١-  بين شمولية المحبة والمبشر
بعدما قام يسوع من الموت، تراءى بشكل متدرّج تربويّ مبتدء من مريم المجدلية... وصولا الى رسله الأطهار، الذي  دعاهم الى كرازة الناس أجمعين ببشارة الإنجيل، أي بنقل الخبر المفرح، أن الرب قد قام بين الأموات (مر 16: 15 ). وانطلاقا من هذا الحدث، بطلت الاستثناءات وتكسرت القيود التي تمنع نشر اﻹنجيل، بل نجد شمولية وانتشارا لا يعرفان التوقف عند اي حدود صنعتها يد الإنسان، أكانت جغرافية وثقافية أو إتنية وعرقية، لأن الجميع مدعو الى الخلاص.

٢- روحانية التبشير
لان الحب من طبيعته سريع الإنتشار، شّبه بشرارة صغيرة، ما إن تشتعل في الهشيم حتى تحدث فيه حريقا هائلا، وهكذا محبة التلميذ ليسوع، للذي يلهب بسعير البشارة القلوب لتتوب معترفة بقيامة المسيح. فمن هذا المنطلق اللاهوتي، نجد بأن روحانية التبشير بالمسيح القائم من الموت، تعبر عن هذا البعد للمحبة السريع الإنتشار والتمدد، فإن الحقيقة اللآمرئية للمحبة، تتجلّى دوما  في حياة المؤمن المبشّر، في جسديته ووجوده الحسي والمرأي، وفي هذا التجلي الإلهي في واقع التلميذ، يسعى هذا الأخير بأن يدخل جميع الناس إلى دائرة المحبة بالمسيح يسوع راعي الرعاة. 
إن البشارة بالمسيح، تطلبّ من المبشر شهادة حياة صادقة لقيم الإنجيل، تتجلّى في التضحية والبذل والعطاء وتحمّل مشقّة العيش على مثال الرسل المبشرين.

٣- اﻹيمان القوي
فلكي تنجح البشارة في عمل الرسل وأتباعهم، منحهم الرب نعمة اﻹيمان. وما هو هذا الإيمان ونوعيته وهدفه؟ إنه إيمان يمنح المؤمن قدرة الإنتصار على كافة أنواع الشياطين والمرض والموت، هدفه الفرح بالقائم من الموت. بمعنى آخر، إﻹيمان يجعل العمانوئيل يبارك ويقوي ويعزي ويقدس التلميذ المبشر، فما فعله يسوع ينتقل إلى كل تلميذ ومؤمن وكل بحسب مواهبه الخاصة، فالذي يخرج الشياطين ويشفي المرضى ويقيم الموتى، هو يسوع عينه العامل بقوة لاهوته وناسوته في ضعف الرسل ومحدوديتهم، وفي كل مبشر يستمد حيويته ومصداقيته من قوة الكنيسة.

٤- الإيمان أكبر من قوى العالم 
يمنح الإيمان بشخص المسيح القائم من الموت، حضور القيامة وغلبتها على الموت، إذ يقدس بقوة الروح واقع المؤمنين ويؤيد رسالتهم بالقول والفعل. إذا فلا تستهين بإيمانك الشخصي والكنسي، ﻷنك تملك، قوة الأبدية التي تهزم أكبر القنابل الذرية العالمية مجتمعة. فأمام شهادة الإيمان بيسوع، تتحطم أقوى جيوش العالم، وتنهار كافة سلاطين المال وممالكهم، التاريخ خير شاهد على ذلك.  
فعندما تؤمن بيسوع، يحيا الروح فيك، ومن يحيا فيه روح الله لا يموت ابدا، لأن المحبة أقوى من الموت. فطوبى لنا لأننا نؤمن بإله جعلنا نقوى بقدرة محبته،على كل قوة الشرير وجنده، فبقدر ما نُضطهد، بالقدر عينه نقوى وننتصر.

