بيان أساقفة الولايات المتحدة بشأن الحرب في العراق

“تتجه أفكارنا وصلواتنا نحو جنودنا في العراق، وعائلاتهم ، وكل الشعب العراقي الذي يعاني الأمرّين”

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

بالتيمور، ماريلاند، 16 نوفمبر 2007 (Zenit.org) – ننشر في ما يلي البيان الصادر عن أسقف سبوكان المونسنيور ويليام سكيلستاد، رئيس مجلس أساقفة الولايات المتحدة حول الحرب في العراق، الذي وافق عليه المجلس في 13 نوفمبر خلال اجتماعه المنعقد في بالتيمور.

* * *

إن أمّتنا وقادتها أمام قرارات مصيرية إزاء التحديات الصعبة والمشاكل الرهيبة في العراق. وفي وقت يجتمع فيه مجلس أساقفة الولايات المتحدة الكاثوليك في بالتيمور، تتجه أفكارنا وصلواتنا نحو جنودنا في العراق، وعائلاتهم ، وكل الشعب العراقي الذي يعاني الأمرّين. وإننا، ومن خلال هذا البيان، نسعى إلى استلهام تعاليمنا الأخلاقية لكي نستمر بطرح المسائل الأخلاقية بخصوص المسار الذي ينتظر الأمة العراقية العزيزة.

 إن كنيستنا تؤدي رسالتها بين الجنود وتتحد بروابط روحية وثيقة مع العراق كنيسةً وشعباً. وقد دعا البابا بندكتس السادس عشر في رسالة الفصح للعام 2007 العالم أجمع إلى التركيز على الوضع في العراق، ذلك البلد “الذي تمزّقه المذابح المستمرة”. ونحن كرعاة ومعلّمين، مقتنعون بأن الوضع القائم في العراق اليوم غير مقبول ولا يمكن تحمله. إن مجلسنا يقترح مرة جديدة هدف “التحوّل المسؤول” كإطار أخلاقي شامل للقرارات الوطنية.

إن الأزمة السياسية الخطيرة في العراق التي تعيق المصالحة الوطنية تجد ما يوازيها في بلادنا. فنحن قلقون إزاء الأزمة السياسية والحزبية التي تعصف بواشنطن. إذ يبدو أن بعض صانعي القرارات لا يعون كفايةً حقيقة الواقع والإخفاقات في العراق وضرورة إيجاد توجهات جديدة، في حين أن البعض الآخر لا يعي كفايةً التبعات الإنسانية المحتملة للإنسحاب السريع من العراق. وقد أفضى هذان الوجهان من التنكر للواقع إلى حالة من الشلل الحزبي.

وقد دعونا كرعاة إلى عمل يلقى تأييد الحزبين لحوالى عامين ونيّف. فبلادنا بحاجة إلى توجه جديد للحدّ من فاتورة الحرب المهلكة ولحمل شعبينا على التعاون في الخوض في الأبعاد الأخلاقية والإنسانية للصراع. إن بلادنا بحاجة إلى مقاربة تحظى بتأييد الحزبين حيال السياسة في العراق، على أساس حوار نزيه ومدني. ومجلسنا يحثّ القادة الوطنيين عندنا على التركيز على الهدف الذي يتطلب عنايةً أخلاقية وسياسية فائقة والمحدود في آنٍ معاً والذي يقضي بتعزيز “تحوّل مسؤول” وانسحاب في أقرب فرصة بما يتماشى مع مقتضيات هذا الهدف. وتبدأ المتطلبات الأخلاقية لهذا الطريق بمعالجة الأزمة الإنسانية في العراق والحدّ من تفاقم الخسارة في الأرواح.

إننا لا نملك طبعاً الكفاية اللازمة لجهة الإستراتيجيات السياسية والإقتصادية والعسكرية، كما أننا لا نقوم بتقييم سياسات تكتيكية محددة، غير أنه يمكننا بوصفنا معلّمين أن نتشارك تقليداً أخلاقياً من باب المساعدة لتنوير الخيارات السياسية. إن تعليمنا الكاثوليكي حول الحرب والسلم يقدّم أسئلة صعبة، لا أجوبة سهلة وبسيطة. وعلى بلادنا اليوم أن تركز أكثر على الأخلاقيات المعنية بإيجاد مخرج، منه على أخلاقيات التدخل. والمشاغل الأخلاقية الخطيرة التي طرحناها أسوة بغيرنا قبيل اندلاع الحرب باتت اليوم مصدر تساؤلات أخلاقية جديدة. فالمبادئ التقليدية المتعلقة بـ”حصانة غير المقاتلين” و”إحتمال النجاح” تطرح في الوضع الراهن الأسئلة التالية: كيف لنا أن نحدّ من تفاقم الخسارة في الأرواح؟ أي خطوات هي الأكثر إفادةً والأقل ضرراً؟ ما هي عناصر التحول المسؤول القابلة للتحقيق؟ وكيف يمكن بلوغها؟ ما هي الخطوات الواجب تفاديها؟ كيف لصانعي القرار أن يأخذوا بعين الإعتبار الوقائع والنكسات في العراق والتبعات الإنسانية المحتملة للإنسحاب العاجل؟ ما هي الأكلاف المالية والتبعات العالمية لاستمرار الحرب والإحتلال؟ وكيف يمكن لبلادنا أن تتصدى لتضليل الديانات والأيديولوجيات الداعمة للإرهاب والتي تستحق الإدانة في كل الأحوال؟

لطالما اعتبر التعليم الكاثوليكي أن السلام هو أكثر من مجرد حالة لاحرب، وأنه يقوم على العدالة. وهذه النظرة الأخلاقية تعني أن بناء سلام عادل في العراق يتطلب أكثر بكثير من مجرد عمل عسكري؛ فهو يفترض جهوداً سياسية وديبلوماسية وإقتصادية شاملة.

وهذه الجهود تبدأ في العراق ولكنها لا تنتهي هناك. لذلك، نحن نعتقد أن قيام الولايات المتحدة ببذل جهود حثيثة للتعاون مع الدول الأخرى، بما في ذلك سوريا وإيران، هو من الأهمية بمكان من أجل تأمين بعض عناصر الإستقرار في العراق.

إن استقرار وإعادة بناء العراق هما في المقام الأول من مسؤولية العراقيين، إلا أنه يقع على الولايات المتحدة وغيرها من الدول واجب عملي وأخلاقي بالتحرك في هذا الإتجاه. ونظراً للدمار الهائل في العراق، يقع على الولايات المتحدة مسؤولية فريدة لا مفرّ منها بالإستمرار في تقديم الدعم الملحوظ والموصول للتنمية الإقتصادية وإعادة الإعمار. واحترام حق العراقيين في تقرير مصيرهم يفترض منا تجديد التزامنا بعدم السعي إلى إقامة قواعد عسكرية دائمة في العراق أو السيطرة على الموارد النفطية هناك.

وإحدى الأولويات السياسية المهمَلة تتمثل في الحالة البائسة التي يعانيها اللاجئون خارج البلاد والنازحون في العراق والمسيحيون وغيرهم من الأقليات المستضعفة. ومعاناة الجماعة المسيحية غالية على قلوبنا وضمائرنا. إننا نتضامن مع معاناة الكنيسة الكاثوليكية في العراق ونرحب بفرح بتعيين البابا بندكتس السادس عشر بطريرك بغداد للكلدان عم
انوئيل كريم دلّي عضواً في مجمع الكرادلة.

وإنّا على يقين من أن المسيحيين ليسوا الوحيدين في هذا المصاب ونجدد اهتمامنا بمصير الشعب العراقي بأجمعه. مليونا لاجئ قد هربوا من العراق ومليونان آخران باتوا من النازحين داخل العراق. على الولايات المتحدة أن تقوم فوراً بتقديم تعهدات أكبر للاجئين العراقيين من خلال توسيع حق دخولهم، وإزالة العوائق أمام إعادة إيوائهم، ودعم دول المنطقة المثقلة بلاجئي الحروب. كما يجدر تأمين مساعدة ملحوظة للسكان النازحين. كذلك فإن حماية حقوق الإنسان وتعزيزها، ولاسيما الحرية الدينية منها، في العراق لا تزال حاجة ملحة.  

واستقرار عراق الغد مرتبط باستقرار المنطقة برمّتها. لذلك، فإن دور الولايات المتحدة القيادي لتسريع عجلة سلام عادل بين الإسرائيليين والفلسطينيين أمر أساسي. واستمرار الفشل في تحقيق فكرة دولتين تعيشان جنباً إلى جنب في جوّ من السلام والعدالة يساهم في زعزعة الإستقرار في المنطقة.

من شأن التقدم الفعلي نحو اتفاق عادل ومنصف بين الإسرائيليين والفلسطينيين أن يساعد المنطقة وينزع من المتطرفين قضية يستغلونها للترويج للكراهية والعنف. وفي رسالة وجهها مجلسنا مؤخراً إلى وزيرة الخارجية رايس، أعربنا عن قلقنا الشديد حيال الوضع الذي يعني أمّتنا والمجتمع الدولي وإيران والذي استحثّ الحذر والعزم والتحفظ في استخدام القوة. كما أن الوضع المتقلب في باكستان وأفغانستان يطرح تساؤلات أخلاقية أساسية ويفترض اهتماماً ملحاً لتعزيز استقرار المنطقة.

في الأعمال العسكرية كافة، تفترض المعايير الأخلاقية حماية المدنيين واستخدام القوة بشكل متناسب وواعٍ، ورفض التعذيب، ومكافحة الإرهاب بوسائل غير عسكرية، والإستخدام المشروع للقوة عند الإقتضاء. هذه مسألة أساسية من الناحية الأخلاقية وأيضاً ضرورية لكسب القلوب والعقول، خصوصاً في النضال ضدّ الإرهاب. 

ويمتدّ اهتمامنا بالحياة والكرامة البشريتين ليشمل أعضاء فرقنا العسكرية. فنحن ندعم من يخاطرون بحياتهم لخدمة أمّتنا ونحيّي التزامهم السمح. وعلى السياسة الأميركية أن تأخذ بالإعتبار الأكلاف والعواقب الإضافية المترتبة على العسكريين وعائلاتهم وأمّتنا جراء استمرار الإحتلال. إن النظر في الأكلاف الإنسانية والطبية والصحية العقلية والإجتماعية للعمل العسكري واجب أخلاقي. وعلى أمّتنا أن تراعي أولئك الذين يمارسون بكل ضمير حقهم في الإستنكاف الضميري عن حمل السلاح أو الإستنكاف الضميري الإنتقائي.    

يجب التفكير ملياً في كل خطوة تُتّخَذ في العراق على ضوء المبدأ الأخلاقي التقليدي لـ”إحتمال النجاح”. بعبارات أخرى، يجب التساؤل عما إذا كانت الخطوة ستساهم في إحداث “تحوّل مسؤول” وتحقيق الإنسحاب في أقرب وقت ملائم وممكن. وهذا المبدأ يحتّم على قادة أمّتنا درجة أكبر من الواقعية في التعاطي مع الوضع الصعب في العراق واهتماماً أكبر بشأن التبعات المحتملة التي قد تنتج عن انسحاب سريع جداً أو غير سريع بما فيه الكفاية.  

إن هدف استحداث تحول مسؤول الذي يتطلب عنايةً أخلاقية وسياسية فائقة والمحدود بحذر في آنٍ معاً يجب أن يرمي إلى الحدّ من الخسائر البشرية وإلى معالجة الأزمة الإنسانية في العراق، وأزمة اللاجئين في المنطقة، والحاجة إلى المساعدة في إعادة بناء البلاد، واحترام حقوق الإنسان، ولاسيما الحرية الدينية منها.

إننا ندعو الكاثوليك وسواهم إلى الصلاة بلا كلل من أجل السلام وأكثر المتضررين من الحروب وإلى البحث في هذه المسائل الأخلاقية. وقد قام المونسنيور توماس وينسكي، رئيس لجنة السياسة الدولية في مجلسنا، وحرصاً منه على مساعدة الشعوب على التفكير في مسألة الحرب، بإعداد ملخص عن آراء وأفكار مجلسنا حول الحرب على شكل مجموعة أسئلة وأجوبة.

علينا جميعاً أن ننكبّ على هذه التساؤلات الأخلاقية، ولكن مجلسنا وأساقفتنا  بشكل خاص سيستمرون في توعية صانعي القرار حيال الأبعاد الأخلاقية والإنسانية لهذا الصراع. وإنّا نصلي ونرجو أن يبدأ صانعو القرار من الحزبين بالعمل يداً واحدة لوضع حدّ لهذه الحرب وللإحتلال في أقرب فرصة، وبما يتماشى مع الهدف المحدود للتحول المسؤول وحماية الحياة البشرية –من عراقيين وأميركيين.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير