روما، الجمعة 29 أغسطس 2008 (zenit.org). – ننشر في ما يلي تأمل اليوم التاسع والعشرين من أغسطس للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب "بندكتس".
ظلمة يوحنا المعمدان
هذا هو الواجب الذي يقع على عاتق المعمدان أثناء وجوده في السجن: أن يضحي طوباويًا عبر قبوله إرادة الله الغامضة دون طرح أسئلة؛ أن يصل إلى تلك النقطة حيث لا يطلب وضوحًا خارجيًا، مرئيًا، لا غموض فيه، بل حيث يكتشف الله في ظلمة هذا العالم وفي ظلمة حياته، ويضحي بهذا الشكل طوباويًا بالعمق. بالواقع، لا يمكننا أن نرى الله كما نرى شجرة تفاح أو كما نرى إشارة نيون، فهذه طريقة خارجية بحت لا تتطلب التزامًا داخليًا. يمكننا أن نراه تعالى فقط عبر صيرورتنا مثله، وعبر توصلنا إلى مستوى الحقيقة التي فيها يتواجد الله؛ بكلمات أخرى، عبر تحررنا من كل ما هو معادٍ للألوهة... ولذا، كان على يوحنا في سجنه أن يجيب مرة أخرى ومن جديد على دعوته إلى الارتداد (metanoia) أي إلى تغيير في الذهنية، لكي يتمكن من التعرف على إلهه في الليل الذي تقوم فيه كل أمور الأرض. لا يمكننا أن ندل مسيحيي اليوم على سبيل الصداقة مع الله إلا كتخلٍ عن البحث عن الوضوح الخارجي والبدء في الانكفاء عن المرئي والتوجه إلى اللامرئي، وإيجاد الرب الذي هو الركيزة والدعامة الحقة لوجودنا. فقط عبر تصرفنا بهذا الشكل يمكننا أن نفهم أهم أقوال المعمدان: "ينبغي له أن ينمي ولي أن أنقص" (يو 3، 30). سنتعرف على الله بقدر ما ننعتق من ذواتنا.