الفاتيكان، 4 مايو 2007 (ZENIT.org). – ننشر في ما يلي العدد 33 من الإرشاد الرسولي “سر المحبة” لقداسة الحبر الأعظم البابا بندكتس السادس عشر حول موضوع الافخارستيا مصدر وغاية حياة الكنيسة ورسالتها.
الافخارستيا والعذراء مريم
33. من العلاقة بين الافخارستيا والأسرار الأخرى، ومن البعد الاسكاتولوجي للأسرار المقدسة، تنبع صورة متكاملة للوجود المسيحي، المدعو في كل لحظة إلى العبادة الروحية، وإلى تقدمة الذات المرضية عند الله. وإذا كنا جميعنا ما زلنا في مسيرة نحو التحقيق التام لرجائنا، إلا أن هذا لا يمنع أن نلاحظ بعرفان منذ الآن بأن ما أعطانا إياه الله قد تحقق بشكل كامل في العذراء مريم، أُم الله وأمنا: إن انتقالها إلى السماء بالنفس والجسد هو بالنسبة لنا علامة رجاء أكيد، إذ يبين لنا، نحن الحجاج في الزمن، ذلك المرام الاسكاتولوجي الذي نستطيع تذوقه منذ الآن في سر الافخارستيا.
في مريم العذراء، نرى تحقيق الهيكلية الأسرارية التي يصل بها الله إلى الخليقة ويشركها في مبادرته الخلاصية.
من البشارة حتى العنصرة، تظهر لنا مريم الناصرية شخصًا يعيش ملء حريته في الطواعية لإرادة الله. فالحبل بها بلا دنس يظهر بكل وضوح في طواعيتها اللامشروطة للكلمة الإلهية. وتلبس حياتها طابع الإيمان المطيع في كل لحظة لعمل الله. وتعيش، كعذراء مصغية، بتناغم كامل مع الإرادة الإلهية؛ تتأمل في قلبها الكلمات التي تأتيها من الله، وترصفها كما في فسيفساء، فتتعلم أن تفهمها بالعمق (راجع لو 2، 19. 51)؛ مريم هي المؤمنة العظيمة، التي بثقة تامة، تضع نفسها في يدي الله، وتستسلم لإرادته.
يتعاظم هذا السر إلى أن يبلغ إلى الاشتراك الكامل في رسالة يسوع الخلاصية. كما قال المجمع الفاتيكاني الثاني، “تقدمت العذراء مريم في غُربة الإيمان محافظةً بكل أمانة على الإتحاد مع ابنها حتى الصليب حيث كانت واقفة (يو 19، 25) – ولم يكن ذلك بدون تصميم إلهي – تتألم بشدة مع ابنها الوحيد، مشتركةً بقلبها الأمومي في ذبيحته، معطيةً إلى تقدمة الذبيح، المولود من لحمها، رضا حبّها، إلى أن يعطيها يسوع المسيح بالذات، المنازع على الصليب، إلى تلميذه أُمّا بهذه الكلمات “يا امرأة هذا ابنك””.
من البشارة إلى الصليب، مريم هي التي تقبل الكلمة المتجسد في ذاتها وصولاً إلى الصمت في سكون الموت. وأخيرًا، إنها هي التي تقبل بين ذراعيها، وقد غدا الآن دون نسمة حياة، الجسد الذي قدمه ذلك الذي فعلاً أحبّ خاصته “حتى النهاية” (يو 13، 1).
لهذا، كل مرة نتقرب في الليتورجية الافخارستية من جسد ودم المسيح، نتوجه إليها أيضًا، لأنها بالتزامها الكامل، قد قبلت ذبيحة المسيح لأجل الكنيسة كلها. فبحق صرح آباء المجمع قائلين: “تفتتح مريم مشاركة الكنيسة بذبيحة الفادي”.
فهي النقية من الدنس التي قبلت دون شروط عطية الله، وبهذا تم ربطها بعمل الفداء.
إن مريم الناصرية، أيقونة الكنيسة الناشئة، هي مثال يُدعَى كل منا إلى الاحتذاء به في قبول هبة الذات التي يقوم بها يسوع في الافخارستيا.