سيدي الكاردينال،
أيها الإخوة الأجلاء في الأسقفية والكهنوت،
أيتها الأخوات العزيزات!
[…]إن موضوع الجمعية العامة التي تقمن بها في هذه الأيام هو غاية في الأهمية: “مدعوات إلى حياكة روحانية جديدة تولد الرجاء والحياة للبشرية بأسرها”. إن الموضوع الذي اخترتن هو ثمرة تفكير واسع حول السؤال الآتي: “عبر التأمل بعالمنا، وعبر الإصغاء لصراخه، ولحاجاته، ولعطشه ولتطلعاته، ما هو الخيط الذي ندعى إلى حياكته في هذا الظرف الزمني، كمسؤولات عن الرهبانيات، لكي نصير “حائكات الله”، نبيات ومتصوفات؟”.
ساهم التحليل الدقيق للأجوبة في إفهام المجلس التنفيذي لاتحادكن أن الرمز الذي تم اختياره – رمز “الحياكة”، هو صورة ذات خاصية أنثوية تستعمل في كل الحضارات – يتجاوب مع الحاجة التي تنبهت إليها الرئيسات العامات كحاجة روحية وإرسالية طارئة في زمننا الحاضر.
ففي الأجوبة نفسها تم اكتشاف بعض “الخيوط” – المرأة، المهاجرين، الأرض وقدسيتها، العلمانيين، الحوار مع الأديان العالمية – التي تعتبرنها ضرورية من أجل “حياكة” روحانية متجددة للحياة المكرسة في زمننا، ولأجل إطلاق نهجٍ راعوي يتجاوب بشكل أفضل مع تطلعات الناس.
وخلال الجمعية العامة، أنتن تعالجن هذه الأسئلة بالضبط. تعلمن أن الرئيسة العامة مدعوة إلى أن تكون داعمة ومشجعة لحياة مكرسة “متصوفة ونبوية”، ملتزمة بجد في تحقيق ملكوت الله، كما سبق وشددت بحق رئيستكن. هذه هي “الخيوط” التي يدفعكن الرب بها “لحياكة” نسيج خدمة فاعلة لكنيسة اليوم، وشهادة إنجيلية بليغة “دائمة القِدم ودائمة الجدّة”، وذلك لأنها أمينة لجذرية الإنجيل ومتجسدة بشجاعة في الواقع المعاصر، خصوصًا حيث يكثر الفقر الإنساني والروحي.
إن التحديات التي تواجهها الحياة المكرسة اليوم، من اجتماعية واقتصادية ودينية ليست بقليلة! تشكل المجالات الراعوية الخمسة التي سلطتن الأضواء عليها “خيوطًا” أخرى يجب حياكتها وربطها بخط العيش اليومي المتفرع، وفي العلاقات بين الأشخاص وفي الخدمة الرسولية.
يتوجب عليكن غالبًا السير في سبل إرسالية وروحية جديدة، مع الحفاظ دومًا على علاقتكن الحميمة مع المسيح. فمن هذا الاتحاد بالله فقط ينبع الدور “النبوي” لرسالتكن ويتغذى. دور يستلزم “إعلان ملكوت السماوات”، وهو إعلان ضروري لكل زمان ومجتمع.
لا تستسلمن أبدًا إلى تجربة الابتعاد عن الحميمية مع عروسكن السماوي بالانجرار الزائد وراء الاهتمامات والمشاكل اليومية.
إن مؤسسي ومؤسِسات جمعياتكن قد تمكنوا أن يكونوا “نبويين رائدين” في الكنيسة لأنهم لم يغضوا الطرف أبدًا عن أنهم في العالم ولكنهم ليسوا من العالم، بحسب تعليم يسوع الواضح (راجع يو 17، 14).
اقتداءً بمثال المسيح، جهد المؤسسون في إيصال محبة الله عبر الكلمات والأفعال العملية، وعبر هبة الذات بالكلية شاخصين بأنظارهم وبقلوبهم دومًا إليه.
أيتها الراهبات العزيزات، إذا أردتن السير بأمانة في خطى مؤسسيكنّ ومؤسساتكن، وإذا أردتن مساعدة أخواتكن على الاقتداء بأمثالهم، أنمين البعد “الصوفي” من الحياة المكرسة، من خلال اتحاد نفوسكن دومًا بالله عبر التأمل.
كما يعلمنا الكتاب المقدس، “النبي” يصغي أولاً ثم يتأمل، وبعدها يتكلم تاركًا لمحبة الله أن تغمره بالكلية، تلك المحبة التي لا تخاف شيئًا، وهي أقوى حتى من الموت.
النبي الأصيل إذا، لا يهتم بالقيام بأعمال، وهو شيء مهم من دون شك، ولكن ليس الجوهر أبدًا.
النبي الأصيل يسعى قبل كل شيء لكي يكون شاهدًا لمحبة الله، محاولاً أن يعيشها في خِضَمّ أمور العالم، حتى ولو كان حضوره مصدر “إزعاج”، لأنه يقدم ويجسد قيمًا مغايرة.
لذا فليكن محط اهتمامكن الأساسي مساعدة أخواتكن على البحث عن المسيح بكل جوارحهن، وأن يضعن أنفسهن بسخاء في خدمة الإنجيل. لا تتوانين عن تكريس كل الاهتمام للإعداد الإنساني، والثقافي والروحي للأشخاص الموكلين لرعياتكن، لكي يكون بامكانهم أن يجيبوا على التحديات الثقافية والاجتماعية المعاصرة.
كنّ أوّل من يعطي مثل التخلي عن الرفاهية والراحة للقيام برسالتكن. تقاسمن غنى مواهبكن مع جميع الذين يلتزمون في رسالة الكنيسة الواحدة والتي هي بناء ملكوت الله.
أنمين لهذا الغرض علاقة صافية وودية مع الكهنة، والمؤمنين العلمانيين، وخصوصًا مع العائلات لمواجهة الألم والحاجة والفقر المادي والروحي الذي يعاني منه الكثير من معاصرينا.
علاوة على ذلك، أنمين شراكة صادقة وتعاون نزيه مع الأساقفة، المسؤولين الأولين عن التبشير في الكنائس الخاصة.
أيتها الأخوات العزيزات، تتزامن جمعيتكن العامة هذه مع الزمن الفصحي الذي تدعونا فيه الليتورجية إلى الهتاف بفرح وثبات: “هوذا اليوم الذي صنعه الرب، تعالوا نسر ونفرح فيه!”. فليرافقكن فرح وبهجة الفصح، وليبقيا معكن في جماعاتكن.
كنّ في كل ظرف وزمان رسولات الفرح الفصحي كالنساء اللواتي ذهبن إلى القبر ووجدنه فارغًا ونلن فرح اللقاء بالمسيح القائم. فذهبن فرحات إلى الرسل ليعلمنهم بالبشرى.
فلتسهر عليكن وعلى عائلاتكن الرهبانية مريم، سلطانة العذارى، والمؤسسون والمؤسسات الطوباويون والقديسون.
وإذ أوكلكن إلى شفاعتهم أؤكد لكنّ الذكر في الصلاة وأمنحكن بفرح البركة الرسولية.