالتأكيد بدون تعميم)؟!     التحرر في العقل بحيث ما لا تراهُ مناسب لك لا يكون مناسبًا للآخر، وما لا تقبلهُ على نفسك لا تقبلهُ للآخرين، وما هو جيد وتتمناه لك لمْا لا تتمناه للآخرين، عيش الحياة دائما بتوازن وبدون تفضيل وحساب! امرأة اليوم ليست كما كانت في السابق، الزمن في تغير وتطور ولابد من نتطور ونغير من تلك الفكرة المأخوذة عنها والمتوارثة! كل زمن ولهُ ناسهِ ولهُ ثقافتهِ وأيضا نظرتهِ، فيجب أن نطور من الفكر أكثر ونجعل المرأة تأخذ مساحة أكبر في الحياة بدون رقابة أو قيود هي من تجعلها في النهاية تتألم منها وتتعب وتحاول بشتىّ الوسائل المُتاحة فكها والهروب منها والوقوع في أقرب حفرة بدون أن تعلم أنها كانت أمامها أو قريبة منها أو مرئية لها، ومن ثم تنتقد على أساسها؟!والمرأة لديها الكثير من الحقوق عليها وعلى غيرها، وبرأيي لا يجب أن تطالب بحقوق من رجل كائن مثلها، بل هي لها حقوق عليه وهو واجب عليه الوفاء والالتزام بها، كما أنها هي بنفسها قادرة على أن تكون إنسان حي وعضو فعال وليس القول أن هذا رجل وتلك امرأة! وكأنهم بهذه الثقافة يصنعون الحواجز ويفصلون الحياة إلى قطبين مُنفصلين وليس مُجتمعين، ومع مرور السنين تزداد تلك الهوة وتزداد المطالب، ثم تلك الحقوق ممن تطلبها؟! من أخيها، أبيها، زوجها، أبنها، بلدها؟! إن كان على مستوى البلد فهي وصلت والحمد لله إلى مناصب عالية ومُستقبلا ستصل أكثر وإن كان من هؤلاء الآخرين المذكورين فهي مُتوقفة على ضميرهم وإنسانيتهم ومدى احترامهم لذاتها الذي هو من احترام نفسهم!كل شيء لهُ احترامهُ وحديثهُ وتكاملهِ وحدودهُ وواجبهِ، وهذا لا يكون ألا عندما يكون هنالك توافق وتكامل الواحد مع الآخر وليس الواحد ضد الآخر. لأنهُ بعكس بهذه الثقافة يكونون، كمن ذهب لحقلهِ وجلس تحت شجرة يستظل بظلها إلى أن قاربت الشمس على الغروب ورجع لبيتهِ بدون شيء، لم يعمل في حقلهِ ولم يجني من ثمارهِ، ومضىّ في الحياة هكذا؟! كفانا مُطالبات وشعارات هي ليست بحاجة لها بل لابدّ من أن تثبت وجودها هي بنفسها بكل ثقة واقتدار وبأنها إنسان يعتمد عليه عندما هي تفرض هذا الاحترام.  فالمرأة تنقصها البعض من الحرية وخصوصًا الفكرية، سواء من الرجل أو المرأة نفسها بحق أخرى، والمجتمع كذلك بمختلف مفاهيمه التي تبقى فيهِ مُقيدة أو مسلوبة الإرادة وتمارس من قبل آخرين، حرية تتحرك في فضائها لكي تشعر بكيانها وتشعر بالأمان والاطمئنان، وأيضًا هذا الرجل عليه أن يدرك أن مستقبلهُ لم يكنْ لولا تلك المرأة أيًا كانت في حياتهِ.  

