بكركي، في 24 كانون الأول 2014

مجدُ الربِّ أشرقَ حولَهم "

                                                      (لو2: 9)

نورٌ من السماء

1. في هَجعات اللَّيل، عندما وُلِدَ يسوع في مذود، في بيت لحم، "أشرقَ مجدُ الرّبّ" حولَ رُعاةٍ كانوا يحرِسون قطعانَهم، في محلّةِ حقل الرّعاة المعروفة اليوم "بيت ساحور"، جارةِ بيت لحم، ظهرَ لهم الملاكُ وقال: "لا تخافوا ! فها أنا أبشّرُكم بفرحٍ عظيم يكونُ للشّعب كلِّه: اليومَ، في مدينة داود، وُلِدَ لكم مخلّصٌ، هو المسيحُ الرّبّ" (راجع لو2: 6-11).هو النورُ جاءَ إلى العالم الغــارق في الظّلام، فأنــاره، ودعـــاهُ ليعيشَ في نورِ الحقيقةِ والمحبّةِ والعدالةِ والحرّيّة، في نورِ السّلام. أسرعَ الرّعاةُ إلى بيت لحم، فشاهدوا النّورَ المتجسِّد، الطّفلَ المُضجَع في المذود، مُحاطًا بيوسف ومريم. ثمّ رجعوا فرحين ومُمجِّدين الله على كلِّ ما سمعوا ورأَوا (راجع لو2: 16-20).

2. في بدايةِ هذه الرّسالةِ الميلاديّة وبحضور السَّادة المطارنة والرؤساء العامِّين والرئيسات العامّات والرهبان والراهبات والكهنة وسواهم، يسعدُني أن أُعرِبَ باسم الأسرةِ البطريركية عن أخلصِ التّهاني والتمنّيات لكم، أيّها الحاضرون، ولكلِّ أبناءِ وبنات كنيستنا وسائر الكنائس في لبنان والنّطاق البطريركي وفي بلدان الإنتشار؛ ونقدّمَ التّهاني أيضًا لكلّ أصحاب الإرادات الطيّبة فنحيّيهم جميعًا التّحيّةَ الميلاديّة مع كلِّ ما تحمل من خيرٍ ونِعَم ونور: وُلِدَ المسيح، هلِّلويا!

3. ما أجملَ أن نُنشدَ في هذه الأيّام، نشيدَ الكنيسة الصّباحي للقديس أفرام السّرياني :

أشرقَ النّورُ علـى الأبـــرار

يسوعُ ربـــّـُــنا الــــمـــسيـــح
فجاءَ وأنقذَنا من الظّلمة

والفرحُ على مُستقيمي القلوب

أشرقَ لــَــنــا مـــن حشـــا أبــيـــه
وبِـنـُــورِه الـــــوَهــــــَّــاج أنـــَــارَنــــَـــا

سنردّدُ هذا النّشيدَ، وفي أيدينا الشّموعُ المُضاءة، أثناءَ الإحتفال برتبةِ سجدةِ عيد الميلاد، في الكاتدرائيات والكنائس الرّعائيّة وكنائس الأديار والمؤسّسات. وقد أَعدَّت لجنتُنا البطريركيّة للشؤون الطقسيّة هذه الرّتبة، وعمَّمتها، ووزَّعتها. نأملُ أن يستعملَها الجميعُ في قدّاسِ نصف اللّيل وقدّاس الصّباح، إحتفاءً بالمسيح نورِ العالم. وقد أتى لكي "لا يمشيَ في الظّلام كلُّ مَنْ يتبعُه، بل يكونَ له النّورُ الذي يقودُ إلى الحياة" (يو8: 12).

نورٌ يبدّدُ الظُّلمات

4. النّورُ الحقيقيُّ الذي يُنيرُ العقولَ بالحقيقة، والإراداتِ بالخير، والقلوبَ بالحبّ، والضّمائرَ بصوتِ الله في أعماقِ النّفس، هو يسوعُ المسيح الذي يُنيرُ كلَّ إنسان آتٍ إلى العالم، بنور الكلمة والحياة (راجع يو 1: 1و4و9). فما من خوفٍ مهما اشتدّتِالظّلماتُ في العالم، وما أكثرَها: ظلمةُ الخطيئة والشرّ والكذب؛ ظلمةُ الحقد والبُغض والنزاع؛ ظلمةُ الحرب والعنف والإرهاب؛ ظلمةُ الإستبداد والإستكبار والظلم؛ ظلمةُ السّرقة والرّشوة والإحتيال؛ ظلمةُ الخطف والتّعذيب؛ ظلمةُ الألم والمرض؛ ظلمةُ الفقر والتّهجير.

