1.    ما ساورك من شعور لدى إعلان البابا عن تخليه للخدمة؟

مثل الجميع، لقد شعرت بالحيرة عند سماعي نبأ استقالة البابا، يوم الاثنين 11 شباط، المصادف لذكرى الظهور الأول لسيدة لورد وليوم المريض العالمي.

في بادئ الأمر اعتراني بعض الألم والأسى لصديق أحب الأرض المقدسة وقطيعها الصغير حبا حميما.

وفي أعقاب الاستقالة هذه، أشعر بصدمة الإكبار والحكمة، علينا أن نرى في هذا القرار صدمة إحياء قدمها لنا البابا من أجل الكنيسة المتفرغة تماما لسنة الإيمان.

يوم أمس، حضرت في عمان مؤتمرا حول البعد الانساني لمدينة القدس. تم تنظيم اللقاء تحت رعاية الأمير حسن. قبل إلقاء مداخلته، حيا مهدي عبدالهادي (مؤسس الجمعية الفلسطينية  الأكاديمية للشؤون الدولية)، خطيب الحفل – وهو مسلم – شجاعة البابا “هذا الرجل العظيم الذي اختار أن يتخلى عن خدماته وأن يترك أرفع منصب إنساني وروحي.” أشار الدكتور مهدي بأنه في مثل هذا التصرف استهوى القلوب لفيض من المحبة له. ثم تابع قوله “هذا في الوقت الذي يتمسك كثير من القادة ورؤساء الدول بالسلطة، متمنيا أن يتحلوا بنفس الشجاعة والتواضع لما فيه مصلحتهم الخاصة ومصلحة بلادهم.”

2.    ما هو الشيء الملموس والمحدد الذي تذكره من خدماته الرسولية للأرض المقدسة؟

أذكر جيدا رحلة الحج إلى البلاد عام 2009. زيارة بندكتوس السادس عشر إلى الأماكن المقدسة وفي أوساطنا، تركت فينا الأثر الكبير كما أننا لمسنا عن كثب حبه المتفاني للكنيسة الأم. رأينا فيه دوما ذلك البابا العظيم، غير أنه بتصرفاته تجاه كنيستنا أظهر لنا أنه أكبر من ذلك أيضا. ولا بد لي من الاقرار بأن البابا رجل نبيل كما أن الأرض المقدسة نبيلة.

بندكتوس السادس عشر كان يدرك دائما تعقيدات الأوضاع السياسية الناجمة عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. وكان يقدر عِظَمة حساسيات الشعبين. لكن علينا أن نذكر أن في خطاباته الثلاثة والثلاثين التي ألقاها خلال زيارته عام 2009، كان الجميع (سواء فلسطينيين أم إسرائيليين) راض. بيد أن البابا تجاوز كثيرا تباين مواقف الطرفين. قبل كل شيء حضر حاجا بروح من التواضع وللصلاة في الأماكن المقدسة. لقد حضر بصفته راعيا لمواساتنا وليعززنا ويدعونا إلى تجديد تعبدنا. وبالطبع، جاء أيضا بندكتوس السادس عشر كفاعل سلام. إنه أراد أن يقف إلى جانب الجميع، إلى جانب السلام والعدالة.

3.    ماذا تتوقع من خلفه بالنسبة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني وفي حياة الكنيسة الأم؟

ليس لدي أي تكهن أو قلق في هذا الموضوع. إن هذا هو أمر متروك للروح القدس. سنرفع صلواتنا في الوقت الحاضر من أجل بندكتوس السادس عشر كما سنرفعها من أجل الكرادلة مدة انعزالهم قبيل انتخاب البابا الجديد.

والكنيسة ستحافظ، مهما حصل، على التوجه الذي اتخذه الكرسي الرسولي بالنسبة للأمور السياسة في إسرائيل وفي فلسطين. إن المؤسسة لا تزول. والكرسي الرسولي يواصل مهمته العالمية والإنسانية.

إن الأرض المقدسة كما هو حال الشرق الأوسط يعيش حقبة تاريخية متقلبة جدا. إننا بحاجة إلى بابا قريب منا. إننا نستمد قوتنا من التعاون وبشكل خاص من الحوار بين الأديان وبرغبتنا إلى سلام عادل ودائم للجميع.

4.    ما هي أفضل ذكرياتكم في صحبته؟

الفترة التي كان لي فيها اكبر اتصال مع البابا حصلت في الأردن في شهر أيار من عام 2009 عندما جلسنا معا في السيارة البابوية. إنها أيام ثلاثة، دارت فيها مباحثات بيننا على أفضل وجه، ببساطة وبهدوء ومودة. كما لم يكن هنالك أي بروتوكول أو رئيس تشريفات أو صحفيين أو جمهور. أصبح البابا صديقا حقيقيا. تحدثنا معا بالإيطالية وتبسم البابا عندما توجه إليه بالألمانية المونسنيور جورج غانشوين، السكرتير الشخصي للبابا ليذكره بأن “البطريرك يتكلم ويجيد فهم الألمانية” (ضحك).

