“حل السيد فيها
ليصير عبدًا.
جاء الكلمة إليها
ليصمت في حشاها.
ولجها رعدًا
ليضحي ساكنًا.
دخلها راعيًا
وهاهو يولد حملاً، يبكي بهدوء.
لقد قلب حشا مريم جميع المقاييس:
ذاك الذي خلق كل الأشياء
تربع هذه الأحشاء فقيرًا.
جاءها ساميًا،
وحل فيها متواضعًا.
ولجها بهاءً،
وخرج مرتديًا ملابس التواضع.
ذاك الذي يسبغ بسخاء كل الأشياء
عرف الجوع.
ذلك الذي يروي الكل
شعر بالعطش.
خرج منها عاريًا،
وهو الذي يُلبس كل البرايا”
(أناشيد “في الميلاد” 11، 6 – 8).
يستعمل القديس افرام عدد كبير ومتنوع من المواضيع، وتعابير وصور للتعبير عن سر المسيح. في أحد أناشيده، يربط بشكل ناجع بين آدم (في الفردوس) والمسيح (في الافخارستيا):
“بسيف الكاروبيم
أغلق الطريق إلى شجرة الحياة.
ولكن رب هذه الشجرة،
وهب نفسه طعامًا للشعوب،
في القربان (الافخارستيا).
لقد أعطيت أشجار عدن
طعامًا لآدم الأول.
أما لنا فقد صار البستاني نفسه
قوتًا لنفوسنا.
بالواقع، لقد خرجنا جميعنا من الفردوس،
مع آدم، الذي خلاّه.
والآن، لقد نُزع السيف
من الأسفل (على الصليب) بواسطة الرمح
وبات بوسعنا الدخول من جديد”.
(نشيد 49، 9 – 11).
بالكلام عن الافخارستيا، يستعمل افرام صورتين: الجمرة المتقدة، واللؤلؤة. موضوع الجمرة مستوحى من النبي آشعيا (راجع 6، 6). إنها صورة الكاروبيم الذي يأخذ الجمرة بالملقط، ويلمس بها شفتي النبي لكي يطهرها؛ أما المسيحي، فهو يلمس ويأكل الجمرة، التي هي المسيح نفسه:
“في خبزك يتوارى الروح
الذي لا يمكن استهلاكه؛
وفي خمرك هناك النار التي لا يمكن شربها.
الروح في خبزك والنار في خمرك:
هذا هو العجب الذي تقبله شفاهنا.
لم يكن بوسع الكاروبيم أن يقترب بأصابعه من الجمرة
التي لامست فقط شفتي آشعيا؛
لم تلامسها الأصابع، ولم يبتلعها الفم؛
أما نحن، فقد منحنا الرب
أن نقوم بالأمرين.
لقد نزلت النار بقوة لكي تدمر الخطأة،
أما نار النعمة، فقد نزلت على الخبز وهي تبقى هناك.
بدل النار التي دمرت الإنسان،
لقد أكلنا النار في الخبز
ونلنا الحياة”.
(نشيد “في الإيمان” 10، 8 – 10).
ونستعرض أيضًا مثلاً أخيرًا من أناشيد القديس افرام، حيث يتحدث عن الجوهرة، كرمز لغنى وجمال الإيمان:
“حملت (اللؤلؤة) يا إخوتي على راحة يدي
لكي أتمن من تفحصها.
وانكببت على التمعن بها من زاوية إلى الأخرى:
كان لها مظهر واحد من كل الزوايا.
هكذا هو البحث عن الابن،
الذي لا ينفذ معين سره،
لأنه كله نيّر.
في نقاوتها (اللؤلؤة) رأيت النقي،
الذي لا يصبح مظلمًا أبدًا؛
وفي طهارتها
عاينت رمز جسد ربنا العظيم،
الذي هو طاهر.
وفي تلاحمها، رأيت الحقيقة،
التي لا تنقسم”
(نشيد اللؤلؤة 1، 2 – 3).
إن شخصية افرام هي آنية بالكلية بالنسبة لمختلف الكنائس المسيحية. نكتشفه في المقام الأول كلاهوتي، يتأمل انطلاقًا من الكتاب المقدس بشكل شعري في سر خلاص الإنسان الذي حققه المسيح، كلمة الله المتجسد.
يعبر عن تفكيره اللاهوتي بصور ورموز مأخوذة من الطبيعة، من الحياة اليومية، ومن الكتاب المقدس.
يعطي افرام لأشعار وأناشيد الليتورجية نفحة تربوية وتعليمية؛ نحن بصدد أناشيد لاهوتية يمكن تلاوتها أو إنشادها ليتورجيًا. يستخدم افرام هذه الأناشيد لكي ينشر عبر الأعياد الليتورجية، تعليم الكنيسة. وقد تجلت مع مرور الزمن كوسيلة تعليمية فعالة للغاية بالنسبة للجماعة المسيحية.
يحتل تفكير افرام بشأن الله الخالق أهمية كبيرة: فما من شيء معزول في العالم، والعالم، إلى جانب الأسفار المقدسة، هو كتاب الله المقدس. من خلال سوء استعمال حريته، يسبب الإنسان الخلل والفوضى في الكون.
يحتل دور المرأة موقعًا هامًا في فكر افراد، وهو لا ينفك يتحدث عنها بإحساس واحترام: لقد رفع سكن يسوع في حشا مريم كرامة المرأة بشكل سامٍ. بالنسبة لافرام، كما أنه ما من فداء لولا يسوع، كذلك ما من تجسد لولا مريم. نجد مسبقًا في نصوص افرام، الأبعاد الإلهية والإنسانية لسر خلاصنا؛ فهو يعبر بأسلوب شعري، وبصور ذات أساس كتابي، ويستبق بذلك الركيزة اللاهوتية، ونوعًا ما، لغة تعليم مجامع القرن الخامس الكريستولوجية.
لقد بقي افرام، الذي يكرمه التقليد المسيحي بلقب “قيثارة الروح القدس”، بقي شماسًا، أي خادمًا، إن في الخدمة الليتورجية، أو، بشكل أكثر جذرية، في محبة المسيح، الذي تغنى به بشكل مميز، وأيضًا، عبر المحبة نحو الإخوة التي أدخلته إلى معرفة الوحي الإلهي ببراعة نادرة.
(ترجمة روبير شعيب)