وهنا يدرك المرشد أمر هام: الإرشاد ليس إعطاء حل معين للمشكلة ولكن هو طريق شخصي يجب ان يسلكه الشخص. فالشخص مثل المريض الذي يعاني من مرض. وهذا المرض هو ان في هذا الوقت، وهذه الظروف،  لا يتمكن ان يرى عمل الله ولا يتمكن ان يبحث عنه ويتأمله. ودور المرشد هو إعطاء نصيحة واحدة عملية ، كالدواء، تساعده مع الوقت على استرجاع وتنمية هذا الصحة الروحية.

          فمثلا؛ يأتي احد الشبان إلى القديس أنطونيوس ويطلب منه، كيف يمكنني ان اصبح راهبا جيدا؟ هذا هو الطلب ، هذا هو الاحتياج. فيرد أنطونيوس ويقول له :) لا تثق في عدالتك، ولا تهتم بما هو زائل، واحرص على لسانك ومعدتك). تلك هى الوصية الوحيدة، الدواء الذي يصفه أنطونيوس لهذا الراهب، ويصف غيرها لغيره. فهذا هو الدواء المناسب له. وإذا طاع الراهب الشاب هذا الكلام يصبح بالفعل راهبا جيدا. فليس الأمر إذا بكثرة النصائح أو الأقاويل ، ولكن بحكمة التمييز للمرشد كي يصف الدواء المناسب لهذا الشخص. هذا الدواء يجعل من الشاب قادر ان يرى ضعفه وحدوده وفي نفس الوقت يرى حب الرب ودعوته له، وهذا ما يغير القلب. فتغير القلب لا يأتي من أفعال كثيرة، لكن رد فعل للامتنان على عمل الرب.

         ولشخص آخر يقول القديس بومنيوس : في كل موقف تذكر من أنت ولا تحكم على احد. هكذا تصبح راهبا جيدا. هنا الدواء مختلف لان الشخص مختلف والعلة مختلفة. فليست هناك طريقة واحدة وثابتة للجميع. من هنا تأتي أهمية معرفة القلوب وفحصها.

         لشاب مجرب بخطيئة الجنس يقول القديس أنطونيوس احفظ مكانك بالقلاية وهي ستعلمك كل شئ. إي ان العلاج لهذا الراهب ان يسكن قلايته ولا يتجول كثيرا. ولآخر يقول أمام التجربة كرر: يارب ساعدني وهذا يكفي.

         وهنا تأتي أهمية الطاعة للمرشد والثقة في نصائحه وان كانت بسيطة وتبدو غير مجدية في حد ذاتها. فأمر الطاعة في حد ذاته هو نصف الشفاء، وان لم يكن معظمه. لان بالطاعة الانسان يدرك انه ليس باله نفسه ويحتاج لغيره كي يرى الرب ويتأمله، وهذا هو التواضع المقدس، أو بالأحرى التواضع باب القداسة.

         العديد من الأشخاص غير صابرين يحتاجوا إلى تغيير سريع فيغيروا مرشد إلى آخر ونصيحة إلى أخرى إلى ان يتولد بداخلهم إلياس الروحي، أي عدم الثقة ان شئ قادر ان يتغير أو من الممكن تغييره: هكذا كنا وهكذا نكون وسنكون، هذا هو فقدان الرجاء. لذا من المهم متابعة مرشد ثابت، رأيت فيه علامات موسي، التي ذكرناها سابقا، وليس فقط جميل الحديث .

         فللمرة القادمة

لم تلدْ الأفعى إلّا الأفاعي ..

كلّنا يعلمُ، الفرقَ بينَ الإنسان والحيوان، وغريبٌ أعدادٌ كبيرةٌ لا تُدرك هذا الفرقَ ، ليس إدراكًا نظريّا، فهذا الأخير معروفٌ لدى الناس منذ القدم.. ولكن، نحنُ في صدد الكلام عن التطبيق العمليّ الفعليّ الواقعي المعاش . نظريّا ، الحيوان هو الغريزة دون الفكر والعقل والحريّة، عكس الإنسان الذي هو فكرا وعقلا ووعيا وحريّة .. لكنْ، من الناحية العمليّة، أين هو هذا الوجهُ الحَسن للإنسان الواعي العاقل العابر خطّ ومستوى العصر الحجريّ…! أينَ يمكننا أن نراهُ ، واقعيّا، في صراعات وظلمات عالمنا المكسور المظلم، والملطّخ بالدماء ، وببشاعة القتل والتخريبْ، والدمار، والتهميش، والظلم ، والأرهاب القاتل اللامبرّر ..! أين صورة هذا الإنسان – المكتمل الواعي والحر العابر حدودَ الحجرْ إلى اللحمْ والدمْ والحبّ .. يتساءل العديدونَ ، لماذا الإنسان أعنفُ وأقبحُ من الحيوان ..!

الإرشاد الروحي عند أباء الصحراء 1

كثيرا ما قرأت عن الإرشاد الروحي وكيفية متابعة الأشخاص روحيا ومساعدتهم كي يصلوا إلى معرفة قيمة الدعوة التي دعانا الرب إليها . أن نكون أشخاص مسيحيين، ننعم بنفس طبيعة الله وكيانه وجوهره، وأمام هذه الدعوة إلى القداسة يصبح كل شي ثانوي. حيث هناك الأهم. نعم ان أكون مسيحي أهم من ان أكون متزوج او أعزب أو كاهن…… حيث يكمن في العماد كل الكرامة، كرامة أبناء الله، والذي لا يفوقها كرامة، وتأتي كل الدعوات من بعدها كخدمات وسائل لتحقيق الذات حسب مشيئة الله، ولخدمة الجماعة المسيحية ، الكنيسة. لكن هذا الأمر ليس بموضوعنا هنا، فموضوعنا هو الإرشاد الروحي.

البابا فرنسيس: "لينقذنا الرب بمحبته من روح العالم الذي يساوم على كل شيء"

“لينقذنا الرب من روح العالم الذي يساوم على كلّ شيء، ليس فقط على القيم وإنما على الإيمان أيضًا” هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في عظته مترئسًا القداس الإلهي صباح اليوم الاثنين في كابلة بيت القديسة مرتا بالفاتيكان وحذّر من خطر الوقوع في “عولمة التطابق المهيمن”.