” يسوع صعد إلى السماء بقوته الإلهية والعذراء مريم انتقلت بالنفس والجسد إلى السماء بسلطان إبنها “
” المرأة الملتحفة بالشمس والمكللة بالنجوم ” ( رؤيا ١٢ : ١ ) هذه العلامة العظيمة ، تدعونا للتأمل بمريم، المكلّلة بالمجد إلى جانب ابنها الإلهي ، تدعونا لندرك المستقبل الذي ما زال الرب القائم من الموت والصاعد إلى السماء يفتحه أمامنا .
القديس بولس يُصرح قائلاً بأن المسيح هو : ” آدم الجديد” ، الذي بطاعته إلى الآب هدم ملكوت الخطيئة والعبودية وأقام ملكوت الحياة والحرية ( قورنتس الاولى : ١٥ : ٢٤ – ٢٥ ) .
الحرية الحقة تكمن في قبول المُحب لإرادة الآب . من مريم ، حواء الجديدة ، الممتلئة نعمةّ ، نتعلم أن الحرية المسيحية هي أمر أكبر من مجرد التحرر من الخطيئة . إنها حرية تفتح على شكل روحي جديد لاعتبار الوقائع الأرضية ، هي حرية محبة الله والإخوة والأخوات بقلب نقي وعيش الرجاء والفرح بملكوت المسيح الآتي .
اليوم ، ونحن نكرّم مريم سيدة الانتقال و ملكة السماء ، نتوجه إليها كأم الكنيسة الجامعة ، وأُمّ البشريّة عامةً . ونطلب إليها أن تساعدنا لكي نكون أمناء إلى الحرية الملكية التي تلقيناها في يوم المعمودية ، ولكي نُضاعف جهودنا لتحويل العالم بحسب إرادةِ الله ، وأن تجعل الكنيسة في بلادنا قادرةً على أن تكون بشكل أكمل خميرة ملكوت الله في كل المجتمع .
فلنكن ، نحن جسد يسوع السريّ قوة سخية للتجدد الروحي في كل أبعاد المجتمع . ولنقاوم سحر الحياة المادية الخادع الذي يخنق القيم الروحية والثقافية والإنسانيّة الأصيلة ، وللننتصر على روح المنافسة التي لا تعرف حدًا والتي تولّد الأنانية والحقد والبغض والصراعات . ولنرفض أيضًا النماذج الاقتصادية غير الإنسانية التي تولد أشكالًا جديدة من الفقر ، وتهمّش العمّال والمرضى ، وثقافة الموت التي تُفرغ صورة الله ، إله الحياة ، وتنتهك كرامة كل رجل و كل امرأة وكل طفل .
ونحن نحتفل بهذا العيد ، نتحد بالكنيسة الجامعة المقدّسة الرسولية ، المنتشرة في العالم بأسره وننظر إلى مريم مثل رجاءنا . متذكرين نشيد التعظيم وهو : أن الله لا ينسى أبدًا وعود رحمته ومحبته للبشر (لوقا ١ : ٥٤ – ٥٥ ) .
مريم طوباوية لأنها ” آمنت بما قيل لها من عند الرب ” (لوقا ١ : ٤٥ ) . فيها ظهرَ وبانَ أن كل وعود الرب هي صادقة .
بتكلّلها في المجد ، تُبيّن لنا مريم أن الرجاء أمر واقعي ، ومنذ الآن هذا الرجاء يتجلى كـ ” مرساة أمان ثابتة لحياتنا ” (عبرانيين ١٩ : ٦ ) ، حيث المسيح جالس بالمجد . هذا الرجاء ، الذي يُقدمه الإنجيل لنا ، يناهض روح اليأس الذي يبدو وكأنه ينمي مثل مرض عضال خبيث في وسط مجتمع غني ظاهريًا ، ولكنه يترك غالبًا فراغًا ومرارة باطنية . كم من الأشخاص وخاصةً الشباب دفعوا ثمن هذا اليأس ! فليحفظ الرب بشفاعة العذراء مريم ، سيدة الشباب على إيمانهم وفرحهم وثقتهم ، لكي لا يتضعضع رجاؤهم !
فلنتوجه إلى مريم ، أم الله ، سيدة الإنتقال ، ونطلب منها نعمةً ، نعمة أن نكون دائماً مرتفعين عن الأرضيات ، فرحين في حرية أبناء الله ، وأن نستعمل تلك الحرية بشكل حكيم ، لكي نخدم إخوتنا وأخواتنا، وأن نعيش ونعمل بشكل جدّيّ ، ونكون في بلادنا ومجتمعاتنا علامات رجاء وفرح ، ذلك الرجاء الذي نجده في الملكوت الأبدي .
+المطران كريكور اوغسطينوس كوسا
اسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك