الثاني والعشرون من أغسطس

روما، الجمعة 22 أغسطس 2008 (zenit.org). – ننشر في ما يلي تأمل اليوم الثاني والعشرين من اغسطس للبابا بندكتس السادس عشر، من كتاب "بندكتس".

 نوعية أمانة مريم

 في مريم، نالت الأرض وجهًا إنسانيًا، وأكثر من ذلك: وجهًا مسيحيًا، وجه أم يسوع. عبر اللجوء إليها، تتحول الروحانية الطبيعية إلى إيمان، إلى لقاء بتعامل الله مع تاريخ البشر، والذي يظهر ثمره في حياة مريم، في تجسد الله. لذا من الصحيح القول بأن الإيمان والدين الطبيعي تصالحا في مريم... لقد حفظت مريم الكلمة في قلبها وتأملت بها (لو 1، 29؛ 2، 19؛ 2، 51). قبل كل شيء، يتم تصوير مريم إذًا كمنهل للتقليد. فهي تحفظ الكلمة في ذاكرتها؛ ولذا هي شاهدة وثيقة لما حدث. ولكن الذاكرة تتطلب أكثر من مجرد تسجيل خارجي للأحداث. يمكننا أن ننال ونتمسك بالكلمة فقط إذا ما جعلناها تلمسنا في داخلنا. إذا لم يمسني شيء ما فلن يلج إلى داخلي؛ وسيذوب في تيار الذكريات ويفقد وجهه الخاص. إنه لواقع ملموس أن ما نفهمه وما نحفظه يتماشيان معًا. إذا لم أفهم حقًا أمرًا ما، فلن أتمكن من إشراك الآخرين به بشكل مناسب. فقط عبر الفهم يمكنني أن أنال حقًا واقعًا ما؛ والفهم، بدوره، يرتكز على مقياس داخلي من التماثل مع ما فهمت. يرتكز على الحب. لا يمكنني أن أفهم أبدًا ما لا أحب. ولذا فنقل رسالة الإنجيل يحتاج إلى أكثر من ذاكرة تستطيع أن تحفظ أرقام الهاتف: ما تحتاجه هو ذاكرة القلب، التي من خلالها أستثمر أمرًا ما في ذاتي. الالتزام والأمانة ليسا متضادين بل هما أمران مترابطان.

تعليم البابا خلال مقابلة الأربعاء العامة

كاستيل غاندولفو، الأربعاء 20 أغسطس 2008 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها البابا بندكتس السادس عشر خلال مقابلة الأاربعاء العامة في القصر الرسولي في كاستيل غاندولفو بالقرب من روما.

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء!

كل يوم تعرض الكنيسة لنا حياة واحد أو أكثر من القديسين والطوباويين لنتذرع بهم. هذا الأسبوع نتذكر بعض القديسين الذين لقوا أهمية كبيرة. يوم أمس وضعت الكنيسة أمامنا القديس يوحنا أوديس من القرن السابع عشر، والذي تمحور تعليمه حول قلبي يسوع ومريم الأقدسين. أما اليوم، فنتذكر القديس برنردوس من كيارافالي، الذي لقّبه البابا بيوس الثامن “بالمعلم العسلي”، لأنه “برع في سبر غور النصوص البيبلية ليكتشف معناها”.

هذا المتصوف، الذي أراد أن يعيش في “وادي نور” التأمل، جال كل أوروبا يخدم الكنيسة، بحكم ضرورة الزمن، للدفاع عن الإيمان المسيحي. لُقّب بـ “المعلم المريمي” ليس لأنه كتب الكثير عن مريم، بل لأنه عرف أن يفهم دورها في الكنيسة، مقدماً إياها كالمثال الكامل للحياة الرهبانية ولكل شكل من أشكال الحياة المسيحية.

غداً، نحتفل بعيد القديس بيوس العاشر الذي عاش في مرحلة تاريخية صعبة. عنه قال يوحنا بولس الثاني عندما زار مسقط رأسه عام 1985: “كافح وتألم في سبيل حرية الكنيسة، ولأجل هذه الحرية أظهر استعداده للتضحية بالامتيازات والألقاب، لمعالجة سوء الفهم والسخرية، لأنه كان يعتبر هذه الحرية الضمانة الأخيرة لكمال وثبات الإيمان”. (تعاليم يوحنا بولس الثاني،VIII ، 1، 1985)

يوم الجمعة المقبل مخصص للسيدة العذراء الطوباوية مريم، وهي ذكرى أرادها خادم الله بيوس الثاني عشر عام 1955، وأرادها المجمع تكملة لعيد انتقال العذراء لأن العيدين يشكلان سراً واحداً. أما يوم السبت، فنحتفل بعيد القديسة روزا دا ليما شفيعة أمريكا اللاتينية، وهي أول قديسة في تلك القارة.   

كانت القديسة روزا تحب أن تردد هذه الكلمات: “لو عرف الناس ما معنى العيش بحالة النعمة، لما كان الخوف يعتريهم أمام أي ألم، ولاحتملوا بطيبة خاطر أي عذاب، لأن النعمة هي ثمرة الصبر”. توفيت عن عمر 31 سنة عام 1617، بعد حياة قصيرة طبعها الألم، يوم عيد القديس برتلماوس الرسول، الذي كانت تكرمه، لأستشهاده المؤلم.

أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، يوماً بعد يوم، تقدم الكنيسة لنا إمكانية السير برفقة القديسين. كتب هانس أورس فون بالتسار بأن القديسين يشكلون التعليق الأهم على الإنجيل، وهم تجسيد الإنجيل في الحياة اليومية، وبالتالي فهم بالنسبة لنا باباً حسياً للدخول الى عالم يسوع. الكاتب الفرنسي جان غيتون وصف القديسين بأنهم “كألوان الطيف بالنسبة للضوء”، لأن كلاً منهم يعكس بطريقته الخاصة نور قداسة الله. من هنا أهمية تنمية معرفة وتكريم القديسين، الى جانب التأمل اليومي بكلمة الله، والمحبة البنوية للعذراء!

إن فترة العطلة الصيفية هي مناسبة لقراءة سيرة حياة أو كتابات أحد القديسين، ولكن كل يوم من السنة يقدم لنا إمكانية التعرف على قديسينا. إن خبرتهم البشرية والروحية تظهر بأن القداسة ليست رفاهية، وليست امتيازاً للقلائل، وليست غاية مستحيلة للأشخاص العاديين؛ إنها في الواقع القدر المشترك لجميع البشر المدعويين ليكونوا أبناء الله، الدعوة الشاملة لجميع المعمدين.

إن القداسة مقدَّمة للجميع؛ ليس جميع القديسين متساوين: إنهم – كما سبق وقلت – طيف النور الإلهي. وليس من الضروري أن يكون قديسا عظيماً فقط من يملك مواهب فائقة الطبيعة. هناك أعداد كبيرة أسماؤهم معروفة فقط عند الله، لأنهم عاشوا على هذه الأرض حياة عادية جداً. إن مثالهم شهادة على أنه – فقط عندما يكون المرء في علاقة مع الرب – يغمره السلام والفرح ويقدر على نشر الصفاء والرجاء والتفاؤل.