مقابلة أجراها كريستوف لافونتين

البطريرك صباح: "الأرض المقدسة لا يمكن أن تكون للبعض أرضَ حياة وللبعض الآخر أرضَ موت أو إقصاء أو احتلال أو سجون سياسيّة"

(طوني عساف)

بيت لحم، 25 ديسمبر 2007 (ZENIT.org). – احتفل البطريرك ميشيل صباح، بطريرك القدس للاتين بقداس منتصف الليل في بازيليك القديسة كاترينا في بيت لحم. وبعد الإنجيل القى صباح كلمة استهلها بالصلاة على نية الرئيس محمود عباس ومن أجل كل حكام الأرض المقدسة وحكام الشرق الأوسط “ليمنحهم الله المقدرة معكم على تحقيق السلام والاستقرار”.

وقال البطريرك بأن عيد الميلاد “يجدِّدنا بالروح القدس الذي “أفاضه الله بوفرة علينا بيسوع المسيح مخلِّصنا” (طيطس 3: 6)، لنرث في الرجاء الحياة الأبدية”.

وتابع صباح: “نتأمّل في سرِّ أرضنا التي لم تصل بعد إلى رؤية الله فيها، ولا إلى تحقيق السلام فيها”، مشيراً الى أنه بقوة الميلاد “نصبح قادرين على أن ننظر إلى الآخر كما ينظر الله إليه، حتى ندرك العدل لنا ولغيرنا”.

ودعا صباح الى القبول بمشيئة الله سيد التاريخ الذي ” جمعنا هنا عبر العصور، يهودا ودروزا ومسلمين ومسيحيين، نكوِّن اليوم شعبين الفلسطيني والإسرائيلي”،، لتحقيق السلام. واشار الى أن “أيّ استثناء يلغي الآخر أو يُخضعه لاحتلال أو لأيِّ نوع من الإخضاع لا يتَّفق مع دعوة هذه الأرض. هذه أرض لله، ولا يمكن أن تكون للبعض أرضَ حياة وللبعض الآخر أرضَ موت أو إقصاء أو احتلال أو سجون سياسيّة”.

إن السلام – تابع البطريرك – لا يُصنع من خلال تجريد الضعيف بل على القوي إعادة ما أخذه من الضعيف، وحينئذ يمكن إحلال السلام.

وقال صباح بأن ما من ديانة تبرر العنف مشيراً الى أن “تاريخ البشرية مليء بالحروب، ولكنّه مليء أيضًا بالله وبنعمته”. “التطرُّف في كلِّ ديانة هو رغبة في الاستملاك وفي إلغاء الآخر وإخضاعه لا للإيمان بالله بل لطرق وسلوكيّات بشرية معادية للغير”.

ودعا البطريرك القيادات الدينية الى تحمل مسؤولياتها في توجيه المؤمنين وفي “تثبيتهم في طرق العدل والحقّ” وفي طرق التعاون مع كل إنسان يتحلى بالإرادة الصالحة.

وتحدث البطريرك صباح عن دور المسيحيين في الاراضي المقدسة مشيراً الى أن الجميع من فلسطينيين واسرائيليين مهتم لهذا الوجود لأن ميزة المسيحي، كما قال البابا بندكتس السادس عشرفي رسالته عن الرجاء هي أنه صاحب أمل ورجاء، ومن كان له أمل كان له مستقبل ”

وحث صباح المسيحيين على عدم الهجرة فقال: “لكم أيها الإخوة والأخوات، لكم المسيحيين جميعا في هذه الأرض، الذين تنظرون إلى الهجرة، وأنتم موضوع اهتمام الجميع، أقول لكم أولا ما قاله يسوع لنا جميعا: لا تخافوا. لا يحقّ للمسيحي أن يخاف، ولا أن يهرب من وجه الصعاب. هذا يعني أن يحمل كلٌّ منَّا فوق همومه هموم الكلّ، هموم المجتمع كلِّه، فنبنيَ السلام مع الكلّ، ونقبلَ بالتضحيات مع الكلّ، تضحية الحياةِ إن لزم الأمر أو السجون أو صعوبات الحياة اليوميّة أي الاحتلالِ والسورِ العازل وانعدامِ الحرية. كلُّ هذا نصيب الكلّ، ومعًا بتضحياتنا وبسخائنا نبني السلام للجميع”.