أجل ليس عند الله أمر مستحيل. علينا أن نصلي ليجري الاستحقاق الرئاسي، بحسب ما رسمه الدستور اللبناني.
ونتابع الحديث عن العائلة والزواج المدني وما يخبئه من مخاطر للزوجين وللأولاد، وعن الزواج الكنسي وما يولي العائلة من استقرار، وما ينال المكرسين من عقوبات اذا تخطوا القوانين المرسومة، سائلين الله أن يحمي عائلاتنا من الآفات التي تترصدها.
1- الزواج المدني
يستطيع المسؤول المدني أيضا ان يحضر الاحتفال بهذا الزواج المدني الالزامي حضورا صحيحا، وهو في نيته أن يقوم باحتفال مدني. واذا لم يحتفل المتعاقدان بعدئذ بزواج ديني، أو اذا كان هناك مانع طبيعي أو كنسي يحول دون هذا الزواج، ان حضور المسؤول المدني، في الحالة الأولى، وهو ليس سيئا بحد ذاته، يمكنه أن يكون حضورا صحيحا لسبب نسبي خطير. وليس له ضميريا، خاصة في الحالة الثانية، أن يحضر هذا الزواج، واذا تبين له أن هناك سببا خطيرا جدا، على الرغم من كل شيء، فان الحكم في الأمر لا يعود الى الموظف المدني، بل الى الأسقف الأبرشي.
وبالنسبة الى الذين يعقدون، خلافا لذلك، بارادتهم زواجا مدنيا:
ا-ان الاكليريكيين الذين يكونون قد حاولوا عقد زواج مدني فقط، يحطون بذات الفعل عن وظيفتهم الكنسية، أي يفقدون فورا وظيفتهم الكنسية. ويطلب تدخل السلطة باعلان شغور الوظيفة وتثبيته. وتضاف الى ذلك عقوبة الحرم التي هي أخطر عقوبة بالنسبة الى الاكليريكيين، بالاضافة الى العقوبات الاختيارية المنصوص عنها على وجه عام كعقوبة الحرمان التي قد تذهب الى الحط عن الحالة الاكليريكية، اذا كان الاكليريكيون المذنبون لا يعطون اية اشارة تدل على ندم، ويتابعون زرع الشك في النفوس. ويقع الرهبان الذين ليسوا اكليريكيين تحت طائلة هذه العقوبات.
ب- ان الراهب الذي أبرز النذور المؤبدة، وحاول عقد زواج مدني فقط، يجب اعتباره بذات الفعل مطرودا من رهبانيته. وعلى الرئيس الأعلى، اثباتا بطريقة قانونية لحالة الطرد، وبعد أن يكون قد جمع الاثباتات مع مجلسه، أن يعلن اعلانا ثابتا هذا الواقع. ويخضع الراهب للحرم الكبير.
ج- والعلمانيون المرتبطون بزواج أول ديني، ويجرؤون على عقد زواج مدني فقط، تمكن معاقبتهم، وفقا للقانون، لتحاشي العثار أو التعويض عنه، وتحقيق الحالتين لاهوتيا وراعويا اللذين لا بد منهما لخير النفوس وخير المؤسسة الكنسية عينها، وتجب ممارسة السلطة الكنسية: “لبنيان قطيع المسيح في الحقيقة والقداسة”.
ولا يجوز للمسؤول المدني أن يحضر الزواجات المشار اليها سابقا، لأنه ككل مؤمن مسيحي، وبخاصة بوصفه كاثوليكيا، ينعم بحق الضمير الباطني في اتباع أوامره الخاصة، وبامكانه أن يرفض أوامر السلطة العامة بتأكيده بانه لا يمكنه، لأسباب أدبية، أن بحضر هذه الزواجات المدنية، لأن المسألة تتعلق بخير أدبي أسمى من الخيور المادية. ويبدو من جهة ثانية أن له، استجابة لداعي الانصاف، أن يتجاوب وقوانين الدولة انسانيا، وحالات الذين، لأسباب ضميرية، يرفضون حضور زواجات تقود الى حالة تسر واضح صريح.
ان حضور المسؤول المدني الزواجات المشار اليها آنفا لا يمكن تبريره، سواء بادعاء حرية الآخر، أو بالاعتماد على ان القانون المدني يجيز ذلك ويقتضيه. وفي الواقع، بالنسبة الى الأعمال الشخصية، ان هناك مسؤولية أدبية ما من أحد بامكانه أن يتهرب منها، ويواجه لدى الله الدينونة عليها.
ان المسؤول المدني الذي يأبى أن يحضر الزواجات المدنية، يستجيب الى طلب الله، ويسهم بامتناعه عن ممارسة وظيفته، كخمير، في تقديس العالم، واظهار المسيح للناس، خاصة بشهادة حياته، واشعاع ايمانه، ورجائه، ومحبته.
2- لا سلطة للكنيسة على زواجات غير المؤمنين
وليس للكنيسة سلطة مباشرة على زواجات غير المؤمنين. والدولة هي التي تشرف عليها، ولا يمكنها القضاء على عدم الانحلال، ولا تغييرالحق الطبيعي. وهذا ينتج عنه أن الشرعية المدنية لا يمكنها فسخ الزواج الشرعي الذي يعقده غير المؤمنين. والكنيسة الكاثوليكية لم ترض أبدا بالطلاق، حتى بالنسبة الى الزواج الشرعي المعقود بين غير مؤمنين، لأنه، كما قيل، زواج غير قابل للحل من ذاته، ولا يحل الا بفعل الامتياز البولسي عندما يكون أحد الزوجين قد اهتدى، وألآخر يرفض أن يواصل العيش المشترك دون اهانة الخالق.
وانه لمعبر حقا أن يظهرالطلاق في تشريعات البلدان المسيحية والكاثوليكية في الوقت الذي تنهار فيه القيم الأخلاقية والمسيحية. الزواج المدني أولا، ثم الطلاق لاحقا، على ما قلنا، انحدر بالزواج الى أعماق الوثنية. ان فترة طويلة مداها عشرون قرنا مرت على المسيحية، وهي تفصل بين الطلاق الروماني واليهودي والطلاق المعاصر، الذي ظهر في البلدان الكاثوليكية، وادخل الطلاق على المجتمع الكاثوليكي، تحت ضغط التأثير العلماني العادي، وهذا ما يحدث تقريبا في كل بلدان العالم، وهدم عشرين قرنا من عمل دؤوب قامت به الكنيسة لتترجم في الواقع عقيدة الزواج التي أعلنها المسيح.
لسؤ الطالع اذن، ان مجمل التشريعات المدنية المعمول بها تعترف بالطلاق لأسباب مختلفة، ومجاراة لبعض لظروف. والطلاق هو انتقاص خطير من الشريعة الطبيعية، وجرح بليغ أصاب علامة العهد القائم بين المسيح والكنيسة.
3- آفة الطلاق
ويدل الاختبارعلى انه ما ان دخلت مؤسسة الطلاق شعبا أو دولة لمداواة حالات يزعم أنها مؤلمة، حتى عجزت عن السيطرة عليها، لا بل أسهمت في انتشارها وتعددها،
بحيث انها نالت بعمق من ثبات الزواج القانوني، وطمأنينة الزوجين، فتسببت بأضرار كبيرة للزوج الأمين لسر الزواج، وقد رأى أنه مهجور، من دون وجه حق. وقد نالت هذه الأضرار أيضا الأولاد الذين هالهم انفصال والديهم، ولو لم يكن بينهما خلاف. وللطلاق، كما هو معلوم، تاثير معد، فهو يشجع في المجتمع على انتهاك الآداب وانحراف الأولاد القاصرين.
وهذه مسألة ضميرية يمكن أعضاء المجلس النيابي أن يكبوا عليها في مناسبة القيام بالتشريعات التي قد تكون لأصواتهم فيها قوة تقريرية لألغاء قانون الطلاق كليا. وبامكانهم أن يضعوا قدرتهم في خدمة القيم التي أبرزها تعليم الأحبار الأعظمين.
ان الكنيسة تعتبر، في الحقيقة، صالحة كل صيغة بامكانها أن تؤمن عمليا غايات الدولة، أي الخير العام. وعلى السلطة أن تعرب لأجل ذلك عن ارادة الشعب، وعلى النواب أن يعوا القيم الداخلية التي يحملها المواطنون، عبر تصويتهم، الى الحياة السياسية النيابية. ان المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني يؤكد في هذا المجال “جودة سلوك هذه الشعوب التي يشترك فيها غالبية المواطنين في ادارة الشأن العام في مناخ من الحرية. ويجب دائما الأخذ في الاعتبار الظروف الحقيقية لدى كل شعب، والصلابة الضرورية لدى السلطات العامة… ويمكن التفكير تفكيرا سليما بان مستقبل البشرية هو بين أيدي الذين بامكانهم أن ينقلوا الى الأجيال الطالعة أسباب حياة ورجاء.
لا يمكننا أن نشك في أن هناك اليوم، بمعونة نعمة الله، نوابا- وسيكون غدا نواب-، يعترفون بكرامة سر الزواج، الذي حجب بهاءه تعدد الزوجات، وآفة الطلاق، و”الحب الحر”، وما ينتج عنه من تشوهات تلغي شريعة الطلاق وتلك القوانين غير الأخلاقية التي غالبا ما تنتشر والتي تقود الى ادخال القلق الى العائلات، وتفتح المجال الى الرذيلة، لأنها في الحقيقة بذور عدم استقرار لدخولها بنشاط في داخل كل المجتمع. وفي الحكومات الديمقراطية التي ينتخب كل الشعب فيها بالمساواة من يقبض على السلطة، وحيث يسود الطلاق، يلجأ كثير من المؤمنين، بدافع من الحرية الفردية، الى هذا الطلاق مدنيا، ويعقدون أيضا، وفق القانون المدني، قرانا جديدا، يكون في الحقيقة على طرف نقيض وشريعة الرب، لأن رباط زواجهم القانوني يبقى غير قابل للانحلال.
الزواج المدني، والهجر، والطلاق، كل هذه تسيء الى العائلة وتعرض الأولاد للتشرد والضياع. لذلك وضعت الكنيسة تشريعات تنظم الزواج والوضع العائلي، وذلك لخير الزوجين والأولاد.
واذا كان خير العائلة يقتضي تنظيما، فكم بالحري خير الوطن. ووطننا يشهد في هذه الأيام أوضاعا مصيرية. وقد أصبحنا في فترة انتقالية قد تقودنا الى الاستقرار، كما قد تقودنا الى الفوضى والاقتتال، لا سمح الله. لذلك يطلب من الجميع، وبخاصة من أرباب الحل والربط، وأصحاب المسؤولية، أن يبرهنوا عن رصانة وجدية ووطنية صادقة. وتبوء المراكز العالية ما كان يوما ارضاء للأنانية والمجد الباطل، بل لخدمة الشعب بما يوفر له صاحب السلطة من أمن واستقرار وعيش رخي كريم.
فعسى أن يلهم الله من يتوقون بأنظارهم وقلوبهم الى تبؤ منصب رئاسة جمهورية لبنان أن يعوا هذه الحقائق البديهية، ويتصرفوا بوحيها. وكان الله في عون المؤمنين”.