تقدمة مريم العذراء للهيكل وحياتها وأعمالها يدفعوننا إلى التأمل في قداستها ووداعتها وبساطتها منذ نعومة أظافرها.
اليوم العذراء التي هي مقدمة مسرة الله ، وابتداء الكرازة بخلاص البشر، قد ظهرت في هيكل الله علانيةً ، وسبقت مبشرة للجميع بالمسيح . فلنهتف نحوها بصوت عظيم قائلين : ” إفرحي يا كمال تدبير الخالق “.
ان يواكيم وحنّة ، والدي مريـم العذراء هذه الإبنة الممتلئة نعمة ( لوقا ١ : ٢٨ )، التي رزقهما الله إياها ، اصطحباها إلى الهيكل عند إتمامها ثلاث سنوات ، لتتربى وتخدم وتتعلم فيه منذ صغرها ، ليتمٌموا نذراً كانا قد كرّساه لله كي يُرزقا بالبنين والبنات ، بعد أن كانا عاقرين وساهرين على عيش الشريعة ، ووصايا الله وتعاليمهِ بحسب إرادته وعمل الفضيلة ، ورافعين الصلاة والدعاء ليكون لهم لذرية .
حملها والديها وقدّماها للرب عن يد زكريّا الكاهن ، لتسكن قريباً من هيكل أورشليم . وهذه التقدمة كانت أفضل التقادم وأقدسها ، منذ بُنيَ الهيكل ، لأنّها تقدمة ابنة تفوق بقداستها وجمال نفسها وجسدها سائر الملائكة والقديسين والبشر، بل هي أفضل من الهيكل الحجري ، لأنها هيكل الله الحيّ ( قورنتس الثانية ٦ : ١٦ ) ، حلّ فيه الروح القدس ( لوقا ١ : ٣٥ ) بجميع مواهبه الإلهية . وكان ابن الله مزمعاً أن يحلّ في احشائها ويتخذ من جسدها جسداً بشريّاً كاملاً ” والكلمة صار بَشَراً ” ( يوحنا ١ : ١٤ ) .
قضت مريم طفولتها وحياتها في زوايا الهيكل وهي تصلي وتتأمل وتطالع الكتب المقدسة وتعمل الأشغال اليدوية . مكرسةً ذاتها لله ، حتى بلغت الخامسة عشر من عمرها ، ثمَّ عادت إلى الناصرة وخطبت القديس يوسف البتول ، حيث قبلت سرّ البشارة ( لوقا ١ : ٢٦ – ٣٨ ) ، فأخذها يوسف خطيبها إلى بيتِهِ ، بعد أن ظهر له الملاك ( متى ١ : ٢٤ ) .
يعلّمنا هذا العيد بتواضع قلب مريم العذراء الطاهر منذ صغرها، وتقديم ذاتها وحياتها لله بكل حب وطاعة وتضحية لمشيئته وإرادته . كما ويُذكرن بنعم الله الوافرة التي يمنحنا إياها، وهو الذي يستمع لطلباتنا وصلاتنا واحتياجاتنا، ويُجيب عليها ويمنحنا إياها ، فقط إذا آمنّا بمقدرته العجائبية في تحقيق تضرعاتنا وإستجاباتها.
لقد مدح القديسان امبروسيوس وايرونيموس العذراء مريـم ، مدحوا : ” إحتشامها ورصانتها وصمتها العميق المقدس ، ومواظبتها على الصلاة والخلوة ، ومحبّتها لرفيقاتها العذارى اللواتي كانت تحضُّهنَّ على الفضيلة وعمل الخير “.
لهذا العيد أهمية كبرى في كنائسنا وعائلاتنا وانشطتنا الرسوليّة ومدارسنا ، لما فيه من الفائدة والعبرة والموعظة ، فإنه يبيّن لنا المثل الأعلى للإيمان والتقوى في شخص البارين يواكيم وحنة ، ويعطينا درساً ممتعاً ومفيداً لنعرف كيف نهذّب اولادنا ونربيهم تربية مسيحية صالحة على الفضيلة والتقوى وخوف الله ومحبة القريب . وان لنا في مثال العذراء مريم أكبر درساً وموعظة للصلاة والتأمل والطهارة والعفاف والمحبّة والخدمة والتضحية والإتكال على الله والثقة به.
تربية اولادنا يجب ان تقوم على الايمان والتقوى ، وأن نبُثَّ فيهم خوف الله ومحبته ، ومحبة القريب وخدمتهِ ، لإن محبة الله ومخافته أساس كل عمل صالح في الإنسان .
+المطران كريكور اوغسطينوس كوسا
اسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك