الطّائفيّة السّياسيّة والدستور اللبناني

إلغاء الطائفية السياسية في لبنان (2)

Share this Entry

بقلم الأب فرنسوا عقل المريمي

الفاتيكان، الثلاثاء 2 فبراير 2010 (Zenit.org). – إلغاء الطّائفيّة السّياسيّة في لبنان إذن يعني الامتناع عن توزيع وظائف الفئة الأولى بموجب ميثاق 1943، وإلغاء المناصفة بين المسيّحيّين والمسلمين في المجلس النّيابي والحكومة والإدارات. خلال الحرب اللّبنانيّة، طالب العديد من المسلمين واليسار اللّبنانيّ خصوصا، مطالبة بإلغاء الطّائفيّة السّياسيّة في لبنان [13]، لكنّ البعض قد رام عبر هذا الأمر، الوصول إلى رئاسة الجمهوريّة أو الحكومة أو قيادة الجيش أو مديريّة المخابرات أو غير ذلك من المراكز الكبرى في الدّولة [14].

        إنّ الكثيرين من المسيحيّين اللّبنانيّين وخصوصا الموارنة اليوم، لا يرغبون بإلغاء الطّائفيّة السّياسيّة ربّما لأنّهم يخشون فقدان امتياز حفظ الرّئاسة الأولى لهم وفقا للميثاق المذكور [15]، ولأنّ المطالبين بإلغائها، يقصدون حصرا عدم توزيع المناصب السّياسيّة على الطّوائف وفقا للأعراف السّارية ويرفضون إلغاءها من أيّ ميدان آخر في الحياة العامّة [16]؛ ناهيك عن أنّ الواقع اللّبنانيّ بل العقل الباطنيّ اللّبنانيّ يعتبر الطّائفة الخاصّة بمثابة جماعة أولى لانتماء الفرد الاجتماعيّ، وهذا الانتماء هو عنصر جوهريّ في صميم هويّة كلّ لبنانيّ.

كما أنّ بعض دعاة العلمنة، يعتبرون بدورهم الطّائفيّة السّياسيّة شرّا يهدّد جميع اللّبنانيّين، ويترك الوطن غائصا في ترّهات القرون الوسطى وغياهبها، معزّزا ذهنيّة بعيدة كلّ البعد عن الإيمان، والرّجاء المشترك والحبّ المتبادل [17]؛ ويرى آخرون –ونحن منهم- أنّه من الصّعب جدّا إلغاء الطّائفيّة السّياسيّة التي هي نتاج تاريخ طائفيّ طويل [18]، فالنّظام الطّائفيّ جيّد في حدّ ذاته، غير أنّ إساءة استعماله واستغلاله الفادح من قبل بعض السّياسيّين قد أورثتنا حرب 1975. فمنذ زمن طويل أخذت كلّ من الطّوائف تمارس –إن جاز التّعبير- نوعا من الدّفاع الأنانيّ عن مصالحها الخاصّة 19، غير أنّ هذه القاعدة في نظر الباحث اليسوعي الأب سيكينغ Siking، هي عقبة في طريق النّمّو الوطنيّ للدّولة [20].

الدّستور اللبنانيّ وإلغاء الطّائفيّة

يعرف القاصي والدّاني كم تألّم لبنان بسبب الطّائفيّة. ذلك “المرض المخيف، الواجب التّخلّص منه، بالنّسبة إلى البعض. فخلال اجتماعات الطّائف (30 أيلول – 24 ت1، 1989) التي وضعت حدّا لحرب لبنان، استطاع بعض النّواب اللّبنانيّين إدراج مشروع إلغاء الطّائفيّة السّياسيّة في نصّ الإتّفاقيّة. لكنّ صياغة هذا الأمر على ما يبدو في  المـــادة 95 من الدّستور لم تكن واضحة كلّ الوضوح؛ ففيما تذكر المادّة أنّ على مجلس النّوّاب اتّخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق “إلغاء الطّائفيّة السّياسيّة” وفق خطّة مرحليّة وتأليف هيئة وطنيّة برئاسة رئيس الجمهوريّة، تضمّ بالإضافة الى رئيس مجلس النّوّاب ورئيس مجلس الوزراء شخصيّات سياسيّة وفكريّة واجتماعيّة، سرعان ما تتحدّث في السّياق عينه، عن مهمّة الهيئة المذكورة في دراسة واقتراح الطّرق الكفيلة بغية “إلغاء الطّائفية” وتقديمها إلى مجلسي النّوّاب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطّة المرحليّة؛ حتّى أصبح الأمر بذلك هدفا وطنيّا.  فهذا تناقض مقصود أو غير مقصود، أو أقلّه غموض يجب إيضاحه، لأنّ “إلغاء الطّائفية السّياسيّة” أمر، و”إلغاء الطّائفيّة” بالمطلق، أمر آخر. ثمّة بَون شاسع بينهما؛ فالطّائفيّة السّياسيّة تشمل توزيع الوظائف السّياسيّة في الدّولة، وإلغاؤها أشبه بالعلمانيّة السّياسيّة، فيما الطّائفيّة هي انتماء إنسانيّ دينيّ اجتماعيّ، وإلغاؤها يحاكي نظريّة العلمانيّة الشّاملة. لذا، تضعنا هذه المادّة، أمام إشكاليّة جديدة في النّصّ الذي يبدو في صيغته الحاليّة موضوع التباس وتأويل ونقاش، كذلك في الفقرة الثّانية التي تتكلّم على ما يسمّى بالمرحلة الانتقاليّة. إنّها ثغرة يكتنفها التّناقض والغموض، نظير غيرها من الثّغرات التي تجب مناقشتها وتعديلها حسب اعتقادنا، في أوّل فرصة سانحة لذلك.     

خاتمة

إنّ مشروع إلغاء الطّائفيّة السّياسيّة كما حاولنا أن نثبت، يبدو حتّى السّاعة غير واضح المعالم والنّتائج، على المستويين النّظريّ والعمليّ.

كما أنّ المجتمع اللبنانيّ غير مستعدّ بعد لقبول هكذا مشروع. هذا لا يعني أنّه يحقّ للطّوائف، بخلق حالة اجتماعيّة مَرَضيّة في الوطن، تتجسّد في ما يسمّى بالتجّمعات المصلحيّة Associationts par intérêt.

أمّا في حال إجماع اللبنانيّين في المستقبل على تبنّي هكذا مشروع، فإنّ الأجدر بهم إذّاك أن يختاروا نظام العلمنة الإيجابيّة التي هي على قاب قوسين من إلغاء الطّائفيّة السّياسيّة؛ فالعلمنة الإيجابيّة هذه، تجعل جميع المواطنين سواسية أمام كلّ القوانين المدنيّة، وتلغي الطّائفيّة السّياسيّة والاجتماعيّة والقانونيّة والثّقافيّة… وليس في الأمور التي تتعلّق بالوظائف السّياسيّة والإدارات فحسْب، لأنّ هذه الأخيرة في حال إلغاء الطّائفيّة السّياسيّة وحدها، قد تصبح عرضة لسيطرة الطّوائف الأكثر عددا، فننتقل بذلك من السّيّئ إلى الأسوأ، ممّا يسبّب خللا كبيرا في طبيعة وطن الرّسالة وميثاق العيش المشترك.

مراجع

14 — راجع، غريغوار حدّاد، العلمانيّة الشّاملة، 2000، ص. 42-43.

15 — Cf. F. Azar, Construction identitaire …, p. 177.

 16 — راجع إيلي نعيم ماضي، في سبيل العلمنة، 1976، ص.
99.

17 — راجع، غريغوار حدّاد، البابا ولبنان، لبنان، 1998، ص. 161.

18 — Cf. R. Benedicty, Société civile et communauté religieuse, Beyrouth 1986, pp. 91-96.

19 — Cf. L. H. De Bar, Les Caummunautés confessionnelles du Liban, Paris 1983, p. 15.

20 — Cf. T. Siking, Religion et Développement, Beyrouth, pp. 28-29

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير