* * *
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء
اليوم أيضًا تقدم لنا الليتورجية كلمة من كلمات يسوع، هي، في الوقت عينه، نيّرة ومربكة. خلال صعود يسوع الأخير إلى أورشليم، يسأله أحدهم: “يا رب، هل هم قلة الذين يخلصون؟”، ويجيبه يسوع: “اجتهدوا أن تدخلوا من الباب الضيق، أقول لكم، إن كثيرين سيحاولون الدخول ولن يستطيعوا” (لو 13، 23- 24).
ما معنى هذا “الباب الضيق”؟ لماذا لن يستطيع الكثيرون الدخول فيها؟ هل نحن بصدد ممر مخصص فقط لقلة من المختارين؟
بالحقيقة، إذا ما أمعنا النظر، وجدنا أن طريقة تفكير محاوري يسوع ما زالت آنية: هناك دائمًا تجربة تفسير الخبرة الدينية كمصدر امتيازات وأمان. بينما تسير رسالة يسوع، في الواقع، بالاتجاه المعاكس تمامًا: الجميع يستطيعون الدخول، ولكن الباب “ضيق” للجميع. ليس هنالك أشخاص يتمتعون بامتيازات. إن ممر الحياة الأبدية مفتوح للجميع، ولكنه “ضيق”، لأنه متطلب، يطلب منا التزامًا، نكرانًا للذات، وإماتة الأنانية.
مرة أخرى، كما في الآحاد السابقة، يدعونا الإنجيل إلى اعتبار المستقبل الذي ينتظرنا والذي يجب أن نستعد له خلال حجنا على الأرض.
إن الخلاص الذي حققه يسوع بموته وقيامته هو خلاص شامل. يسوع هو المخلص الوحيد، وهو يدعو الجميع إلى مائدة الحياة التي لا تموت. ولكن على شرط واحد ومساوٍ للجميع: أن نجتهد في اتباعه والاقتداء به، حاملين، كما فعل هو، صليبنا ومكرسين حياتنا لخدمة الإخوة. لذا فشرط الدخول في الحياة الأبدية هو واحد وشامل.
في اليوم الأخير – يذكرنا يسوع أيضًا في الإنجيل – لن نحاسب انطلاقًا من امتيازات، بل بحسب أعمالنا. “ففاعلوا الإثم” سيجدون أنفسهم مرفوضين، أما الذين عملوا الخير وسعوا وضحوا في سبيل العدل، فسيُقبلون.
وعليه، لا يكفي أن يعلن المرء أنه “صديق” المسيح لكي يتفاخر باستحقاقات باطلة: “لقد أكلنا وشربنا أمامك، ولقد علّمت في ساحاتنا” (لو 13، 26). فالصداقة الحقيقية مع يسوع تتجلى في أسلوب العيش: ويتم التعبير عنها عبر طيبة القلب، عبر التواضع والوداعة، والرحمة، ومحبة العدل والحقيقة، والالتزام الصادق والصافي النية من أجل إحقاق السلام والمصالحة.
يمكننا القول أن هذه هي “بطاقة الهوية” التي تجعل منا “أصدقاءه” الحقيقيين؛ هذا هو “جواز السفر” الذي يسمح لنا بدخول الحياة الأبدية.
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، إذا أردنا أن نعبر في الباب الضيق، علينا أن نجتهد لنكون صغارًا، أي متواضعي القلب كيسوع، وكمريم، أمه وأمنا. فهي الأولى التي سارت في درب الصليب، على خطى ابنها، وانتقلت إلى مجد السماء، كما ذكرنا في الأيام الماضية. الشعب المسيحي يدعوها باسم ” Ianua Caeli” باب السماء. نطلب إليها أن ترشدنا، في خياراتنا اليومية، على الطريق الذي يقود إلى “باب السماء”.
ترجمة وكالة زينيت العالمية (ZENIT.org)
حقوق الطبع محفوظة: دار النشر الفاتيكانية – 2007