أيها الإخوة والأخوات الأعزاء،
إنجيل اليوم (مر 1: 29-39)، وبالتواصل مع إنجيل الأحد الماضي، يعرض لنا يسوع الذي، بعد أن بشر يوم السبت في هيكل كفرناحوم، شفى العديد من المرضى، بدءاً من حماة سمعان. فلما دخل يسوع بيتها وجدها مصابة بالحمى، وللحال أخذ بيدها وشفاها فنهضت من الفراش. بعد المغيب، شفى العديد من الأشخاص المصابين بشتى أنواع الأمراض. إن خبرة شفاء المرضى احتلت مركزاً كبيراً في رسالة المسيح العلنية وتدعونا مرة أخرى لنفكر حول معنى وقيمة المرض بكل أشكاله وحالاته. هذه الفرصة تتاح لنا أيضاً بمناسبة اليوم العالمي للمريض الذي سنحتفل به يوم الأربعاء المقبل، 11 فبراير، الذكرى الليتورجية لعذراء لورد.
على الرغم من أن المرض يشكل جزءاً من الخبرة البشرية، فإننا لا نستطيع أن نعتاد عليه، ليس لأنه في بعض الأحيان قد يصبح ثقيلاً وخطراً وحسب، بل لأننا في الأساس ولدنا للحياة، للحياة التامة. وبالتالي فإن "غريزتنا الباطنية" تجعلنا نفكر بالله ملء الحياة، أو بالحري كحياة أبدية وكاملة. عندما يجربنا الشر، وتبدو صلواتنا لا جدوى منها، يتحرك فينا الشك ونتساءل: ما هي إرادة الله؟ في الواقع، الجواب على هذا التساؤل نجده في الإنجيل.
في هذا المقطع من الإنجيل نقرأ بأن "يسوع شفى كثيرين كانوا مصابين بأمراض كثيرة وطرد الكثير من الشياطين" (مر 2: 34)؛ في مكان آخر لدى القديس متى، نقرأ: "كان يسوع يجوب الجليل، ويعلم في مجامعهم ويبشر بإنجيل ملكوت الله، ويشفي كل أنواع الأمراض في الشعب" (مت 4: 23). يسوع لا يترك الشكوك: الله – الذي هو بنفسه أظهر لنا وجهه – هو إله الحياة، ويحررنا من كل شر. وما الشفاءات التي يقوم بها إلا علامة على قوة محبته: فهو بذلك يظهر بأن ملكوت الله قريب، ويعيد الرجال والنساء الى كمالهم الروحي والجسدي. أقول بأن هذه الشفاءات هي علامات: إنها تقود نحو رسالة المسيح، تقودنا نحو الله وتساعدنا لنفهم أن مرض الإنسان الحقيقي والأعمق هو غياب الله، غياب ينبوع الحقيقة والمحبة. وحدها المصالحة مع الله تمنحنا الشفاء الحقيقي، الحياة الحقيقية، لأن حياة من دون محبة ليست بحياة. إن ملكوت الله هو حضور الحقيقة والمحبة، وبذلك ننال الشفاء في عمق أعماقنا.
بفضل عمل الروح القدس، يستمر عمل يسوع في رسالة الكنيسة. فمن خلال الأسرار، يمنح يسوع حياته للإخوة والأخوات، ويمنح الشفاء والعزاء لأعداد لا تحصى من المرضى من خلال مبادرات العناية الصحية التي تقوم بها الجماعات المسيحية بمحبة أخوية، وتظهر بذلك وجه الله، ومحبته. هذا صحيح: كم من المسيحيين – من كهنة ومكرسين وعلمانيين – قدموا ولا يزالوا، في كل أنحاء العالم، يقدمون يدهم، وأعينهم وقلوبهم للمسيح، طبيب الأجساد والأرواح الحقيقي! نصلي من أجل جميع المرضى، وبخاصة من هم في حالات خطيرة، ولا يستطيعون بأي شكل من الأشكال أن يعتنوا بأنفسهم، بل يعتمدون كلياً على عناية الآخرين: فليختبر كل واحد منهم – بمساعدة من هو قريب منه – قوة محبة الله وغنى نعمته المخلصة. مريم، شفيعة المرضى، صلي لأجلنا!
نقله إلى العربية طوني عساف – وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)
حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية – 2009.