الحاضر المغزول بخيوط الماضي

هذا الزمان الذي يحمل الكثير والكثير بين طياتهِ، غالبًا ما نقف فيه مكتوفي الأيدي، سألين أنفسنا: هل نعيش ذكريات الماضي، أم نعيش حاضرنا ولحظتنا، أم نخطط لمستقبلنا في حاضرنا؟الحياة كما نعرفها عبارة عن ماضي وحاضر نعيشهُ ومستقبل مجهول نسعّى لتحقيقهُ من خلالهما. ونعود ونفتح أوراق كتاب حياتنا ونقرأ فيها كل ما مرّ بها، فنجد فيها ذكرياتنا وما فيها من المؤلم والمُفرح، ومن التشاؤم والتفاؤل، والنجاح والفشل، وطفولتنا البريئة والجميلة التي نتمنى إن نعود إليها. حياتنا بمجملها نستذكرها ونبحث فيها، فنجد ما ألمنا ويؤلمنا ويؤثر على نفسيتنا ونجد فيها ما أسعدنا! أنها لحظات عاشت معنا وسايرت حياتنا، وخطتْ خطواتها مع خطى أقدامنا حتى أوصلتنا إلى حاضرنا. فهل نتركها لتسكن فينا ومعنا وترجعنا معها ثانية إلى زمان مضىّ، أم نتركها لزمانها ولا ندعها تتطفل علينا، لكي لا تكبلنا بقيودها، فقط نأخذ منها العبرة والدرس؟!    الحياة أو حياتنا بمعنى أقرب هي المنحة والهبة، وقد تكون قد قستْ علينا وآلمتنا كما أفرحتنا، ولكن لحظتنا هي الآن، فلما نكبل حركتنا بماضي فَانٍ، ماضي كان لهُ لحظتهِ ووقتهِ الخاص؟! وقد يعتقد البعض بأنني أقول إن نغض النظر عن ماضينا تمامًا ولا نفكر فيه! على العكس تمامًا، الماضي أساسنا ولا يمكن فصل زمنًا عن زمن وإنسانًا عن إنسان وسنينًا عن سنين، ولولا ماضينا لمْا كان لنا حاضر وحياة أكثر إشراقًا، ولكن نحن نبحث عن اللحظة التي سرقت سنيين من العمر وسجنتنا في سجنها وبتنا آسراها.يتكلم بألم ويسرد قصته قائلا:” لقد كانت حياتي المقبلة، زهرتي الجميلة التي استنشقت عطرها، محبوبتي الصغيرة البريئة، رأيت فيها ذاتي، أطفالي، عشقتُ حروف أسمها، دلالها، حنانها، إنسانة بكل معنى الكلمة هكذا كنتُ أراها، نجمة في السماء تتلألأ وتشع بنورها لتدخل قلبي وتنيره. أحببتها وأحبتني…  ذات مرة قالت لي:” أنتَ حياتي وبيتي”، فأجبتها وقلت لها: أنتِ دنيتي التي بها أعيش. فابتسمت لي وقالت: هل من المُمكن إن تنساني في يوم من الأيام؟ فنظرتُ إليها بصمت، وأجبتها: هل من المُمكن إن أنسى أنفاسي، شهيقي وزفيري؟!بعدها أخذ صاحب القصة نفسًا عميقًا، وتوقف للحظة وضحك ضحكة مُثقلة بالألم مع قطرات دمع نزلت من عينيه، ثم أكمل قائلاً: ولكن صدمتي وصمتي كانا أكبر، فليس كل ما يتمناه المرء في الحياة يدركهُ، لم تجعلنا نسعدُ مع بعض، وهنا كانت مصيبتي، حين سرقها مني القدر والموت، وحملها على جناحيه وطار بها بعيداً، رحلت وتركتني وحيداً، أعيش في ذكراها، رحلتْ وأخذتْ معها روحي، لا أعرف لمنْ أعيش من بعدها؟مسكينًا هو! حبه لم يكتمل ولم يُكتب لهُ الحياة، تمزق قلبهُ برحيلها ويعيش شعورا من المرارة ممزوجًا بالحزن واليأس والغربة في داخل نفسه، وضع نفسهُ في سجن قضبانهُ من حديد، بل من صدّى ماضٍ يمنعهُ من العيش في حاضره، ينتقم من نفسهِ بنفسهِ، ولكن هل ما يفعله هو الصواب؟! بالطبع جوابنا يكون بالنفي، نعم أنه متألم، ولكن بفعلتهِ هذه يقتل حبيبته مرة أخرى، يقتلها وهي التي تسكن داخلهِ وأنفاسهِ، يقتل ذكراها التي تركتها في قلبهِ ووجدانهِ!التمسك بخيوط الماضي والعيش فيه، هو كمنْ شخص يُمسك بقدميك لمنعك من التواصل والمسيرة، كل إنسان عانى وسيعاني وهذه حال الدنيا، ولكن تذكر إن المعاناة في النهاية هي مُجرّد اختبار. فلا تجعل هذه المُعاناة والجروح تتراكم في أعماق نفسكَ، وتثقل كاهلك، بلْ أدفعها خارجًا لكي تتبخر وتتلاشى وتتضاءل، وأنت وحدك من تستطيع تحديد لحظة تلاشيها.ونبقى نقول: ماضينا أيام عشناها وسنين تركناها ولحظات مررنا بها، ولكن هل مرت دون أن تترك أثراً لذكراها؟ هل نسيناها؟ بالطبع: لا. هذا الماضي هو دافعنا إلى الأمام وهو الصبر والصمود، ومن الصعب التخلص من ذكرى الماضي وخاصة إذا كانت أليمة، ولكن نستطيع إن نتعلم منها، ونستخدم ما تعلمناه في تطوير حاضرنا، لأنهُ إذا صادفنا موقف في الحاضر مُشابه لموقف عانينا منهُ في الماضي، عندها نستطيع إن نتعامل مع الموقف الحاضر بشكل مُختلف.فعش في حدود اللحظة الراهنة وفكر بكل ما هو جميل في الحياة. فالماضي لا يعود والمستقبل مجهول، وحاضرنا لهُ لحظتهِ التي نعيشها، فلمْا لا نزرع الأمل في دروبنا ونحييهِ في قلوبنا، ونعيش لحظتنا.  وصدق ما قالهُ الحكماء بأن الأيام ثلاثة :أمس:  وهو صديق مؤدب، أبقى لك عظة، وترك فيك عبرة.واليوم: صديق مودع، أتاك ولم تأته، كان عنك طويل الغيبة، وهو عنك سريع الظعن، فخذ لنفسك فيهِ.وغداً:  لا تدري ما يحدث الله فيهِ، أ من أهلهِ  أنت أم لا؟!

التسلل في العواطف

الإنسان دائما يهمُّ بالبحث عن حالة من التوازن في حياتهِ، حالة تجعلهُ يعيش الحياة التي تتلاءم مع تكوينهِ وتشعرهُ بشعور الغبطة والاستئناس، حالة تجعلهُ يشعر بروحهِ ومكنوناتها. وهذا جميل بأن يسعىّ إليها بنفسهِ لإيجادها وإيجاد ذاتهِ والشعور بها والسكنى والاستقرار فيها، ولكن إن كان يحاول هذا عن طريق الآخر وعلى حساب نفس ذاك الآخر ومشاعره، فهنا ما هو ألا تسلل هادئ ومؤلم داخل أخوار النفس لتعيش بعد ذلك في ظلام وتخبط وانعدام قرار وسعادة!  الإنسان أن لم يحاول بنفسهِ وبقناعاتهِ أن يُجمل هذه الحياة، فلن يراها أبدًا جميلة وتستحق أن يعيشها ويعرف كيف يتأقلم مع إنسانها، وهذا الشعور بجماليتها يأتي بالدرجة الأساس من شعوره بحب الآخرين وحبّ ذاتهِ، بمشاعر حقيقية وصادقة غير مُزخرفة بكلمات كثيرة مُجملة بالكثير من الحماس والإيثار، لأن من يلجأون إلى هكذا أساليب هم في الحقيقة بعيدين كل البعد عن العواطف الصادقة، هم في الواقع يرسمون عواطفهم كيفما يريدون بدون إحساس وروح بفرشاة فقط تحمل لونًا واحدًا، أي بمعنى يحاولون عيش الإحساس الوهمي والزائف في محاولة للبحث عن الحقيقي وإيجاده، من خلال التسلل إلى عواطف الآخرين؟!في وقتنا الحالي عندما تستمع إلى بعض نماذج شباب اليوم، تلتقط من بين كلماتهِ، كلامًا قد وجه إلى أكثر من فتاة! لا نعرف سبب ذلك هل هو الانفتاح المُمارس بطريقة خاطئة أم الفهم الخاطئ للحرية أم هو تسلية وقتية أم حيرة وتذبذب في الاختيار؟! أم يكون البحث عن الأفضل! وهكذا يكون نفس الحال أيضًا لبعض نماذج الفتيات! يحاولون البحث عن المُكمل لهم في حياة الآخرين، بأساليب شتىّ في سبيل الوصول إلى الذي ترغبهُ ويكون الأفضل.  يقول: نظراتها العميقة والساحرة هي من ابتلتني بها، وبشرتها السمراء هي من رمتني في بحر هواها، فتملكني حبها، ولكن لم تكمل السنة، ألا وقد وجدتها قد تركتني لتمسك بيد آخر! هكذا تسللت بخفة خطواتها إلى قلبي وتملكت مشاعري ومن ثم بعثرتها وعبرتها بكل ما أُتيت من قوة، غير آبهة بي؟!هذا هو حال الكثيرين، ينجرفون ويندفعون وراء الكلام المعسول وبمشاعر جامحة لا تعرف أين وجهتها وأين مصبها؟! كثيرين ينساقون وراء الأوهام، يعيشون فقط تلك المشاعر المولودة في لحظتها والغير مُكتملة النضج والوعي! وعند تقلص تلك المشاعر ورحيلها وفشلها، يتسألون ويعطون لها مُبرراتها الافتراضية والتي ترضيهم أو تشبع حيرتهم كمحاولة فقط لإقناع النفس مؤقتًا. عجز الرجل مُستقبلا عن حب الفتاة والإخلاص لها يكون آتيًا من تلك الفكرة الأولية المُتكونة في ذهنهِ عنها والمأخوذة من أخرى ذوقته تجربة حبّ فاشلة، مما يؤدي بعد حين إلى مأساة وتحطم حياة وفقدان الثقة، ومن ثم عيش حياة فارغة يتسلل الملل إليها رويدًا رويدًا وربما قد يكتب لها نهاية! لأن رصيدها في بنك الحياة لم يكنْ سوى تجربة مُتعثرة قصيرة غير مُكتملة النضج، وألم نحت لنفسهُ في أعماق من عاشها مكانًا!    فالعواطف الصادقة تأتي من الإنسان نفسهُ ومن مُوازنتها، بحيث تعيش الاكتفاء والاحترام المُتبادل والنضج بدون أوهام وانسياق وراء كلام يحمل الكثير من الكلمات الفارغة والخالية من النبض الحياتي، ومن تلك النظرة الطابعة في الأذهان والخاطئة من تجربة فاشلة مُعاشة. فالعواطف لابد أن تكون نابضة بمشاعر إنسانية حيةٍ، تشعر سامعها بها ويُعيشها في داخلهِ لتعيش وتكبر في أعماقهِ، بالكلام الجميل الغير مزخرف، وبالبساطة والصدق والأمانة التي هي علامات للعواطف الحقيقية والحية مدى الدهرِّ. وكلمة واحدة صادقة ونابعة من الأعماق تُغني عن الأكثر الكثير.