الكاردينال برتوني يوجه رسالة باسم البابا إلى لقاء صداقة الشعوب في ريميني
بقلم روبير شعيب
الفاتيكان، الثلاثاء 26 أغسطس 2008 (Zenit.org). – “الإنسان المعاصر، كإنسان كل العصور، يتوق إلى السعادة، ويسعى إليها في كل الأماكن التي يظن أنه بإمكانه إيجادها”، والسؤال الحقيقي الذي يجب علينا أن نطرحه هو: ما الذي يقود الإنسان إلى السعادة الحقة؟
هذا ما جاء في الرسالة التي وجهها الكاردينال ترشيسيو برتوني، أمين سر دولة حاضرة الفاتيكان، باسم قداسة البابا بندكتس السادس عشر إلى لقاء الصداقة بين الشعوب التاسع والعشرين الذي يعقد في ريميني من 24 إلى 30 أغسطس بعنوان: “رواد أو لا أحد”.
وعلق الكاردينال برتوني على عنوان لقاء هذا العام مشيرًا إلى أنه يحضنا على “التأمل بمفهوم الشخص البشري”. فما معنى أن نكون رواد وجودنا الشخصي ورواد العالم؟
ولفت إلى أن الجواب على هذا السؤال هو طارئ في أيامنا لأن البديل عن أن يكون المرء رائد وجوده هو “حياة بلا معنى، والهوية المجهولة لحشد من المجهولين الذين يتيهون في خضم جمع لا شكل له، لا يستطيعون أن يظهروا بوجه يستحق أن نلحظه”.
ولذا السؤال الذي يطرح ذاته هو التالي: “ما الذي يمنح الإنسان وجهًا جلي المعالم، ما الذي يجعله فريدًا، ويضمن له كرامة كاملة لوجوده؟
تحقيق الذات بحسب الأفكار الشائعة
وتوقف الكاردينال في جوابه على التيارات المسيطرة في الثقافة المعاصرة: “إن الثقافة والمجتمع اللذين نعيش فيهما، حيث تشكل وسائل الاتصال محورًا قويًا، تسيطر عليهما بشكل كبير القناعة بأن الشهرة هي عنصر أساسي لتحقيق الذات. فالخروج من هامش المجهول والظهور أمام الجمهور بأي شكل كان، هو الهدف الذي يرومه الكثيرون”. ولذا يتم اعتبار السلطان الاقتصادي والسياسي، وغيره من أشكال التطرف كنجاح، وتحقيق إيجابي للحياة، لهذا السبب تتوق الأجيال الشابة إلى مهن أضفي عليها طابع المثالي بغية التوصل إلى الشعور بأنهم “أحد ما”. و “النماذج التي يتوق هؤلاء الشباب إليها هي نماذج مستوحاة من ممثلي السينما، وشخصيات التلفزيون وأساطيره، والرياضيين ولاعبي كرة القدم…”.
وتساءل الكاردينال عما يستطيع القيام به من لا يصل إلى هذه الشهرة؟ ما الذي يحدث لمن لا يستطيع أن يتوصل إلى آفاق الشهرة والنجاح هذه بسبب مرض أو علة أو شيخوخة؟
وشدد في هذا المقام على أن “الإنسان المعاصر، كإنسان كل العصور، يتوق إلى السعادة، ويسعى إليها في كل الأماكن التي يظن أنه بإمكانه إيجادها” وهذا هو السؤال الحقيقي الذي يكمن وراء كلمة “رائد”: “ما هو جوهر السعادة؟ ماذا يستطيع أن يقود الإنسان حقًا للتوصل إليها؟”
تحقيق الذات بحسب المسيحية
وانطلاقًا من وجهة النظر المسيحية قدم الكاردينال برتوني القديس بولس، الذي تحتفل الكنيسة في هذه السنة بيوبيل 2000 سنة على مولده، كـ “بطل المسيحية في كل العصور”، الذي خدم الإنجيل بعد ارتداده بتكرس كامل، فكان شخصية نادرة “بفضل سعة معارفه وإنجازاته”.
فرسائل بولس تكشف عن “القوة المتفجرة في شخصيته المولعة” ولذا تجذب هذه الرسائل ملايين القراء، وتؤثر على أجيال كثيرة من البشر، وعلى دول وشعوب برمتها.
هذا ويقدم بولس في رسائله يسوع المسيح كـ “المنهل الأصيل للاحترام بين البشر، والسلام بين الشعوب، والعدالة في التعايش”.
يمكننا أن نعتبر أنفسنا أبناءً روحيين لهذا التراث البولسي العظيم، ومع ذلك – تابع الكاردينال – فإن حياة بولس كانت بعيدة عن أضواء الحياة العامة. فحياة بولس اليومية كانت حياةً مليئة بالاضطهاد والمعاكسات ويشهد هو نفسه لذلك في رسالته إلى أهل كورنثوس: “جلَدَني اليهودُ خمسَ مرَّاتٍ أَربعينَ جَلْدةً إِلاَّ واحدة؛ ضُرِبْتُ بالعِصيِّ ثلاثَ مرَّات؛ رُجِمْتُ مرَّة؛ انْكَسَرَتْ بيَ السَّفينةُ ثلاثَ مَرَّاتَ؛ قَضَيْتُ نهارًا وليلاً في اللُّجَّة! كثيرًا ما كنتُ في الأَسفارِ في أَخطارِ السُّيولِ، وفي أَخطارِ اللُصوص؛ في أَخطارٍ مِن أُمَّتي، وأَخطارٍ من الأُمم؛ وأَخطارِ في المدينةِ وأَخطارٍ في البرّيَّةِ، وأَخطارِ في البحرِ، وأَخطارٍ بينَ الإِخوةِ الكذَبَة! وفي التَّعب والكدِّ، ((عُرْضةً)) للأسْهارِ الكثيرةِ، للجُوعِ والعَطشِ، للأَصْوَامِ الكثيرةِ، لِلْبَرْدِ والعُرْي! وما عَدا هذه، ما يَتراكمُ عليَّ كلَّ يومٍ، والاِهْتمامُ بجميعِ الكنائس! فمَن يَضعُفُ ولا أَضعُفَ أَنا! مَنْ يعْثُرُ ولا أَحتَرِقَ أَنا!” (2 كور 11، 24 – 29).
وتساءل الكاردينال انطلاقًا من هذه الخبرات: هل يمكننا أن نعتبر حياة بولس حياة ناجحة؟ نحن بصدد “المفارقة المسيحية”. فما هو معنى “النجاح” من وجهة النظر المسيحية؟
وتحدث برتوني، منطلقًا من فكر البابا بندكتس السادس عشر عن أن الإنسان قد “خُلق لكي يتوصل إلى التحقيق الأبدي لوجوده”، وهذا الأمر “يتخطى إلى حد بعيد النجاح العالمي، وهو لا يتناقض مع حالات الوجود الوضيع الذي يتم فيه الحج الأرضي”. فـ “الاكتمال الإنساني هو التوصل إلى معرفة الله، الذي خلق كل إنسان والذي يتوق إليه الكائن البشري بكل جوارحه”.
وللتوصل إلى هذا الأمر، لا يحتاج الإنسان إلى الشهرة أو النجاح الجماهيري. وهذا هو النجاح الذي يقدمه لقاء ريميني. “فالرائد الحق هو الشخص الذي يقدم حياته إلى الله الذي يدعوه للإسهام في مشروع الخلاص الشامل”.