Avatar

1

Articles par عدي توما

الإنسان أمام الله.. التخلّص من مأزق العقل الفلسفي المجرّد (5)

السير ضدّ التيار، هذا الأمر، هو الذي يكوّن أساس مسيحيّتنا الحقيقية. عندما تسير الناس في اتجاهٍ ما، وتسير الاخرى في إتجاهٍ آخر، سوف تبدأ المشاكل والمعوّقات الكثيرة، والصراعات والحروب العاصفة، مع هذا، نبقى نسير ونمشي ضدّ التيار. والقديسين والانبياء، هم مثالٌ حي ونموذج لهؤلاء البشر الذين ساروا ضدّ المياه العاتية، ووجدوا الله، ووجدوا ذواتهم. والمثال الاكبر على الانسان الواقف أمام الله، هو يسوع المسيح، الذي سارَ في إتجاهٍ جديد لا تسيرُ به أغلبية الناس اليوم، لانهم يتصورونه إتجاه مثالي، خيالي، غريب وصعبٌ جدا. لكن، من سيُنقذنا من هذا السجن الكبير الذي نسكن فيه؟ . من يكسرُ طوق المخيّلة الجامحة الذي يُعشعِشُ عقولنا، ويضعُ بدلا منه جسرا معبرا في إتجاهٍ جديد تنتقلُ به أفكارنا وخواطرنا في إتجاه المستقبل البعيد.. ولكي نكون واعين أكثر ومنفتحين للغير، وللكون الذي نعيش فيه ونتواجد..؟؟! .

الإنسان أمام الله.. التخلّص من مأزق العقل الفلسفي المجرّد (4)

الأمر المهم، في حياتنا المسيحية خاصة، وفي حياة كلّ إنسانٍ على العموم، هو مشكلة الشعور أو الاحساس بالكائن الذي نسمّيه “الله”. كثير من البشر يتصورونه “نكرةً” غريبا عنا، بعيد، كائنٌ ممنوع لنا التقرّب منه وإقامة علاقة معه. في الزمن القديم وعند الشعوب البدائية القديمة، هناك تصوّرات عديدة عن الالوهة، وعن فكرة الله. فالله الذي في تصورهم، هو الكائن المطلق الجالس على العرش في السماوات، والبشر تحت على الأرض، وهو يرى كلّ ما يحدث ويدور على الأرض، من شاردة وواردة، ويسجل الاخطاء والزلات والهفوات في دفتره الخاص، وهو بالاضافة الى ذلك، يوزّع الارزاق والخيرات. إنه كائن بعيد، غريب، وهم يقتربون منه بإقامة الشعائر والطقوس والعادات، والاخلاق الحميدة، وكثير من الممارسات الأخرى التي تؤتي بالاشمئزاز. وهذا الاله، أو فكرة الالوهة، تعتبر، بالنسبة لهم على الأقل، مركز الكون والأرض والحياة. وهناك شيءٌ آخر ايضا، فبعد تقدّم الزمن ونموّ الفكر، يقوم الانسان بإدخال الله في أدقّ تفاصيله الحياتية، وهنا نقول صراحةً، ممنوع لله ان يدخل في حياتنا الاجتماعية وتعقيداتها، ويوضع كطلسمٍ أو تميمةٍ من تمائم الناس، أوكتعويذة توضع على الأبواب والسيارات والنوافذ، ويستعمل ايضا في الشتائم والاستهزاءات البشرية، وفي المعارك (باسم الله وباسم الشعب). فقدنا هذه الشحنة العاطفية السريّة في الايمان، وفي التعامل والتواصل مع الله.

ماذا عنى يسوع عندما قال: "خذوا هذا دمي"؟

كان اليهود القدامى يحفظونَ الخمر لموائد العيد ، كعيد الفصح ، حين كانوا يؤدّون الشكر ( باليونانيّة eucharistein ) ، والتي منها اشتقّت كلمة ” افخارستيّا ” على أربعة كؤوس مقتسمة . والإنسان ، بالنسبة إلى الساميّين ، هو ” جسد ” وهو ” دم ” ؛ أي الحياة . فالكلامُ على الكأس لا يكمّل الكلام على الخبز ، وإنّما هو مرادف له . وفي ذلكَ الزمن ، كانت الكأس ترمزُ بسهولة إلى الموت ، والدم ” المسفوك ” يذكّر بالموت العنيف الذي كان نصيب الأبرار والأنبياء (متى 23 : 35 ) .

الإنسان أمام الله.. التخلّص من مأزق العقل الفلسفي المجرّد (2)

نستعمل الله، مع شديد الأسف، في أمورٍ عديدة، في علاقاتنا، صداقاتنا، وعلاقاتنا الزوجية، في مكان العمل، بصورةٍ قبيحة جدا لا تليق به وبكرامته الالهية، وقد يصفعُني أحدكم، وخاصة من أصحاب المنطق والعقل المتخشبين الذين يتصوّرون أن الله في جيوبهم الخلفية، ويجلسون في الكراسي الوهمية العالية الفخمة، ويعطون الأوامر والنواهي لنا، ولا يقتنعون بأيّ جملةٍ، او موقفٍ، أو مفهومٍ منا نحنُ الذين، في تصوّرهم، أناسٌ سذّج روحانيين واهمين…!

الإنسان أمام الله.. التخلّص من مأزق العقل الفلسفي المجرّد (1)

اسمحوا لي، أن أضع بدايةً لهذه الفقرة الجديدة ، وستكونُ مبدءًا عاما ألا وهي: إننا لا نعرف الله، بل نعرف ظليلًا بسيطًا فقط عنه . لاننا لا نقدر أن نكوّن صورة خاصة عنه، لأنها، شئنا أم أبينا، ستكون صورة مشوّهة مشوّشة، صورة ملطّخةً بدماء الأبرياء، والمساكين.. ملطّخة بأفكارنا الوحشيّة القاتلة، ملطّخة بأوهامنا وأحلامنا وإسقاطاتنا . صورة داخل فكرنا وعقلنا، نحنُ صنعناها ووضعناها في زاويةٍ معتمةٍ من زوايا كياننا. وحتى هذا الأخير، لا يسكنُ فيه الله إلا بصورةً ناقصة.