 وكأنّ هذه الظّلماتِ لا تكفي، فأُضيفت عليها عندنا ظلمةُ التبعية وعدمِ الولاء للوطن المؤدِّيَين إلى انتهاك الدستورِ والميثاقِ الوطني والصيغةِ اللُّبنانية وعدمِ انتخاب رئيسٍ للجمهوريةمنذ الخامس والعشرين من أذار الماضي، فيما أبوابُ القصر الجمهوريّ مقفلةٌ منذ 25 أيار، من دون أيِّ وخزِ ضمير؛ ظلمةُ التعيينات السياسيّة والمذهبيّة في الوظائف العامّة من دون احترام قاعدة المناصفة؛ظلمةُ الفساد الغذائي والبيئي؛ ظلمةُ الاستيلاء على الأملاكِ العامّة والمشاعات والمالِ العام عن طريقِ الاحتيال والرّشوة؛ ظلمةُ المصالحِ الخاصّة التي تحجبُ الخيرَ العام؛ ظلمةُ التطرّف الديني والمذهبي الآخذِ في تشويه وجهِ لبنان؛ ظلمةُ الحساباتِ السياسيّة المذهبيّة التي حالت دونَ التوافقِ على قانونٍ عادلٍ للانتخابات يؤمِّنُ صحّةَ تمثيلِ المكوِّنات اللُّبنانية ويضمنُ للمواطنين حقَّهم  الدستوري في مساءلة ممثِّليهم في المجلس النيابي ومحاسبتهم؛               ظلمةُ العسكريِّين المخطوفين وآلامِ أهلهم؛ ظلمةُ التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية الناتجة عن كارثة المليون ونصف مليون نازح سوري على أرضِ لبنان.

5. كلُّ هذه الظُّلماتِ، مهما اشتدَّت، لا تستطيعُ إطفاءَ النورِ الإلهي. وقد جاءَ في إنجيلِ يوحنا، أنّ "النّورَ يُشرِقُ في الظّلمات، أمّا الظّلماتُ فلم تغشاه" (يو1: 5). مهما اشتدّت ظلماتُ هذا العالم، لا تستطيعُ أن تُطفئَ نورَ المسيح في العقلِ والإرادةِ والقلب. فنورُه إيمانٌ ورجاءٌ ومحبّة، ولا تستطيعُ شرورُ العالم انتزاعَها والسّيطرةَ عليها. لَكَمْ سمِعنا من المسيحيِّين المضطَّهَدين أو المُعتدى عليهم، هنا وهناك وهنالك، يقولون: "هدموا بيوتَنا، وسلبوا أموالَنا، لكنّهم لم يستطيعوا أن يهدموا أو يسلبوا إيماننا!"

جاءَ المسيحُ النّورُ إلى العالم لكي يصيرَ جميعُ النّاس أبناءً لله، مولودين من الله، أبناءَ نورِ الحقيقة والمحبة، ويَنعَموا بالحياةِ مع الكلمةِ الذي صارَ بشرًا وسكنَبيننا،ويشاهدوامجدَه،ويمتلئوامنالنّعمةِوالحقّ، كما جاءَ في مستهلِّ إنجيل يوحنا (يو 1: 12- 14). وأرادَ المسيحُ النورُ أن يُصبحَ كلُّ إنسان نورًا في بيئتِه ووظيفتِه ومكانتِه وحالتِه: "أنتم نورُ العالم، أنتم ملحُ الأرض" (متى 5: 13-14).

 خروجُ لبنانَ من ظلماته

6. لكي يخرجَ لبنانُ من ظلماته، يحتاجُ أوّل ما يحتاج إلى رئيسٍ للجمهورية يملأُهُ نورُ المسيح، ويكونُ الرأسَ السليمَ الواعيَ الحكيم. يحتاجُ إلى رئيسٍ معروفٍ بتاريخهِ وممارساتهِ، متجرّدٍ من ذاتِه ومن مصالحِهِ الصغيرة، مُحبٍّ للبنانَ وشعبِه وكيانِه ومؤسَّساتِه، ويدلُّ إليه ماضيه وحاضرُه. مثل هذا الرئيس يستطيعُ إعادةَ الأوّلويّة للمصلحة الوطنية العليا، وتركيزَها على أساسِ الميثاقِ وصيغتِه والدستور، وقيادةَ الحوارِ الوطنيِّ الشفّافِ والصريحِ الذي يُفضي إلى سلامٍ داخليٍّ حقيقيّ، وإلى تحديدِ الأولوياتِ للنهوضِ بلبنان. إنّ "المذكِّرةَ الوطنية" التي أصدرناها في 9 شباط 2014، ورحّبَ بها معظمُ اللُّبنانيّين، ترسمُ خريطةَ الطريقِ لإخراجِ لبنان من أزمتِه السياسيّةِ وتداعياتِها الاقتصاديّةِ والأمنيّةِ والاجتماعيّة.

7. ويحتاجُ لبنانُ إلى رجالِ سياسةٍ مؤهَّلينَ ثقافيًّا وإنسانيًّا وأخلاقيًّا، جديرينَ بممارسةِ فنِّ السياسةِ القائمِ على خدمةِ الإنسانِ والخيرِ العام، بحيثُ تتوفّرُ للجميعِ شروطُ الحياةِ الكريمةِ والوافرة، الشخصيَّةِ منها والجماعية؛ رجالِ سياسةٍيكونُ ولاؤهُم أوّلاً وآخِرًا للبنان، ويكونون مُدركينَقيمتَهكوطنٍمُميَّزٍبخصوصيَّتِهِمنحيثُالكِيانِوالقيمةِ الحضاريةِ والدورِ والرسالةِ في محيطهِ العربي؛ رجالِ سياسةٍ يُؤمنون بالديمقراطيةِ السليمةِ ويمارسونَها، وبحقوقِ الإنسانِ ويتفانَون في تأمينِها وحمايتِها، ويَغارون على سيادةِ لبنانَ وأمنِه واستقرارِه، وكرامةِ مؤسّساتِه وشعبِه (راجع شرعة العمل السياسي، المادة 27 و29).

8. إنّنا ندعو الجميعَ، في أبرشيّاتِنا ورهبانيّاتِنا في الـرعـايـا والأديــارِ والمؤسّسات، للصــلاةِ على هذه الـنـيّة: انتخـابِ رئيـسٍ للجمهــوريةِ اليـومَ قـبلَ الغـد؛ إلتـزامِ رجالِ السياسةِ بالمبادئِ الوطنية وباحترامِ الدستورِ والميثاقِ الوطنيِّ والصيغةِ المُنظِّمة للعيشِ المشتركِ وللمشارَكةِ المتناصِفةِ والمتوازِنةِ في الحكمِ والإدارة؛ الاستـقـرارِ في لـبـنـانَ والســلامِ فـي سـوريــا والعراق والأراضي المقدسة، وفي سائر بلدان الشَّرق الأوسط.

الميلادُ يومٌ جديدٌ دائمٌ في العالم

9. اليومَ وُلِدَ لكُم المخلّص (لو 2: 9). إنّه اليومُ الجديدُ في تاريخِ البشر، يومَ وُلِدَ إنساناً على أرضنا الإلهُ المولودُ من الآبِ من دون بداية. إنّه نورٌ من نور، إلهٌ حقٌّ من إلهٍ حقّ. هو يومُ الخلاصِ الأبديِّ الذي وافانا. يومُ إعلانِ السّلامِ هديّةً من الله لجميع النّاس، لكي ينعموا بالسّعادةِ والفرح: "سلامي أُعطيكم" (يو 14: 27). واليومَ يطلبُ منّا أنْ نحافظَ على هـذا السّلامِ الآتي من الله، وأنْ نبنيَه كأبناءٍ لله في محيطِنا، في العائلةِ والمجتمع، وفي الكنيسةِ والدّولة:"طوبى لفاعلي السّلام فإنَّهُم أبناءَ الله يُدعَون"(متى 5: 9).

هـو اليومُ الذي صارَ فيهِ ابنُ اللهِ إنسانًا، لكي يصيرَ بنو البشرِ أبناءَ الله. وقد ردّدَ آباءُ الكنيسة: "تأنّسَ اللهُ، لِيؤلِّهَ الإنسان". الإلهُ انحدرَ إلى أرضِنا، لكي يرتفعَ بنا إلى السماء. هو يومُ السلامِ والمجدِ والرجاء: يومُ السلامِ على الأرضِبشخصِ الإلهِ الذي صارَ بشرًا؛ ويــومُ المجدِ في السماءِ بالإنسانِ الجـديـدِ يسوعَ المسيح، وبكلِّ إنسانٍ يتجدَّدُ به، على ما قال القديس إيريناوس: "مَجْدُ اللهِ الإنسانُ الحيّ؛ ويومُ الرجاءِ لجميعِ الناس لأنّهُ جوابُ التَّوْقِ إلى السعادةِ الذي وضعَهُ اللهُ في قلبِ كلِّ إنسان، ليحميَهُ من اليـأسِ، ويــزرعَ فـيه السكينة. بهذا الرجاءِ تهتفُ الكنيسةُ مع أبـنـائِها في كــلِّ يــوم: "تـعــالَ، أيّها الربُّ يسوع" (رؤ 22: 17 و20).

اليـومَ أتى ابـنُ اللهِ إلى أرضِنـا إنسـانًا، لـكي يجعلَ كلَّ شيءٍ جديدًا (رؤيا 21: 5). الكنيسةُ، منذُ ألفَي سنة، هـي فـي حـالـةِ تجــدُّدٍ دائـمٍ بكــلمةِ الإنجـيــلِ ونعمــةِ الأسرارِ وفعلِ الرّوحِ القدس، وتعملُ جاهدةً على تجديدِ الإنسانِ والمجتمع، حتى تنطبعَ في الجميعِ صورةُ المسيح. ثلاثةُ أحداثٍ أدخلتْ كنائسَنا الشّرقيّةَ في حركةِ تجدُّدٍ شاملٍ ودائم: سينودسُ الأساقفةِ الرومانيّ من أجلِ لبنان وإرشادُه الرسولي: "رجاءٌ جديدٌ للبنان"(أيار 1997) للبابا القديس يوحنّا بولس الثاني، والمجمعُ البطريركيُّ المارونيُّ ونصوصُه الثلاثةَ والعشرين (2003-2006)، وجمعيةُ السينودسِ الخاصةِ بالشَّرقِ الأوسط، وإرشادُها الرسوليّ: "الكنيسةُ في الشَّرقِ الأوسط، شركةٌ وشهادة" (أيلول 2012) للبابا بندكتوس السادس عشر. واليومَ يقودُقداسةُ البابا فرنسيس حركةً تجدّديّةً شاملةً بروحٍ رساليٍّ يُخرجُ الكنيسةَ إلى ضواحي الفقرِ والجهلِ والظلمِ واحتقارِ قُدسيّةِ الحياةِ و كرامةِ الشخصِ البشريّ.

أيُّها الإخوةُ والأخواتُ الأحبّاء

9. إنّنا نصلّي جميعًا من أجلِ أنْ "يُشرِقَ حولَنا مجدُ الربّ" (لو2: 9)، في هذا العيد، كما أشرقَ في أجواءِ بيتَ لحم، ليلةَ ميلادِ يسوعَ المسيح، فادي الإنسانِ ومخلّصِ الجنسِ البشريّ. ولنقبَلْ في داخلِنا السلامَ الآتي من اللهِ لكي نتمكّنَ من أنْ نبنيَهُ في كلِّ عائلةٍ ومجتمعٍ ووطن، في لبنان وهذا المشرقِ وفي بلدانِ الانتشار. ولنمجّدِ اللهَ في إنسانِنا المتجدِّدِ بالمسيحِ وفي كلِّ إنسانٍ تتجدّدُ فيه صورةُ اللهِ بهيةً. ولنكنْ أقوياءَ بالرجاءِ فنصمُدَ بوجهِ المحنِ والمصاعبِ ونخرجَ منها إلى ميناءِ عالمٍ أفضل، ولنُعلنْ بملءِ أفواهِنا:

وُلد المسيح! هللويا!

عطية السلام

وعد الرب شعبه بوعد الخلاص والسير في طريق السلام، أرسل أنبيائه من أجل قطيعه التائه، ولكن لم يتبّ ولم يعرف طريق الصواب ألا بالحمل المذبوح على الصليب. بالطفل يسوع المولود في مغارة صغيرة في أحد أيام الشتاء القارص. طفلٌ ولدّ ليتعلم ويعلم ويكبر على كيفية مواجه تحديات البشر وكيف يكون النصر على إرادات لم تتعلم كيف تخضع للأمور الروحية.أساس حياة البشر وثباتها وسعادتها واستمرارها هو الإيمان بأن لا حياة صالحة وثابتة بدون الرب الذي هو أساس بناء هيكل الإنسان السليم. لكن غالبًا البشر لا يستوعبوا ويفهموا ذلك، القلة القليلة من تدرك، كيف أن الاعتماد على الرب ووعده والرجوع إليه بقلب مفعم بالإيمان والمحبة، هو من يجعل الحياة مكافأة ثمينة لا تعوض ولا تقدر. بينما من لا يستوعب ذلك يجعل من الحياة ميدان صراع لا ينتهي، يصارع نفسه والآخرين وفي النهاية يذوق الفشل الذي يلهث خلفه! هو لم يكن أعمى البصيرة ولكن داخله ما كان مغلف بالسواد وجعل الحياة بالنسبة له مجرد تطلع عقيم لا يتعدى المسافة المحصورة بين خطوات قدميه! مما جعل نفسه تبقى في قوقعة الضياع بينما الحياة تسافر به وتأخذه معها.يسوع المسيح بولادته، أراد أن يعلم البشر أن مواجهة الحياة وعيشها كما هي بطبيعتها، لا تكون ألا حينما تكون بدرجة نقاء الطفل وصفاء نفسه ونيته وتقبل كل شيء بابتهاج وبساطة قلبًا، والبدء ببدايات جديدة فيها من الشكر الكثير للواهب الذي أراد لنا حياة مزدحمة بالأمل والعطية والعمل الصالح الباقي للنمو الروحي. يسوع المسيح أراد أن نذوق الحياة معه ونجرب الجديد الباقي للحياة الأبدية، وهي دعوة من قبله للظهور في حياته دائما وأبدًا. هي دعوة تجديد لكل ما في الحياة من روحانيات سامية .. يسوع المسيح بولادته لمع نجمه في السماء وأضاء الكون، فكان النور الذي أنعكس على البصر وفتح البصيرة على الخير وأضاق الحدود على الشر. هو حارب من أجلنا وربح لحسابنا، كان ولا يزال من أجلنا ولابد أن نكون له. حبهُ كبيرًا فيه غاية واهتمام وعبور، وعليه يجب الارتكاز.  أننا بحاجة إلى الإتحاد بالربِّ وبه نتحد مع ذواتنا ونعيش كإنسان فعلا خلق من أجل الإنسانية. مثلما الآب والابن واحد، كذلك نحن معه نكون واحدًا. أننا لا نحتاج لأكثر من هذا، وبالإتحاد تأتي باقي الأشياء تباعًا وتصنع أخرى جديدة.  الطفل يتقبل عطايا الوالدين بفرحة غامرة ويتقبل كلامهم بمحبة، هكذا كان يسوع المسيح للآب السماوي، تقبل الكلمة وكملها بمحبة وحقق السلام والخلاص.آمنوا إذن بأن الربّ معكم وسيروا قدما ما زال راعيكم عينه عليكم. أنصتوا لصوته وتشددوا بقوته. تعلموا أن لا تخافوا البتة وأن لا ترتعب أنفسكم، فقط آمنوا وستجدون المُنقذ وقد أحاطكم بمحبته، ومدّ يده أليكم. أنشدوا للربّ دومًا أناشيد المحبة والفرح ورتلوا وسبحوا له دوما على عطاياه التي لا تنتهي. لا تعيشوا التردد ولا تضطرب قلوبكم ما زال هو معينكم ومنقذكم وحاملكم على أذرعه، كما تحمل الأم طفلها على أذرعها وتحيطه بها لكي لا يسقط أو يتألم.يسوع الطفل المولود في مغارة للحيوانات، أصبح الراعي الصالح الذي يقود قطيعه لكي لا يضيع. هو من باركنا بكل البركات ودعانا إلى ملكوته وقربنا من حياة لا تزول ولا تفنى. ربنا وملخصنا إننا نشكرك على عطية السلام التي وهبتنا أياها، عطية الفرح والخير والبناء والاتزان والثقة والمحبة والثبات في عالم متذبذب فيه الكثير من النفوس المخبوطة التي تسير بعكس إرادتك. ربنا أقبل صلاتنا وتضرعاتنا وعطرنا برائحة محبتك الزكية.علمنا دوما أن نعمل الأعمال الصالحة التي تبقينا في إيمان أبدي وتغذي أرواحنا وتنمو وتتجدد بقوتك.