كلمة البابا خلال استقباله أعضاء وفد "مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية الكبرى

Share this Entry

روما، الجمعة 13 فبراير 2009 (ZENIT.org) – ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها البارحة الأب الأقدس بندكتس السادس عشر في القاعة الكبرى في القصر الرسولي خلال استقباله أعضاء وفد “مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية الكبرى”.

***

أصدقائي الأعزاء،

يسرني أن أستقبلكم جميعاً اليوم وأشكر الحاخام آرثر شناير والسيد آلان سولو على التحيات التي توجها بها إلي بالنيابة عنكم. كذلك أستعيد مختلف محطات الزيارة التي قمت بها إلى الولايات المتحدة السنة الفائتة واستطعت خلالها أن ألتقي بالبعض منكم في واشنطن دي سي ونيويورك. حضرة الحاخام شناير لقد استقبلتموني بكل حفاوة في كنيس بارك إيست قبل ساعات قليلة من احتفالكم بعيد الفصح. والآن يسرني أن أحصل على هذه الفرصة لاستضافتكم هنا في داري. إن هذه اللقاءات تسمح لنا بإظهار احترامنا لبعضنا البعض. وأرغب في أن تعلموا بأنه مرحب بكم جميعاً كل الترحيب هنا اليوم في دار بطرس، مقر البابا.

إنني بكل امتنان أتذكر مختلف المناسبات التي سمحت لي عبر السنين أن أقضي الوقت مع أصدقائي اليهود. لقد كانت زياراتي القصيرة إلى جماعاتكم في واشنطن ونيويورك تجارب من التقدير الأخوي والصداقة المخلصة. وهكذا أيضاً كانت زيارتي إلى الكنيس في كولونيا، الزيارة الأولى من نوعها منذ بداية حبريتي. تأثرت جداً بقضاء تلك اللحظات مع الجماعة اليهودية في المدينة التي أعرفها جل المعرفة، المدينة التي كانت موطن أقدم مستوطنة يهودية في ألمانيا والتي يعود تاريخها إلى زمن الإمبراطورية الرومانية.

وفي مايو 2006 أي بعد سنة واحدة قمت بزيارة مخيم الإبادة في أوشفيتز بيركناو. ما هي الكلمات التي يمكنها أن تعبر كفاية عن هذه التجربة المؤثرة؟ ففيما كنت أمشي في مدخل هذا المكان المرعب، مسرح المعاناة الفظيعة، تأملت في الأعداد الهائلة من المعتقلين ذات الأغلبية اليهودية الذين وطأوا بأقدامهم هذا الممر عينه نحو الأسر في أوشفيتز وفي كافة المعتقلات الأخرى. إن أولاد إبراهيم الذين ألم بهم الحزن والغم لم يكن لديهم ما يقويهم سوى إيمانهم بإله آبائهم، هذا الإيمان الذي نشاركه نحن المسيحيين معكم إخوتي وأخواتي. كيف لنا أن نفهم فداحة الأمور التي حصلت في تلك المعتقلات الشائنة؟ إن البشرية جمعاء تشعر بالخجل العميق من الوحشية الهمجية التي قاساها شعبكم في تلك الحقبة. وهنا اسمحوا لي أن أذكر بما قلته في تلك المناسبة الكئيبة: “لقد أراد حكام الرايخ الثالث أن يسحقوا الشعب اليهودي برمته لمحوه من سجل شعوب الأرض. وهكذا تحققت بطريقة مروعة كلمات المزمور: “إنا نُمات… وقد حسبنا مثل غنم للذبح” (مز 44، 22).

يجري اليوم لقاؤنا في سياق زيارتكم إلى إيطاليا مع بعثتكم القيادية السنوية إلى إسرائيل. بدوري أستعد أيضاً لزيارة إسرائيل، الأراضي المقدسة للمسيحيين واليهود بما أن جذور إيماننا موجودة هناك. إن الكنيسة تقتات حقاً من جذور الزيتونة الطيبة، شعب إسرائيل الذي طعمت فيه أغصان الزيتونة البرية أي أغصان الأمم(رو 11: 17، 24). منذ بداية المسيحية، لطالما كانت هويتنا وكل مظهر من حياتنا وعبادتنا مرتبط جوهرياً بالديانة القديمة لآبائنا في الإيمان.

إن تاريخ الألفي سنة من العلاقات بين اليهودية والكنيسة شهد العديد من المراحل المختلفة التي من المؤلم ذكر البعض منها. الآن وقد توصلنا إلى اللقاء بروح من المصالحة، يجب ألا نسمح للمصاعب الماضية أن تثنينا عن مد يد الصداقة لبعضنا البعض. فأي عائلة لم تعكر صفوها بعض التوترات؟ لقد شكل إعلان “زمننا الحالي” الصادر عن المجمع الفاتيكاني الثاني علامة بارزة في درب المصالحة، كما اختصر بوضوح المبادئ التي لطالما حكمت مقاربة الكنيسة للعلاقات المسيحية اليهودية. والكنيسة ملتزمة التزاماً لا عودة عنه بنبذ معاداة السامية ومواصلة بناء العلاقات الطيبة والثابتة بين الجماعتين. وإن كان هناك من مشهد يجسد هذا الالتزام فهو حين وقف سلفي الحبيب يوحنا بولس الثاني أمام الحائط الغربي في أورشليم مبتهلاً المغفرة من الله على الظلم الذي قاساه الشعب اليهودي. والآن أشاركه في صلاته: “يا إله آبائنا، لقد اخترت ابراهيم ونسله ليحملا اسمك إلى الأمم: إننا نشعر بالحزن الشديد من تصرف أولئك الذين سببوا المعاناة لأبنائك على مر التاريخ، وإننا إذ نطلب منك المغفرة نرجو الالتزام بأخوة حقيقية مع شعب العهد” (26 مارس 2000).

إن البغض والاحتقار اللذين تجليا في المحرقة التي ارتكبت بحق الرجال والنساء والأطفال عبارة عن جريمة بحق الله والبشرية. ويجب على الجميع إدراك ذلك بخاصة أولئك الذين يؤيدون تقليد الكتاب المقدس الذي يعتبر أن كل إنسان خُلق على صورة الله ومثاله (تك 1: 26، 27). ومن هنا لا يسمح بإنكار هذه الجريمة الفظيعة أو التقليل من شأنها. وإنني جددت التأكيد مؤخراً في مقابلة عامة على أن المحرقة يجب أن تكون “تحذيراً للجميع من النسيان أو الإنكار أو التقليل من الشأن لأن العنف المرتكب ضد إنسان واحد هو عنف مرتكب ضد البشرية جمعاء” (28 يناير 2009).

هذا الفصل الرهيب في تاريخنا يجب ألا ينسى أبداً. هذه الذكرى هي تحذير مستقبلي يدعونا إلى النضال من أجل المصالحة. كما أنها تحثنا على بذل أقصى جهودنا لتجنب تكرار كارثة مماثلة ضمن العائلة البشرية وذلك من خلال بناء جسور الصداقة الثابتة. أصلي بحرارة لكيما تقوي ذكرى هذه الجريمة المروعة عزيمتنا على شفاء الجراح التي أدمت العلاقات بين المسيحيين واليهود. كما أرجو من كل قلبي أن تتقوى هذه الصداقة التي
نتمتع بها اليوم لكيما يثمر بوفرة التزام الكنيسة الثابت بالعلاقات المتناغمة والقائمة على الاحترام مع شعب العهد.

نقلته من الإنكليزية إلى العربية غرة معيط (ZENIT.org)

حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية 2009

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير