“منح الأشخاص الإمكانية الملموسة للتحكم بحياتهم الخاصة”
نيويورك، الأربعاء 11 فبراير 2009 (ZENIT.org) – ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها رئيس الأساقفة تشيلستينو ميليوري، المراقب الدائم للكرسي الرسولي لدى الأمم المتحدة، بتاريخ الخامس من فبراير متوجهاً بها إلى المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة.
***
السيدة الرئيسة
في البداية، يرغب وفدي في الإعراب عن شكره للأمين العام على تقريره المتبصر حول تعزيز التكامل الاجتماعي لأنه يحدد بوضوح معنى وهدف هذا البند الوارد في جدول الأعمال نحو الانصهار الاجتماعي. وفيما أن هناك شعوراً بالانتماء ضمن مجتمع متكامل اجتماعياً، “فهناك أيضاً ضمن مجتمع منصهر اجتماعياً إجماع واضح حول ما يخلق تلاحماً اجتماعياً مع حقوق المواطنين وواجباتهم المعترف بها”.
إن الانصهار الاجتماعي كتعبير عن العدالة الاجتماعية يعتبر أولاً شرطاً لا بد من ضمانته لجميع الأشخاص بحجة كرامتهم السامية. أكثر من ذلك، يعتبر كذلك شرطاً أساسياً لمواجهة الأزمات العالمية التي تعصف بالبشرية في أيامنا هذه.
في تحليله المفصل للمبادرات الإقليمية، ينص تقرير الأمين العام على أن غياب التكامل الاجتماعي الذي يؤدي إلى التهميش الاجتماعي منتشر في المناطق النامية والمتقدمة النمو على حد سواء وناتج عن أسباب مشتركة أي عن الفقر وعدم المساواة والتمييز على جميع المستويات.
يسر وفدي بخاصة الإشارة إلى أن الاستراتيجيات الموصى بها والهادفة إلى تعزيز التكامل الاجتماعي في ظل الظروف الراهنة تنشأ عن إطار تنمية وصوغ وتطبيق سياسات شاملة اجتماعياً تشترط عليها القمة العالمية للتنمية الاجتماعية التي عقدت سنة 1995. ويتميز هذا الإطار بالاقتناع بأن منطق التضامن والإعانة هو الأكثر ملاءمة وقدرة على تخطي الفقر وضمان مشاركة كل فرد ومجتمع على كافة الصعد الاجتماعية والاقتصادية والمدنية والثقافية.
لقد برز في العقد الأخير إجماع عام حول الالتزام بتعزيز التنمية في إطار مكافحة الفقر وتعزيز تكامل ومشاركة جميع الأفراد والجماعات. وقد جعل هذا الإجماع رسمياً في إعلان الألفية لسنة 2000. كما حددت الأهداف التنموية المذكورة فيه بالإشارة إلى مؤشرات وأهداف واضحة. أما الجهود التي تبذل في سبيل المراقبة الدائمة لإنجاز الأهداف فهي مهمة من أجل جعل الظروف الحياتية أكثر إنسانية للجميع. مع ذلك فإن القلق حيال الحصول على نتائج مقدارية أو قابلة للقياس يجب ألا يصرف انتباهنا وسياساتنا عن تحقيق تنمية متكاملة.
وتظهر مراقبة أهداف الألفية الإنمائية أنه من السهل نسبياً بلوغ الأهداف المنشودة من خلال تدابير تقنية تتطلب أولاً الموارد المادية والتنظيم. إلا أن السعي وراء تحقيق هذه الأهداف وتحقيق التنمية والانصهار الاجتماعي يتطلب ليس فقط المساعدة المالية لا بل أيضاً مشاركة الأفراد الفعلية.
أما الهدف الأسمى في البرامج التنموية فيقوم على منح الأفراد الإمكانية الفعلية على التحكم بحياتهم الخاصة وتأييد التنمية. إذ أن عملية مكافحة الفقر وعدم المساواة والتمييز لا تفتقر أساساً إلى المساعدة المالية أو التعاون الاقتصادي والقضائي الأساسيين على حد سواء وإنما إلى الأشخاص والمجموعات القادرة على مشاركة الحياة مع الفقراء والمهمشين، إلى الأفراد القادرين على الحضور والتحرك والمعترف بأعمالهم من قبل المؤسسات المحلية والوطنية والعالمية.
هذا ما عبر عنه أيضاً البابا بندكتس السادس عشر في يوم السلام العالمي قائلاً بأن “مشاكل التنمية والمساعدة والتعاون الدولي تعالج أحياناً من غير الاهتمام فعلاً بالعنصر البشري، بل باعتبارها مشاكل تقنية محدودة بإنشاء البنى ووضع اتفاقيات التجارة وتوزيع الأموال بشكل موضوعي. إن ما تحتاجه مكافحة الفقر فعلاً هو وجود الرجال والنساء الذين يعيشون بأخوة تامة ويقدرون على مرافقة أفراد وعائلات وجماعات في مسار التنمية الإنسانية الحقيقية”.
وبالنسبة إلى حاجات العائلات والنساء والشباب وغير المثقفين والعاطلين عن العمل والسكان الأصليين والكهول والمهاجرين وجميع المجموعات الأخرى الأكثر تعرضاً للتهميش الاجتماعي فتجدر معالجتها من خلال البنى القانونية والاجتماعية والمؤسساتية المناسبة. إلا أننا نستطيع من خلال عيش ومشاركة تجارب المهمشين أن نجد وسائل من أجل دمجهم في المجتمع بشكل كامل وأكثر من ذلك من أجل التأكيد على كرامتهم وجدارتهم لكيما يصبحوا فعلاً أنصار تنميتهم الشخصية.
ما يزال الكرسي الرسولي إلى جانب مختلف مؤسسات الكنيسة ملتزماً بالقيام بهذا الواجب. فمن خلال برامج ووكالات ومنظمات في كل قارة، يتم البحث عن المنسيين لدمجهم مجدداً في المجتمع. ومن خلال هذا الجهد المشترك، تعزز الدروس التي نتعلمها من المهمشين الحقيقة القائمة على أن عملية استئصال الفقر والخدمة الكاملة والتكامل الاجتماعي تتحقق عندما يلتقي وضوح الهدف مع التزام الأفراد.
شكراً السيدة الرئيسة.
نقلته من الإنكليزية الى العربية غرة معيط (ZENIT.org)