الفاتيكان، الاثنين 2 يونيو 2008 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها البابا بندكتس السادس عشر خلال أمسية الصلاة بمناسبة اختتام الشهر المريمي، مساء السبت في ساحة القديس بطرس.
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء!
نختتم شهر مايو بلقاء الصلاة المريمية هذا. أحييكم بعاطفة كبيرة وأشكركم على مشاركتكم. أحيي بدرجة أولى الكاردينال أنجيلو كوماستري، ومعه أحيي الكرادلة ورؤساء الأساقفة والأساقفة والكهنة الذين شاركونا في هذا الاحتفال المسائي. كما وأحيي أيضاً المكرسين وأنتم جميعاً أيها المؤمنون العلمانيون الأعزاء، لأنكم بحضوركم أردتم أن تكرموا العذراء الكلية القداسة.
نحتفل اليوم بعيد زيارة العذراء وبذكرى قلب مريم الطاهر. كل شيء يدعونا الى توجيه أنظارنا بثقة نحو مريم. هذا المساء ايضاً توجهنا إليها بصلاة المسبحة القديمة والآنية معاً. فالمسبحة الوردية، عندما لا تكون ترداداً ميكانيكياً لعبارات تقليدية، هي تأمل بالكتاب المقدس، يردنا الى أحداث حياة الرب برفقة العذراء الطوباوية، لنحفظها في قلبنا – كما فعلت مريم.
في جماعات مسيحية كثيرة، تتلى صلاة المسبحة الوردية في شهر مايو في العائلة وفي الرعية. لا تتوقفن هذه العادة الآن وقد انتهى الشهر المريمي، ولكن فلتستمر بزخم أكبر، لكيما يشع نور الإيمان في قلوب المؤمنين وفي بيوتهم.
بمناسبة عيد الزيارة، تعرض علينا الليتورجيا مقطعاً من إنجيل لوقا يخبرنا عن زيارة مريم الى نسيبتها أليصابات. فلنتخيل حالة مريم النفسية بعد البشارة، بعد أن تركها الملاك. وجدت مريم نفسها حاملة في حشاها سراً كبيراً. كانت تعلم بأن شيئاً فائق الطبيعة قد حصل وكانت تعي بأن الفصل الأخير من تاريخ خلاص البشرية قد بدأ. ولكن كل شيء حولها كان لا يزال كما هو، وكانت بلدة الناصرة تجهل ما حصل لها.
قبل أن تهتم لنفسها، فكرت مريم بأليصابات الطاعنة في السن، وقد علمت بأنها حامل في شيخوختها. وبدافع سر الحب الذي حملته للتو في نفسها، أسرعت الى مساعدة أليصابات. هنا تظهر عظمة مريم البسيطة! عندما وصلت الى بيت أليصابات، حصل ما لا يمكن لأي فنان أن يعبر عن جماله وعمقه. نور الروح القدس الداخلي يغفر شخصهما، واليصابات تصرخ: “مباركة أنت بين النساء ومبارك ثمرة بطنك! من أين لي أن تزورني أم ربي؟ فما ان سمعت نداءك حتى ارتكض الجنين فرحاً في بطني. مباركة هي التي آمنت بما قيل لها من عند الرب” (لو 1: 42-45)
قد تظهر هذه الكلمات بعيدة عن الواقع. فأليصابات هي واحدة من عدد كبير من الطاعنات في السن في اسرائيل ومريم صبية غير معروفة، من قرية نائية في الجليل. ماذا يمكنهما أن تكونا، أو أن تفعلا في عالم يعود فيه القرار والسلطة لأشخاص آخرين؟ ولكن مريم، ومرة أخرى، تذهلنا. قلبها نقي، منفتح تماماً على نور الله؛ روحها بريئة من الخطيئة، ولا يثقل عليها تكبر أو جشع.
كلمات أليصابات تشعل في نفسها نشيد تعظيم، وهو قراءة لاهوتية عمية للتاريخ: قراءة علينا دائماً أن نتعلمها من التي تحلت بإيمان صاف. “تعظم نفسي الرب”. مريم تعترف بعظمة الله. هذا هو أو شعور في الإيمان؛ شعور يمنح الأمان للخليقة البشرية ويحررها من الخوف، وسط تقلبات التاريخ.
في تعمقها في هذا الحدث، “تبصر” مريم – بعين الإيمان – عمل الله في التاريخ. ولهذا فهي طوباوية، لآنها آمنت: فهي بإيمانها قبلت كلمة الرب وولدت الكلمة المتجسد. إيمانها أراها بأن عروش هذا العالم مؤقتة، بينما عرش الله هو الصخرة الثابتة والصامدة. نشيد مريم يبقى – على مر العصور – التأويل الأعمق للتاريخ، بينما باءت آراء الكثير من العلماء بالفشل على مر العصور.
أيها الإخوة والأخوات! فلنعد الى منازلنا مع نشيد التعظيم في قلوبنا. فلنحمل في داخلنا نفس الأحاسيس والتعظيم التي حملتها مريم للرب. فلنتمثل بطواعيتها وسخائها في خدمة الإخوة. فقط من خلال اقتبال محبة الله ومن خلال جعل وجودنا خدمة مجانية وسخية للآخر، يمكننا أن نرفع التسبيح للرب. فلتساعدنا لنيل هذه النعمة – مريم التي تدعونا هذا المساء لنلتجىء الى قلبها الطاهر.
نقلها الى العربية طوني عساف – وكالة زينيت العالمية