قلنا سابقا ، أن تعابير سفر التكوين ليست تعابير علميّة بل أدبيّة بليغة . إنها ليست سوى تشابيه واستعارات وشعر ، والبعد اللاهوتيّ لا يجبُ أن يستعاض عنه ببعد اجتماعيّ وبأعراف وتقاليد إنسانيّة . فالناسُ ، عادة ، تضع على طرفي نقيض المسائل الجنسيّة والمسائل الأخلاقيّة وما بينهما يعشق القلق . والناتج أنّ التصوّر هو : في الطفولة تسكن البراءة ، أي إنعدام الجنس والتناقض مع الأخلاق السائدة ، فيعلن الناس أنّ الفردوس هو زمنُ الطاعة للأهل ، زمن لم يكن فيه بعد استثارة جنسيّة .

إنّ الخطيئة النابعة من الفشل الأخلاقيّ تكشفُ هذه الوجهة في الفهم . إذ ليس ممنوعًا على الإنسان أن يكبر ويبلغ وأنّ كلّ أخلاقيّة تعلن أن الغريزة والجنس هي الخطايا ، هي أخلاقيّة تشجّع الكذب ، وأنها بالأساس نابعة من الكذبْ .

من ناحية أخرى ، يريدُ الكاتب اليهويّ أن يعيد للحياة الجنسيّة براءتها الآولى بغضّ النظر عن تهجّم المجتمع والأعراف عليها . فهو يبني بناءً محكمًا من لاهوت يعتمدُ على تناقضات الوجود البشريّ . فيدخل منذ البداية هذا المنطوق : لا يمكننا أن نشفي مشاكل الحبّ بواسطة القوانين والأعراف الإجتماعيّة والأخلاقيّة . يشفى الإنسان بالثقة التي يحتاجها ليتجاوَز قلقه الوجوديّ : هذه الثقة وحدها يمكنها أن تجعل الإنسان " طيّبا " و " بريئــــًا " بكلّ معنى الكلمة ؛ فالبراءة الحقيقيّة ليست قبل المعرفة بل بعدها .

كاتب تكوين 2  : 24 ، لا يعتبر البشر أطفالا متخلّفين ولا أبرياء سُذج ، أنّهم بالغون يجدون في الله ضماناتهم وإطمئنانهم إلى درجة تجعلهم قادرين على الإلتقاء ببعضهم ، وقادرين على الحبّ والعطاء العاطفيّ تحت كافّة أشكاله ، والدليل على عدم النضوج هو عندما نعتبر الآخر غريمًا في حبّ طفوليّ ضيّق ، والحال أنّ الصحيح هو أن يكون مكان لعلاقات متنوّعة مملوئة طافحة .

بنظر  الكاتب اليهويّ ، خير برهان على البراءة هو الحبّ الذي يجهلُ الخجل . وهنا أيضا لا يجب أن نقع في الإعتقاد الإجتماعيّ أنّ الخجل ناتجٌ فقط عن الأمور الجنسيّة . يقولُ المؤلّف اليهويّ بما معناه : أن الخجل الأصليّ لا يأتي من العُري بل من التعرّي ، ما معنى هذا الكلام ؟

التعرّي يأتي من الشعور بأن كياننا مكشوفٌ كلّه للآخر ، عندما تظهر خطيئتنا العميقة ، أي قابليّة الموت المسجّلة فينا على أثر فقداننا لمحبّة الله . إذا إنكشفنا ، تصبح نظرة الآخر حارقة وخارقة ، فلا تصطدم إلا بالعدم . إنّ المعنى النهائيّ للشعور بالخجل هو هذا الإنكشاف (العري)  ، الذي لا يبرّره شيء ، إنه الشعور بالذلّ الذي ينتجُ من عدم حبّ الآخر ، أو عدم جدارته واستحقاقه . وهذا الشعور هو عكس ما يولّده الحبّ : فالحبّ يعطي الشجاعة أن نظهرَ كما نحن دون خجل أو خوف من أن نكون كما نحن .

إنّ هذا التضادد ينكشف عندما يسيطر " القلق " ، عندما يختفي الحبّ ، نحاول أن نخفي عن الآخر  ضعفنا وعُرينا ، ولا نكشف له سوى جوانبنا الطيّبة بالمجاملات واللطافة والإبتسامات . هذا  الخوف من الآخر قام علمُ النفس بدراسته ودعاه " عقدة الخصي " ، أي الشعور بأننا دون استحقاق الحبّ ، فلا داعي أن نثقَ به ، ولا أن نسلّم ثقتنا للآخر لكي نكتشف حقيقتنا النهائيّة ، أن هذ الشعور يعطّل نهائيّا العلاقة البشريّة ويشلّها . فينزل الحبّ إلى مستوى التمثيل ، والضحك الواحد على الآخر ، فتسودُ السخريّة ، ويشحن الجوّ بمحاولة دائمة للإنتقاص منه وإذلاله بكافة أشكاله ، فنولّد فيه دائمــًا هذا الشعور بالنقص، أي يعطي كلّ واحد للآخر ما عنده .

يتبع

البابا يستقبل المشاركين في الجمعية العامة لمجمع الإكليروس

استقبل قداسة البابا فرنسيس ظهر اليوم الجمعة في قاعة كليمينتينا في القصر الرسولي بالفاتيكان المشاركين في الجمعية العامة لمجمع الإكليروس وللمناسبة وجّه الأب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه على رأسهم الكاردينال بنيامينو ستيلا وقال: أريد اليوم أن أتأمل معكم حول ثلاثة مواضيع تتناسب مع أهداف ونشاط هذا المجمع ألا وهي: الدعوة، التنشئة والبشارة.