خلاصة روحية
فبقدر ما أنت تبشر بيسوع القائم من الموت، بالقدر عينه تظهر في إيمانك شمولية الخبر المفرح، الذي يتجسّد فرحا وحرية وحياة وقوّة وفهما ومعرفة وعلما في مسيرة حياتك الأرضية الصاعدة نحو السماء، إنها مسيرة جماعة، أي الكنيسة.تبقى القيامة الكلمة الأخيرة في تاريخ البشر، وليس من بعدها أو قبلها أي كلمة توازي حقيقتها وصدقيتها الخلاصيّة، فلنكن رسلا ننقل الى العالم، الخبر السار، أن المسيح قام حقا قام.

البابا في المقابلة العامة يتحدث عن الأب

أيُّها الإخوةُ والأخواتُ الأعزّاءُ، إنَّ كلمةَ أب تعبّرُ عن علاقةٍ أساسيّةٍ واقعُها قديمُ العهدِ، كقِدَمِ التاريخِ البشريِّ. لكنَّ اليومَ، وصلْنا إلى حدِّ التأكيدِ على أنَّ مجتمعَنا باتَ “مجتمَعًا بدونِ آباء”. بمعنى آخر، وخصوصًا في الثّقافةِ الغربيّةِ، يبدو أنَّ صورةَ الأبِ باتتْ غائبةً رمزيًّا. وتمَّ النظرُ إلى هذه المسألةِ في البدءِ وكأنَّها تحرُّرٌ: تحرُّرٌ من الأبِ السيّدِ الذي يُشكّلُ عائقًا في وجهِ تحرُّرِ الشبّانِ واستقلالِهم. في الواقعِ كانَ التسلّطُ في الماضي سيّدَ الموقفِ في منازلِنا، وكانَ أحيانًا يصلُ إلى حدِّ الطُغيانِ. أمّا اليوم، يبدو أنَّ المشكلةَ لا تكمنُ في الحضورِ المُتطفّلِ للآباءِ، بل في غيابِهم. إنَّهم يَصبُّون أحيانًا اهتماماتِهم على أنفسِهم وعلى تحقيقِ طموحاتِهمِ الفرديّة، وصولاً إلى حدِّ نسيانِ الأُسرة. ويتركون الشبّانَ والصغارَ لوحدِهم. كلُّ هذا يولّدُ نواقصَ وجروحًا أليمةً جدًّا وقد تؤدّي إلى انحرافِ الأطفالِ والمراهقين لفقدانِ مثالٍ وقدوةٍ يكونان موضعَ ثقةٍ في حياتِهم اليوميّة. إنَّهم أيتامٌ في العائلةِ لأنَّ الآباءَ هم غالبًا غائبون عنِ البيت، وعندما يكونون حاضرين، لا يقومون بواجبِهمِ التربويّ، ولا يُقدِّمون لأبنائهم، من خلالِ مثالِهم المُرفَقِ بالكلمات، المبادئَ والِقيَمَ وقواعدَ الحياةِ التي يحتاجون إليها حاجتَهم للخُبزِ. إنَّ الجماعةَ المدنيّةَ أيضًا، تضطلعُ بمسؤوليّةٍ تُجاهَ الشبّانِ، مسؤوليّة تتغاضى عنها أحيانًا أو تُسيءُ ممارستَها. والشبّانُ يظلون، هكذا، يتامى يفتقرون إلى سُبُلٍ يسلكونَها، وإلى معلِّمين يثقون بهم، وإلى مُثلٍ وقِيَمٍ تدعمُهم يوميًّا. وربّما يتشبَّعون بالأوثانِ ويندفعون نحوَ الحُلمِ بالترفيهِ والملذّات؛ ويعيشون وَهْمَ إلهِ المالِ ويُحرَمون من الثّرواتِ الحقيقيّةِ. إذًا إنّهُ لأمرٌ مُفيدٌ بالنسبةِ للجميع، الآباء والأبناء، أنْ يستمعوا مجدّدًا إلى الوعدِ الذي قطعَهُ يسوعُ على تلاميذه: “لن أتركَكُم يتامى”. الأربعاءُ المقبلُ سنتابعُ الحديثَ عن هذا الموضوع، مُسلِّطين الضوءَ على جمالِ الأُبوّةِ والأُمومةِ.