الفاتيكان، 20 نوفمبر 2007 (Zenit.org). – يعتلن في الأمهات حب الله المجاني، وإذا ما نزل الظلام على سر الأمومة، وقع العالم فريسةً لانعدام الحضارة”، هذا ما قاله الكاردينال المستقبلي ورئيس كهنة البازيليك الفاتيكانية، رئيس الأساقفة أنجلو كوماستري.
جاءت كلماته في معرض تقديم كتابه “قال لي الملاك. السيرة الذاتية لمريم”، في المعهد الأبائي “أوغسطينيانوم”.
ولد الكتاب إثر أسئلة طرحها الكاتب: “من هو شاهد البشارة؟ من هو شاهد الحياة عند القديس أليصابات؟ من هو شاهد نشيد “التعظيم”؟ ومن هو شاهد ميلاد يسوع في بيت لحم و صعوبة وذل طلب مأوى؟”
وشرح كوماستري: “هكذا فكرت بمريم. وكما أخبرَت مريم الكنيسة الأولى عظائم الخلاص، كذلك اليوم تستطيع أن تخبرنا نحن أيضًا”.
جانفرانكو رافازي
من جهته شرح رئيس الأساقفة رافازي، رئيس المجلس الحبري للثقافة، الذي كان من بين المتحدثين في اللقاء، أن المؤلف أراد أن يجعل مريم تتكلم، مريم التي تقدمها الأناجيل مثل امرأة الصمت بامتياز، امرأة التأمل بالسر، وها هي في هذا السر تتحدث إلينا من خلال وضوح التعبير الغني بالاستشهادات.
وفي مقابلة مع زينيت شرح جانفرانكو رافازي أنه “من الضروري أن نبني وجه العذراء مريم. فهذا الوجه نجده بالطبع في الأناجيل، ولكن هنالك وجه روحي يبنيه كل إنسان من خلال الخبرة ومن خلال الإصغاء إلى النص الإنجيلي”.
“يمكننا على سبيل المثال أن نرى فيها وجه “أمة الرب”، أي تلك التي تكرس نفسها بالكلية إلى أولية الله؛ يمكننا أن نرى فيها وجه الفقر، أي التجرد العميق الذي هو ثقة بأولية الله الذي يحرر حتى الآخِرين في الأرض”.
“يمكننا أيضًا أن نرى فيها وجه الإيمان، هذا التجرد المستمر الذي تعيشه تجاه ابنها لكي تكتشف سره الأعمق، ذلك الابن الذي كان في داخلها وفي علاقة عميقة معها؛ وفوق كل شيء، نكتشف فيها وجد الأم”.
“فوجه مريم الأمومي هو في تاريخ الفن، تاريخ الثقافة، وتاريخ الروحانية، لأنه فيها يلتقي الأزل والزمن، اللامتناهي والمتناهي، الإلهي والإنساني”.
واستشهد برئيس الأساقفة كوماستري الذي قال: “في كل أم هناك شيء من مريم”، شيء من “سر المحبة المجانية هذا”، الذي يستطيع أن “يقرأ ألفباء الحياة والكتاب المقدس الذي كتبه الله”.
أنجلو كوماستري
بعيد المؤتمر الصحفي، وفي مقابلة مع زينيت شرح رئيس الأساقفة كوماستري أنه “تعرف إلى مريم عبر الأم وعبر الأم فهم مريم”.
“في حياتي هناك تذكارين أساسيين لمريم والأم سوية. أذكر عندما كان لي من العمر 4 سنوات، لا بل أقل من ذلك، وكيف كانت أمي تقضي الوقت معي في أمسيات الشتاء لكي تعلمني الصلوات”.
“وأذكر كيف أنني للمرة الأولى، عندما كنت جالسًا على الكرسي في المطبخ، وتمكنت للمرة الأولى أن أتلو صلاة “السلام عليك يا مريم”: أذكر عيني أمي الفرحتين اللتين كافأتاني بقبلة”.
“ما زالت تلك اللحظة حية في داخلي، وهي أحدى الذكريات التي أرجع إليها مرارًا لكي أستمد الشجاعة من أجل المضي قدمًا في مسيرة الحياة”.
“وهناك تذكار آخر، هو التذكار المريمي الأخير الذي يرتبط بأمي، ويعود إلى يوم رقاد أمي بالرب. كان 5 مايو 1957، وقد دخلت أمي، بحسب عادتها، عند السادسة إلا ربع، إلى غرفتي وهي تتلو صلاة التبشير الملائكي: “ملاك الرب بشر أمنا مريم العذراء…”. في تلك الليلة ماتت أمي وتركت لي هذه الذكرى”.
كما وساعدتني قصيدة أحبها كثيرًا هي قصيدة جوزيبي أونغاريتي، وعنوانها “الأم”. يركز الشاعر في تلك القصيدة على الأم كالشخص الذي ينسى دومًا ذاته، أو بالحري، يمكننا القول بقوة أن الأم هي ذلك الشخص الذي لا يستطيع أن يفكر بنفسه، لأنها تعيش بالكلية للآخرين”.
“وعليه، يتخيل الشاعر أن دقة قلبه الأخيرة تهدم السور الذي يفصله عن الأبدية. وعندما يدخل إلى السماء يقوم بالبحث قبل عن أمه لأن الابن يبقى ابنًا دومًا. ففي داخله هناك دومًا شيء ما يعود إلى الطفل”.
“وهنا المفاجأة: المرأة لا تنظر إلى الابن، بل إلى الله، تركز عيناها على الله وتستشفعه لأجل ابنها. وفقط عندما تعلم بالتأكيد أن ابنها قد نال الغفران، تتنهد الأم وتذهب إلى لقاء ابنها ومعانقته”.
“هذه هي الأم، الأم هي تلك التي تحقق على الأرض أجمل وأعمق ظهور لسر الله”.
“لقد أراد الله في سر الخلاص العظيم أن يشرك أمًا. لو نقصت الأم لنقص لونٌ، لون الأمومة؛ لنقص دفء، هو دفء الأمومة”.
“لذا أراد الرب عند ساعة الصليب، في اللحظة الأهم، في لحظة الحب الأسمى، الحب الذي يواجه البغض وكل الشر وعنف البشرية، أراد أن تكون هناك الأم، لكي تترجم للبشرية بشكل ما حبه بلغة الأمومة”.
“من الواضح أنه إذا أراد الله أن تكون الأم بجانبه، فهذا يعني أن للأم دور هام في تاريخ البشرية وفي تاريخ الشعوب، وإذا تعرض هذا الدور لأزمة، إذا ما نزل الظلام على سر الأمومة، وقع العالم فريسةً لانعدام الحضارة”
واستشهد كوماستري بالسياسي غير الملتزم كنسيًا كليمنسو، الذي قال أن “الشعوب تتربى في حضن الأمهات”.
“إذا ما نقصت الأم، ونحن نعيش اليوم أزمة أمومة، يجب علينا أن نفهم كل الخطر والمأساة الذي ستعيشه الحضارة: لن تستطيع عندها حتى أن نقرأ ألفباء الحياة، لن نستطيع أن نقرأ ولا حتى ألفباء الدين، ولن نستطيع رؤية الله، رؤية نستمدها عبر الأم”.