الحركة المسكونية ليست في أزمة (الجزء الثاني)

مقابلة مع عالمة اللاهوت الألمانية جوتا بورغراف

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

روما، 20 أغسطس 2007 (ZENIT.org) – الحركة المسكونية ليست في أزمة، بل “على العكس تماماً هي في مرحلة نضوج أكبر: فنحن نرى اليوم بشكل أوضح ما يجمعنا وما يفرّقنا”.
هذا ما أعلنته جوتا بورغراف، أستاذة اللاهوت والمسكونية في كلية اللاهوت في جامعة نافارا في إسبانيا خلال مقابلة أجرتها معها وكالة زينيت وننشر في ما يلي القسم الثاني منها (للإطلاع على القسم الأول يُرجى مراجعة عدد زينيت الصادر في 17 أغسطس).
وتقول اللاهوتية الألمانية إن الوثيقة التي صدرت مؤخراً بعنوان “أجوبة عن أسئلة متصلة ببعض نواحي عقيدة الكنسية” عن مجمع عقيدة الإيمان “قد وضعت إصبعها على الجرح وبيّنت في الوقت عينه الإتجاه الذي يتعيّن على الحوار اللاهوتي أن يسلكه في المستقبل”.

س: ما هي ردة فعل البروتستانت على الكنيسة الكاثوليكية التي تنظر إليهم لا باعتبارهم كنيسة بل جماعات كنسية؟
ج: ردة الفعل الأولى كانت خيبة أمل كبيرة عند البروتستانت وعند الكثير من الكاثوليك على حدّ سواء. وهذا أمر يمكن فهمه، فوسائل إعلام عديدة قد أطلقت الخبر بطريقة مثيرة للعواطف ومن دون أن تشرح أن هناك أوجه استعمال متعددة لكلمة “الكنيسة”.
بالمعنى الثقافي والإجتماعي والديني، نحن نتحدّث يومياً، من دون مشكلة تُذكر، عن “الكنائس البروتستانتية”، كـ”الكنيسة الإنجيلية في ألمانيا” مثلاً. ونسمّيها أيضاً “كنيسة” بالمعنى اللاهوتي الأوسع للكلمة باعتبار أنها تنتمي إلى بيت الله (أي إنها جزء من كنيسة المسيح). ولكننا لا نسمّيها “كنيسة” بالمعنى الضيّق للكلمة لأنها –وبحسب اللاهوت الكاثوليكي- تفتقر إلى عنصر جوهري أساسي لاعتبارها كنيسة وهي الخلافة الرسولية في سرّ الكهنوت.
ولكن المسألة ليست أبداً مسألة تمييز. بل في ذلك علامة احترام عميق نكنّه لهم. طبعاً، إن إخوتنا الإنجيليين يرغبون في أن يكونوا “كنيسة المسيح” (وهم كذلك)؛ ولكن حتى الآن أقلّه، لا يريدون أن يكونوا “كنيسة” بالمعنى الكاثوليكي للكلمة. فهم لا يعتبرون، على سبيل المثال، الكهنوت كسرّ. بمعنى آخر، هم لا يتحدّثون عن “الكاهن” بل عن “القسّ”، رجلاً وامرأة. وفي الإتجاه عينه، يمكننا أن نميّز بين “الكنيسة” (بالمعنى الكاثوليكي) و”الجماعة”.

س: ما هو أسوأ حجر عثرة أمام المسكونية في الوقت الراهن؟
ج: الإكليزيولوجية (علم الكنيسة) بالتحديد. إن الوثيقة قد وضعت إصبعها على الجرح وبيّنت في الوقت عينه الإتجاه الذي يتعيّن على الحوار اللاهوتي أن يسلكه في المستقبل.
بحسب المجمع الفاتيكاني الثاني، هناك أوجه مختلفة للإنتماء إلى بيت المسيح. ويكون الإنتماء في ملئه عندما يدخل شخص بشكل رسمي – من خلال العماد- إلى الكنيسة ويتّحد بها عبر “علاقة ثلاثية”: فيقبل الإيمان بكلّيّته والأسرار كافة وسلطة الأب الأقدس العليا. هذه هي حال الكاثوليك. إلا أن الإنتماء لا يكون كاملاً عندما يرفض أحد المعمّدين إحدى هذه الروابط الثلاث (كلياً أو جزئياً). وتلك هي حال المسيحيين الأرثوذكس والإنجيليين.
ولكن من أجل الوصول إلى الخلاص لا يكفي مجرّد الإنتماء إلى جسد المسيح، أكان كاملاً أم لا. فالوحدة مع روح الرب التي تتمثّل – بحسب الصورة التي نستخدمها- في الروح القدس هي أكثر من ضرورية. بعبارة أخرى، وحده الشخص الذي يكون في حالة النعمة بإمكانه أن يصل إلى السعادة الأبدية مع الله. وقد يكون كاثوليكياً أو أنجليكانياً أو لوثرياً أو أرثوذكسياً (أو حتى من أتباع ديانة أخرى).
إن البنى المنظورة للكنيسة ضرورية ولا شك. ولكن الكنيسة في الصميم هي الوحدة مع الله في المسيح يسوع. فمن تراه الذي يمثّل الكنيسة أكثر؟ إنه من يكون متّحداً أكثر بالمسيح. إنه من يحبّ أكثر.
إنها لَدلالة مهمة أن يكون يسوع قد أعطانا نموذجاً للمحبة “سامرياً صالحاً”، أي شخصاً كان يُعتبر في ذلك الزمن من المهرطقين. يقول ألبير لوغران: “من يساعد أخاه الذي يتألم – سواء روحياً أو مادياً- يستحق المدائح أكثر ممن يشيّد كاتدرائية على كل محطة من محطات الدرب بين كولونيا وروما، لكي يُصار فيها إلى الترنيم والصلاة إلى منتهى الدهر. فابن الله يقول: أنا لم أذق الموت من أجل كاتدرائية ولا من أجل الترانيم والصلوات، بل ذقتُ الموت من أجل الإنسان”.

س: بكل صدق، هل تعتقد أن المسكونية اليوم بخير؟
ج: إن الحوار المسكوني، على مختلف المستويات، يعرف زخماً ملحوظاً. فالكاثوليك والأرثوذكس و البروتستانت، جميعهم قد تقرّبوا من بعضهم البعض وتعلموا أن يتعارفوا وتخلوا عن الأحكام المسبقة والأنماط القديمة العهد وأدركوا أن انقسامهم هو فضيحة للعالم ومخالف للمشروع الإلهي.
يمكننا أن نقول، من دون مبالغة، أننا تمكّنا من إحراز تقدم باتجاه الوحدة الكاملة خلال العقود الماضية أكثر مما حققنا على مدى قرون.
غير أن “الحماس المسكوني” قد ضعُف ما بعد المجمع الفاتيكاني. فقد تلاشى الوهم – الواسع الإنتشار في العالم أجمع- بأنه يمكن تجاوز الإختلافات بين مختلف الجماعات المسيحية بسهولة نوعاً ما. فقد أدركنا أن الدرب طويل وشاق. ولكننا لا نمرّ بأزمة، بل نحن على العكس تماماً في مرحلة نضوج أكبر إذ نرى اليوم بشكل أوضح ما يجمعنا وما يفرّقنا.
المسكونية المتينة تقوم على القناعة بأنه يتعين علينا، بالرغم من الصعوبات، أن نحرص على التعاون والحوار وخصوصاً الصلاة معاً على أمل اكتشاف الوحدة التي هي في الحقيقة قائمة منذ زمن.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير