مداخلة الكرسي الرسولي في جمعية الأمم المتحدة حول الصحة

“ندعو إلى أنثروبولوجيا تحترم الشخص البشري”

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

جنيف، 28 مايو 2007 ((Zenit.org – ننشر في ما يلي مداخلة المونسنيور سيلفانو توماسي، مراقب الكرسي الرسولي الدائم لدى الأمم المتحدة في جنيف، بعنوان: “الكرسي الرسولي والتحديات الحديثة في مجال تعزيز الصحة” خلال جمعية الصحة العالمية التي انعقدت من الرابع عشر إلى الثالث والعشرين من الشهر الحالي. 

السيدة الرئيسة،

1. يرغب وفد الكرسي الرسولي في أن يهنئكم على انتخابكم رئيسةً لهذه الجمعية الموقرة وأن يعرب عن امتنانه الصادق للدكتور فرناندو أنتيزانا أرانيبار لقيادته الحكيمة لأعمال المجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية في اضطلاعه بالمسؤولية الثقيلة لتأمين خلف يشغل منصب المدير العام بعيد الوفاة المفاجئة للدكتور جونغ ووك لي.

2. كما يودّ وفدي أن يهنّىء الدكتورة مارغريت تشان لتعيينها في منصب مدير عام منظمة الصحة العالمية. إننا نرحب باعتبارها صحة المرأة وشعوب إفريقيا من المسائل الأساسية خلال ولايتها. فلطالما كانت الكنيسة الكاثوليكية تحمل لواء قضية تعزيز صحة المرأة من خلال مساعدتها على التوفيق بين رفاهها الجسدي والنفسي والإجتماعي من جهة والقيم الأخلاقية والروحية من جهة أخرى. وفي الخط نفسه، فإن الكنيسة الكاثوليكية مقتنعة أيضاً بمبدأ تساوي وتكامل كرامة المرأة والرجل التي هي عطية من عند الله.

كما أن الكنيسة الكاثوليكية تولي الأولوية للتعبير الأنجع للتكامل بين المرأة والرجل –وهي العائلة القائمة على أساس الزواج مدى الحياة والمتميز بالوفاء المتبادل والتي تبقى عماد المجتمع البشري. وهذه الرؤيا للكرامة الإنسانية التي يدعمها الكرسي الرسولي بشدة يشاركنا فيها أيضاً الكثير من المواطنين في كثير من الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية.

وفي الإطار ذاته، فإن وفدنا يحدوه الأمل بأنّه لن يتمّ استعمال لا المناقشات بشأن القرار م ت 120.ق6 ((Resolution EB 120.R6 (“دمج التحليل والإجراءات الجنسوية في عمل المنظمة”)   ولا إجراءات إنفاذ القرار ل”تبرير” أذية الحياة البشرية أو تدميرها خلال مرحلة من مراحلها الأكثر هشاشة –أي فيما يكون الجنين في أحشاء أمه. كذلك، يودّ الكرسي الرسولي أن يدعو الدول الأعضاء في المنظمة مرة جديدة إلى السعي إلى فهم لفظة “الجندر/الجنس” على أساس الهوية الجنسية البيولوجية عند المرأة والرجل على حدّ سواء.

وفي مسألة إفريقيا، فإن البابوات لطالما أعربوا عن شديد قلقهم حيال تاريخ هذه القارة المكروب “حيث لا يزال الكثير من الأمم يعيش تحت نير المجاعة والحروب والتشنجات العرقية والقبلية وغياب الإستقرار السياسي وانتهاك حقوق الإنسان”، وقد نبّه البابا بندكتس السادس عشر المجتمع الدولي إلى أنه “لا يجوز أن ننسى إفريقيا”.

 

3. ويرغب وفدي في أن يثني على القرارات والتوصيات المتعلقة بآفة السل والملاريا وفيروس الآيدز وتلك المتعلقة بخطر الإنتشار المتوقع لإنفلونزا الطيور وفيروسات الإنفلونزا الجائحة. ويمكن مواجهة الكثير من الأخطار المحتملة المحدقة بالصحة العالمية جرّاء هذه الأمراض إذا ما التزمت الأسرة البشرية العالمية ببرامج أبحاث وتلقيح ومعالجة وتربية وقائية تتماشى مع القاعدة الأخلاقية الطبيعية وتكون هادفة وبكلفة مقبولة.

بين الثالث والعشرين والخامس والعشرين من نوفمبر 2006، جمع المجلس الحبري لراعوية الصحة في الفاتيكان ما يزيد عن 500 خبير للتباحث في “النواحي الراعوية لمعالجة الأمراض المعدية”. وقد ركّز قداسة البابا بندكتس السادس عشر في كلمته إلى المجتمعين على ضرورة تطبيق العدالة الإجتماعية في مجال المعالجة والتمريض الدقيق وبالتالي ضمان التوزيع العادل للموارد بين الأبحاث والعلاجات.

وفي المنظور نفسه، وفي حين كانت المستشارة الألمانية تستعدّ لتولّي رئاسة مجموعة دول الثمانية والإتحاد الأوروبي، توجه الأب الأقدس برسالة لها أعرب فيها عن أمله بحصول “استثمار ملحوظ في الموارد المخصصة للبحوث وتطوير الأدوية لمعالجة فيروس الآيدز والملاريا وغيرها من الأمراض المدارية… كما تبرز الحاجة إلى تأمين التقنيات الطبية والصيدلية والخبرة في مجال الرعاية الصحية من دون فرض شروط قانونية أو إقتصادية”.

 

4. ويضمّ الكرسي الرسولي صوته إلى صوت أمانة المنظمة في تقريرها حول “استحداث أدوية أفضل للأطفال” ليعرب عن قلقه للوفاة المفجعة لزهاء 10.5 مليون طفل ما دون سن الخامسة سنوياً، علماً أن معظم أولئك الأطفال يموتون جرّاء إصابتهم بأمراض يمكن علاجها عند البالغين إلا أنه لم يتم بعد تطوير المعايير والتراكيب الصالحة للإستعمال عند الأطفال.

ويبدو الإهتمام بهذه المسألة الجدية ملحاًً، خاصةً في ضوء التقرير الصادر مؤخراً حول “توسيع التدخلات الأولوية المتعلقة بفيروس نقص المناعة المكتسبة/الآيدز في قطاع الصحة” الذي لحظ بأسف شديد أن 15% فقط من الأطفال الذين يحملون فيروس الآيدز والذين هم بحاجة إلى علاج بالأدوية الثلاثية يمكنهم الوصول إلى هذه العلاجات التي من شأنها إنقاذ حياتهم. وتُقدَّر هذه التغطية العلاجية بحوالى نصف النسبة المؤمنة للبالغين من حملة الفيروس.

لم يعد بوسع المجتمع الدولي أن يغضّ الطرف بعد اليوم عن حاجات الأطفال الحياتية، ومعظم هؤلاء هم من بين أكثر مواطنينا عوزاً في حين أنهم يمثلون مستقبل المجتمع البشري أيضاً. وفيما يتمّ اتخاذ خطوات لاستحداث “أدوية أفضل للأطفال” ولمراجعة اللائحة النموذجية للأدوية الأساسية ولتحديثها بشكل منتظم بهدف إدراج الأ
دوية الصالحة للإستخدام عند الأطفال فيها، لا بدّ من إجراء بحوث قائمة على مبدأ الأخلاقيات والشفافية والرقابة المشددة حول سلامة هذه الأدوية قبل أن تُعتمَد لمعالجة الأمراض عند الأطفال. 

 

5. وفيما نحن على مشارف الذكرى الثلاثين لاعتماد إعلان ألما آتا التاريخي حول الرعاية الصحية الأولية، يسرّ الكرسي الرسولي أن يلحظ الإهتمام الإستراتيجي الذي يحظى بدعم لقاء جمعية الصحة العالمية هذا حول مسائل حيوية شأن الوقاية ومراقبة الأمراض غير المعدية والإستعمال الرشيد للأدوية، وبشكل خاص، تعزيز الصحة في عالم العولمة مع التركيز الأساسي على خدمات الرعاية الصحية الأولية.

وإن وفدي يحثّ، في كافة المداولات الجارية في هذا اللقاء كما في الإجراءات اللاحقة المعتمدة لإنفاذ القرارات الصادرة عن الجمعية الصحية العالمية على الصعيدين الوطني والمحلي، على اعتماد رؤيا للأمن الصحي تقوم على أنثروبولوجيا تحترم الشخص البشري بكلّيّته ويذهب أبعد بكثير من السعي إلى القضاء على المرض نحو تحقيق انسجام كامل وتوازن سليم بين القدرات الجسدية والعاطفية والروحية والإجتماعية التي تجتمع في الشخص البشري.

 

أشكركم.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير