ولادة الإنسان الجديد كشفها يسوع الإبن. في البدء كانت الرغبة .. لكن أيّة رغبة ؟

يقول شارلي شابلن : “ ليس للحياة من معنى ، إنها مجرّد رغبة ” . شارلي على حقّ . فالحياة ليس نظريّات وملّفات توضع تحت الدرج . إنها ” مسيرة ” .    خبرة وجود وواقع . كلمة ” حياة ” ، هي مثل كلمة ” نور ” كلمة أوليّة . ليس هناك كلمة بين جميع الكلمات التي أهتمّ بها يومًا الفكر الفلسفيّ ، كان لها مثل هذا التعدّد  في المفاهيم . الحياة ، كالنور ، ليست شيئا بجانب الأشياء الأخرى ؛ إنّها ” الكيفيّة التي هي من خصائص كلّ الكائنات الحيّة بكونها كذلك ” . وصفة الحيّ ، إنه يفعل ، يتحرّك ، يتحقّق ، وليست قابلة لملاحظة موضوعيّة . وكما يقولُ اللاهوتيّ الألمانيّ فالتر كاسبر : “ إنّ اختبار الحياة يعني اختبار حقيقة موضوعيّة لا يستطيعُ صاحبها أن ينقطعَ عنها هو نفسه ” . الحياة أكثر من مجرّد البيولوجيّ . الحياة تتضمّن الإنسان ، وتساؤله عن الحياة ، وعن الحياة الحقيقيّة الملأى والواقعيّة فعلا

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

إذن ، بعيدًا عن الأفكار الفلسفيّة واللاهوتيّة الصعبة ، سأحاولُ في هذه السلسلة الصغيرة ، أن أعطي بعضا من تأمّلات ، وإن حَوَتْ على لاهوت ، لكنّه ليس بتلك الصعوبة الكبيرة .

الله ، رغبة . ورغبةٌ شموليّة قصوى إلى أبعد الحدود . وعندما نقولُ ” رغبة ” ، مؤكّد أننا لا نلمّح إلى رغبة عابرة ، أو الرغبة الجنسيّة . وتختلف أيضا الرغبة عن اللذّة ، فالأخيرة ؛ هي كعود الثقاب ، يشتعلُ للحظات ٍ ثمّ ينطفيء . واستطيعُ تشبيهها بــ  ” الإعجاب والهيام ” بفتاة ! هو  مثل عود الكبريت ، يحترقُ فجأة للحظات ، ثمّ يخمدْ . ليس الله ” عودَ كبريت ” ! بل هو ” رغبةٌ شاملة ” أي : رغبة الإنسان القصوى والنهائيّة والحقيقيّة ، حتى وإن لم ، في أحيان كثيرة ، يذكر ويهتمّ الإنسان بالله .. هي في أن يرغب بالله ، لإنه هو ، الله ، الرغبة والسعادة الدائمتين للإنسان ، فبدون “الرغبة الشموليّة ” هذه ، يفتقرُ الإنسان ، ويستقرّ في ” اللامعنى ” وفي النقصّ المطلق.

الله ، هو رغبة شموليّة , لإنه ” يسبقنا ” في كلّ شيء . إذن ، وفي هذه الحالة ، إنّ الله هو ” البدء – البداية – المبدإ ” لكلّ شيء ، فهو الرغبةُ المطلقة ، التي تحتوي الإنسان .

بما أنّ الحياة ليست مجرّد بيولوجيّة ، بل ” خبرة “؛ فالخبرة تتكلّم عن الله إنطلاقا من ” الواقع ” ، وليس من خلال البراهين والنظريّات الرياضيّة العلميّة . نحنُ لا نكتفي بالعقل وحده ، الذي وإنْ استحوذ الإنسان بصورة كاملة يصابُ بالجمود والشلل الروحيّ ، ويضيع في متاهات رياضيّة تضجّ بالألاعيب الفلسفيّة الفكريّة الإختباريّة ، وأحيانا تصلُ إلى ” إنكار الله ” والإلحاد . . كلا ، نحنُ نبحثُ عن ” خبرة الله

أفضلُ مقياس ٍ لنا في معرفتنا سرّ الحياة الحقيقيّة ، هو في ” الخبرة ” . أن نعيش الواقع اليوميّ ، بصراعاته ومآسيه وتقلّباته ، بحلوه ومرّه . هو أن نضعَ أنفسنا داخل العلاقة مع الآخر . وبديهيّ أن نقول ، أن خبرة مثل هذه لا يمكنُ برهانها بالرياضيّات والعلوم ، في إمكاننا فقط أن نعترفَ بوجودها ، وأن نصغي لكلّ هؤلاء الذين عاشوها ويعيشونها . هذا واقعٌ وكفى كما يقولونْ

فعلينا إذن ، أن نضعَ ، في علاقاتنا ، ” الوجود المفتوح ” ، لا ” الوجود المغلق ” . أي : إنّ المكان المفضّل لطرح مسألة العلاقة مع الله هي وجود الإنسان ، أيّ إمكانيّة للّقاء مع الله ، لا يمكنُ أن تكون سوى داخل ” أنسنة ” الإنسان، داخل حقيقته الواقعيّة .. فالإيمان ، مثل الباراشوت ، لا يمكنُ أن ينقذ الإنسان إلاّ إذا كان مفتوحًا

علينا هنا ، أن نقولَ أمرًا مهمّا : المسيحيّة ـ أو الإيمان المسيحيّ .. إقلاعٌ من الداخل وليس من الخارج . هناكَ فرقٌ بين الصعود على السلّم ، والصعود بالطائرة . الصعود على السلّم ، هو صعودٌ من الأرض إلى مكان عال ٍ ، لكنّنا لا زلنا مكاننا ملتصقين بالأرض ، بينما الصعود بالطائرة ، هو إقلاعٌ من الداخل للعلى

نقولُ كنقطة إنطلاق ، إنّ ولادة الإنسان ، وكشف يسوع للبنوّة الحقيقيّة ؛ هي ” إقلاعٌ ” من العمق . هناكَ ” خبرة حياة ووجود ” وليس الموضوع مجرّد أفكار ونظريّات ، ولا مفترضات ، فلا مجال للفرضيّات في كشف يسوع للآب

يتبعْ : مشكلة الإنسان ، هي أن لا يشعر بوجود الله

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

عدي توما

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير