رسالة الأب الأقدس بندكتس السادس عشر بمناسبة الذكرى المئوية السادسة عشرة لوفاة القديس يوحنا فم الذهب (2)

الفاتيكان، 16 نوفمبر 2007 (ZENIT.org). – ننشر في ما يلي القسم الثاني من الرسالة التي وجهها البابا بندكتس السادس عشر إلى الأساقفة وإلى سائر المؤمنين بمناسبة الذكرى المئوية السادسة عشرة لوفاة القديس يوحنا فم الذهب، الأسقف وملفان البيعة.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

تأتي الرسالة بمناسبة افتتاح المؤتمر العالمي ” Chrysostomika II”، الذي عقد في المعهد الآبائي ” Augustinianum “، وفي المعهد الحبري الشرقي من 8 إلى 10 نوفمبر 2007.
* * *
لم يتوانى يوحنا فم الذهب عن استنكار التناقض الكبير في المدينة بين تبذير الأغنياء المسرف، وبؤس الفقراء، وفي الوقت عينه كان يقترح على الأغنياء أن يستقبلوا المشردين في بيوتهم (25). كان يرى المسيح في الفقير؛ ولذا كان يدعو سامعيه إلى مشاركة هذه الرؤية وإلى العمل بموجبها (26). وكان شديد الإصرار على حماية الفقراء وتوبيخ الأغنياء المسرفين لدرجة أنه كان يجذب الانزعاج والعداوة من قبل بعض الأغنياء، ومن قبل من كان يسيطر على السلطة السياسية في المدينة (27).

تألق يوحنا في وسط أساقفة زمانه بفضل غيرته الإرسالية؛ فقد أوفد مرسلين ليبشروا بالإنجيل من لم يسمع به بعد (28). وبنى المستشفيات من أجل العناية بالمرضى (29). وفي عظة حول الرسالة إلى العبرانيين في القسطنطينية، صرح بأن المساعدة المادية من قبل الكنيسة، يجب أن تشمل كل المحتاجين، بِغَض النظر عن انتماءاتهم الدينية: “المحتاج هو خاصة الله، أكان وثنيًا أو عبرانيًا. وحتى لو لم يكن مؤمنًا هو يستحق العون” (30).

كان دور الأسقف في عاصمة الإمبراطورية يفرض على يوحنا أن يقوم بوساطة دقيقة في العلاقات بين الكنيسة والبلاط الأمبراطوري. ولذا غالبًا ما وجد نفسه عرضة للعداوة من قبل الكثير من مسؤولي السلطة الإمبريالية، وذلك بسبب ثباته في انتقاد الرخاء المسرف الذي كان يعيشه هؤلاء.

وفي الوقت عينه، كان مركزه كأسقف القسطنطينية يضعها في الموقع الصعب والدقيق الذي يفرض عليه أن يعالج سلسلة من المسائل الكنسية التي كانت تتعلق بأساقفة آخرين وبكراسٍ أسقفية أخرى. بسبب المؤامرات المحكمة التي كان يدبرها ضده خصومه الأقوياء، أكنسيين كانوا أو إمبرياليين، حكم الإمبراطور عليه بالنفي مرتين..

مات في 400 سبتمبر منذ 1600 سنة، في كومانا في البنطس، وهو في طريقه إلى مقر منفاه الثاني، بعيدًا عن رعيته الحبيبة في القسطنطينية.

3. تعليم القديس يوحنا

انطلاقًا من القرن الخامس، ابتُدئ بتكريم فم الذهب في الكنيسة المسيحية بأسرها، في الشرق والغرب، وذلك لأجل شهادته الشجاعة في الدفاع عن الإيمان الكنسي ولأجل التزامه السخي في الخدمة الرعوية.

لقد استحق، بفضل تعليمه العقائدي ووعظه، ونظرًا لاهتمامه بالليتورجية المقدسة، أن يحصى في عداد آباء الكنيسة وملافنتها. وكذلك تم تعميم شهرة وعظه، انطلاقًا من القرن السادس، ولُقب بالذهبي الفم، “كيسوستوموس” باليونانية.

يقول فيه القديس أغسطينوس: “لاحظ يا يوليانوس في أية جماعة أدخلتك. هنا لديك أمبروسيوس من ميلانو… وهنا يوحنا فم الذهب… وهنا باسيليوس،… وهنا الآخرين، ومن الواجب أن يدفعك إجماع رأيهم على التفكير مليًا… فلقد أشعوا في الكنيسة الكاثوليكية لأجل انكبابهم على درس العقيدة. لبسوا واحتموا بالأسلحة الروحية وجاهدوا حروبًا عاتية ضد الهراطقة، وبعد أن أتموا بأمانة العمل الموكل إليهم من قبل الله، ما إنهم يرقدون في حضن السلام… هذا هو المكان الذي أدخلتك فيه، جماعة هؤلاء القديسين ليست حشد الشعب: فهم ليسوا أبناءً فقط، بل هم أيضًا آباء الكنيسة” (31).

هذا ويستحق ذكرًا خاصًا جهد القديس يوحنا فم الذهب الفائق لأجل تعزيز المصالحة والشركة الكاملة بين مسيحيي الشرق والغرب. وبوجه الخصوص، كانت مداخلته حاسمة في وضع حد للشقاق الذي كان يفصل كرسي أنطاكيا عن روما وسائر كنائس الغرب. في زمن سيامته كأسقف على القسطنطينية، أرسل يوحنا بعثة إلى البابا سيريشيوس إلى روما. ودعمًا لبرنامجه هذا، وفي إطار مشروع وضع حد للانقسام، نال معونة أسقف الإسكندرية في مصر. تجاوب البابا سيريشيوس مع المبادرة الدبلوماسية التي قام بها يوحنا؛ وهكذا تم حل الانقسام بطريقة سلمية وأعيدت الشركة التامة بين الكنائس.

ومن ثم، نحو نهاية حياته، عاد إلى القسطنطينية بعد النفي الأول، وكتب يوحنا إلى البابا إنشينسيوس وإلى فنريوس أسقف ميلانو، وكروماسيوس أسقف أكويليا، طالبًا إليهم المساعدة في إعادة النظام إلى كنيسة القسطنطينية التي كانت منقسمة بسبب الظلم الذي ارتكب بحق القديس. وقد دعا يوحنا البابا والأساقفة الغربيين إلى القيام بتدخل “هو عربون محبة لا لنا وحسب، بل للكنيسة بأسرها” (32).

ففي فكر يوحنا، عندما يتألم قسم من الكنيسة لجرح ما، تتألم الكنيسة بأسرها للجرح عينه. دافع البابا إينوشنسيوس عن يوحنا في بعض الرسائل الموجهة إلى أساقفة الكنائس الشرقية (33). وعبر البابا عن الشركة الكاملة معه، معتبرًا حطه عن الكرسي الأسقفي أمرًا غير شرعي (34). كتب في ما بعد إلى يوحنا لكي يعزيه (35)، وكتب أيضًا إلى الإكليروس والمؤمنين في القسطنطينية لكي يبين دعمه الكامل للأسقف الشرعي، واعترف البابا: “لقد تألم يوحنا، أسقفكم، ظلمًا” (36). كما وجمع البابا سينودسًا للأساقفة الإيطاليين والشرقيين من أجل تحصيل العدالة لصالح الأسقف المضطهد (37).

وبدعم إمبراطور الغرب، أرسل البابا بعثة من الأساقفة الغربيين والشرقيين إلى القسطنطينية، لدى إمبراطور الشرق، لكي يدافع عن يوحنا ويطلب أن يقوم سينودس مسكوني للأساقفة بإعطائه حقه (38).

وقبل موته في المنفى بقليل، بعد أن فشلت هذه المحاولات، كتب يوحنا إلى البابا إينوشنسيوس، شاكرًا إياه لأجل “التعزية الكبيرة” التي نالها من جراء الدعم السخي الذي حظي به (39).

و
قد عبر يوحنا في رسالته أنه، بالرغم من مسافة النفي الشاسعة التي تفصلهما، كان “يومًا فيومًا في شركة” مع البابا، وكان يقول له: “لقد تخطيت أكثر الآباء حنانًا في محبتك وغيرتك نحونا”. وكان أيضًا يطلب إليه أن يثابر على التزامه في طلب العدالة لأجله ولأجل كنيسة القسطنطينية، لأن “المعركة التي أنت في صددها، يجب أن يتم القيام بها لأجل العالم بأسره، لأجل الكنيسة المذَلة حتى الحضيض، لأجل الشعب المشتت، لأجل الإكليروس المعتدى عليه، لأجل الأساقفة المنفيين، لأجل القوانين القديمة التي يتم التعدي عليها”. كما وكتب يوحنا إلى أساقفة الغرب الآخرين لكي يشكرهم لأجل تضامنهم (40): ومن بينهم، في إيطاليا، إلى كروناسيوس أسقف أكويليا (41)، وفنريوس أسقف ميلانو (42) وغودينسيوس أسقف بريشا (43).

:::::::

25 Cfr. Johannes Chrysostomus, In Acta apostolorum 35,5; 45,3-4 (PG 60,252; 318-319). Cfr. Palladius, Dialogus de vita Joannis Chrysostomi 5 (SCh 341,124).

26 Cfr. Johannes Chrysostomus, In epistulam ad Colossenses 1,4 (PG 62,304-305).

27 Cfr. Johannes Chrysostomus, Cum Saturninus et Aurelianus 2 (PG 52,415-416).

28 Cfr. Theodoretus Cyrrhensis, Historia religiosa 5,31 (GCS 44,330-331); Cfr. Johannes Chrysostomus, Epistulae ad Olimpiadem 9,5 (SCh 13bis, 236-238).

29 Cfr. Palladius, Dialogus de vita Joannis Chrysostomi 5 (SCh 341,122).

30 Cfr. Johannes Chrysostomus, In epistulam ad Hebraeos 10,4 (PG 63,88).

31 Cfr. Augustinus Hipponensis, Contra Iulianum libri sex, 1,7,30-31 (PL 44,661-662).

32 Cfr. Johannes Chrysostomus, Epistula ad Innocentium papam 1 (SCh 342,93).

33 Cfr. Palladius, Dialogus de vita Joannis Chrysostomi 3 (SCh 341,64-68); Innocentius I, Epistula 5 (PL 20,493-495).

34 Cfr. Palladius, Dialogus de vita Joannis Chrysostomi 3 (SCh 341,66-68).

35 Cfr. Sozomenus, Historia ecclesiastica 8,26 (GCS 50,384-385).

36 Cfr. Sozomenus, Historia ecclesiastica 8,26 (GCS 50,385-387).

37 Cfr. Palladius, Dialogus de vita Joannis Chrysostomi 4 (SCh 341,84).

38 Cfr. Palladius, Dialogus de vita Joannis Chrysostomi 3-4 (SCh 341,80-86).

39 Cfr. Johannes Chrysostomus, Epistula ad Innocentium papam II (PG 52,535-536).

40 Cfr. Johannes Chrysostomus, Epistulae 157-161 (PG 52,703-706).

41 Cfr. Johannes Chrysostomus, Epistula 155 (PG 52,702-703).

42 Cfr. Johannes Chrysostomus, Epistula 182 (PG 52,714-715).

43 Cfr. Johannes Chrysostomus, Epistula 184 (PG 52,715-716).

44 Cfr. Johannes Chrysostomus, In Joannem 65,1 (PG 59,361-362).

45 Cfr. Johannes Chrysostomus, In epistulam i ad Corinthos 27,3 (PG 61,228).

46 Cfr. 1 Cor 1,2.

47 Cfr. Johannes Chrysostomus, In epistulam i ad Corinthos 1,1 (PG 61,13).

48 Cfr. Johannes Chrysostomus, In epistulam i ad Corinthos 30,1 (PG 61,249-251); id., In epistulam ad Colossenses 3,2-3 (PG 62,320); id., In epistulam ad Ephesios 3,2 (PG 62,26).

49Cfr. Johannes Chrysostomus, In epistulam ad Ephesios 3,2 (PG 62,26).

50 Cfr. Johannes Chrysostomus, In Matthaeum 82,5 (PG 58,743).

51 Cfr. Ef 1,22-23.

52 Cfr. Johannes Chrysostomus, In epistulam ad Ephesios 3,2 (PG 62,26). Cfr. ibid., 20,4 (PG 62,140-141).

53 Cfr. Benedictus XVI, Discorso durante la recita del Angelus, Castel Gandolfo, 18 settembre 2005.

54 Cfr. Johannes Chrysostomus, In Matthaeum 32,7 (PG 57,386).

55 Cfr. 1 Cor 10,16.

56 Cfr. Johannes Chrysostomus, In epistulam i ad Corinthos 24,2 (PG 61,200). Cfr. id., In Ioannem 46,3 (PG 63, 260-261); id., In epistulam ad Ephesios 3,4 (PG 62,28-29).

57 Cfr. 1 Cor 10,17.

58 Cfr. Johannes Chrysostomus, In epistulam i ad Corinthos 24,2 (PG 61,200).

59 Cfr. Johannes Chrysostomus, De sacerdotio 3,4 (SCh 272,142-146). Cfr. Benedictus XVI, Sacramentum caritatis, n. 13, 22 febbraio 2007.

60 Cfr. Johannes Chrysostomus, In Ioannem 46,3 (PG 63,261).

61 Cfr. Johannes Chrysostomus, In epistulam ad Ephesios 3,4 (PG 62,28). Cfr. id., In epistulam i ad Corinthos 24 (PG 61,197-206); id., In epistulam i ad Corinthos 27,4 (PG 61,229-230); id., In epistulam i ad Timotheum 15,4 (PG 62,583-586); id., In Matthaeum 82,6 (PG 58,744-746).

62 Cfr. Johannes Chrysostomus, In epistulam i ad Corinthos 24,4 (PG 61,203).

63 Cfr Cfr. Johannes Chrysostomus, In epistulam i ad Corinthos 27,5 (PG 61,230-231), id., In Genesim 5,3 (PG 54,602-603).

64 Cfr. Johannes Chrysostomus, In epistulam i ad Corinthos 27,5 (PG 61,230).

65 Cfr. Johannes Chrysostomus, In epistulam ii ad Corinthos 20,3 (PG 61,540). Cfr. id., In epistulam ad Romanos 21,2-4 (PG 60,603-607).

66 Cfr. Ioannes Paulus II, Patres Ecclesiae, n. 1 (2 gennaio 1980).

67 Cfr. Benedictus XVI, Discorso durante l’Udienza generale, 9 novembre 2005.

68 Cfr. Johannes Chrysostomus, In Ioannem 46,4 (PG 63,262).

[© Copyright 2007 – Libreria Editrice Vaticana]

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير