استراليا، الجمعة 5 فبراير 2009 (Zenit.org). – احتفلت أبرشية الروم الملكيين الكاثوليك في 2 فبراير من هذا العام وهو عيد دخول سيدنا وربنا يسوع المسيح إلى الهيكل برسامة كاهنين جديدين هما أنور خوري وايلي فرنسيس على مذابح أبرشية الملاك ميخائيل للروم الملكيين الكاثوليك في أستراليا ونيوزيلندا ورسامة شماس مساعد هو برنارد توتنجي.

في تمام الساعة السادسة والنصف غصت كنيسة القديس يوحنا الحبيب بالمؤمنات والمؤمنين الذين توافدوا إليها من كل أنحاء سيدني للمشاركة في هذا الاحتفال.

تراس الاحتفال بالذبيحة الإلهية سيادة راعي الأبرشية المطران عصام يوحنا درويش وشاركه بالصلاة لفيف من الكهنة وممثلين عن الطوائف المسيحية الأخرى وقاد الجوقة الأرشمندريت بول عبدالله صايغ. بعد الاحتفال قامت سيدات رعيتي القديس يوحنا والنبي الياس بتنظيم حفل كوكتيل في هول المطرانية على شرف الكاهنين الجديدين والشماس المساعد.

أثناء القداس الإلهي ألقى المطران عصام يوحنا درويش العظة التالية

أيها الأخوات والأخوة الأحباء

منذ أسبوعين دُعيت لتناول طعام الغداء في مطعم شرقي مع بعض الأصدقاء ولمّا انتهينا استوقفتني فتاة تعمل في المطعم يتدلى من عنقها صليب وعلى يدها وشم كتب عليه: "يسوع المسيح". سألتني منذ كم سنة أنت كاهن؟ فقلت لها: منذ ثمان وثلاثينسنة، فتجرأت وسألت هل أنت فرح في كهنوتك فقلت لها دون تردد: السعادة تغمرني والفرح يملأ قلبي منذ ثمان وثلاثين سنة. استوقفتني برهة ونادت شابا يعمل نادلا في المطعم ليسمع الحديث وأضافت: هل هناك شباب يريدون أن يصيروا كهنة في هذه الأيام الصعبة؟ عرفت ما يجول في خاطرها وبدأت أشرح لها بأن المسيح لن يترك كنيسته وسيرسل دوما كهنة يكملون عمل الرسل الذين اختارهم يسوع؛ والكاهن في تقليدنا الشرقي إما أن يكون عازبًا أو متزوجا وبأن هؤلاء الكهنة المتزوجين هم الذين حافظوا على إيماننا في الشرق إبّان اضطهاد المسيحيين عبر تاريخنا. في نهاية شرحي الذي استفضّت فيه في التحدث عن رسالة وجمال الكهنوت قالت الفتاة: لمأكن أعرف كم هو دور الكاهن مهم في الكنيسة ولا سيّما دور الكاهن المتزوج، فليتبارك اسم يسوع.

حكيت لكم هذه الحادثة لأقول لكم مدى رغبة الشبيبة في رؤية كهنة شباب يخدمونهم ويقدمون لهم يسوع المخلص، الوحيد القادر أن يتجاوب مع  طموحاتهم ويملأ فراغ قلوبهم، ولكي أعرب عن فرحي وفرح أخوتي الكهنة وفرح الأبرشية في رسامة كهنة وشمامسة لخدمة الكنيسة وخدمة أبرشيتنا المقدسة.

أريد اليوم أن أشكر الله معكم، من أجل نعمة الكهنوت التي منحنا إياها نحن الكهنة، ولاسيّما في هذه السنة التي كرسها قداسة البابا للكهنة. إن قلبي يتجه اليوم إلى كل كهنة أبرشيتنا في أستراليا ونيوزيلندا، أبارك تضحياتهم وعملهم الرعوي وأحثهم على أن يتجددوا روحيا فيأتوا بثمار طيبة في عملهم الرعوي.

أيها الشماسان أنور وايلي

إن رسامة الكاهن حدث مهم في حياة الكنيسة، يدعو دوما إلى الفرح والبهجة. فالكاهن يقضي سنوات كثيرة في الدراسة والتحضير والخبرة، يتهيأ خلالها ليصير خادما للبشارة وخادما للمحبة وراعيا لنفوس المؤمنين. أنتما اليوم تقطفان ثمرة جهادكما وثباتكما. لذلك أذكّركما بما قاله بولس الرسول إلى تلميذه طيموتاوس:

"أنبهك على أن تحيي الهبة التي جعل الله لك بوضع يَدي. إن الله لم يعطنا روح الخوف، بل روح القوة والمحبة والفطنة" (2طي1/6). وأنا بدوري أدعوكما أن تُنميا في حياتكما هذه الفضائل:

أولا: روح القوة

الكاهن الجديد مثلي أنا ومثل كل الكهنة غير مستحق لنعمة الكهنوت، فالله يختاره ضعيفا، لا شأن له، ليخزي الحكماء والأقوياء وأصحاب الشأن "كي لا يستند إيمانكم إلى حكمة الناس، بل إلى قدرة الله" (1كور2/5). وهو يستمد قوته من الروح القدس الساكن فيه والذي يصنع من تعبه وجهده وصلاته مستودعا من القوة فلا يكون الكاهن قويا بقوة شخصيته ولا بجماله ولا بماله ولا بعلمه، الكاهن قوي لأنّ الرب معه ولأنه مع الرب وفي كل مرة يشعر بضعفه وتقصيره يمتلك الرب وفي كل مرة يشعر أنه وحيد وغريب عن هذا العالم يشعر أنه قوي لأن الرب هو قوته.

ثانيا: روح المحبة

عندما جاء الشاب الغني إلى يسوع يسأله ماذا عليه أن يفعل ليرث الحياة الأبدية، نظر إليه يسوع وأحبه. إن نظرة الحب هذه لم تكن بسبب رغبة الشاب بمجادلة يسوع أو بتجربته، بل لأن يسوع وجد فيه باحثا بجدية عن مصيره وعن رسالته.

المسيح ينظر اليوم بحب كبير إلى الكاهنين الجديدين ويطلب منهما أن ينظرا بدورهما إلى الآخرين بِمثلِ حب يسوع ونظرته. فالكاهن مثله مثل كل مسيحي لا يمكنه أن يعُبرَ إلى حب يسوع بدون المرور بحب الآخر. هذه المحبة هي محبة خادمة، متواضعة، صابرة، لطيفة ووديعة. والكاهن إن لم يحب أخاه بهذه المحبة فهو لم يعرف المسيح بعد وكهنوته مهما سما لن يفيده بشيء لخلاصه إن لم تكن المحبة كاملة فيه.

ثالثا: روح الفطنة

الكاهن مدعو ليتمتع بروح الفطنة، فهو من العالم ولكنه أيضا ليس من هذا العالم كما يعلمنا السيد المسيح. إنه يتألم مع المتألمين ويفرح مع الفرحين، لكنه أيضا يعرف أنه ترك كل شيء ليكون مع المسيح. البابا غريغوريوس كان يؤمن بأن "إدارة النفوس هي فن الفنون". لذلك على الكاهن أن يكون طبيب النفوس، يغار على خلاصها وهذا كله يتطلب حكمة وفطنة في التعامل مع الناس.

بهذه الكلمات أتوجه إليكما أيها الشماسان، المزمعان أن ترتسما خلال هذه الذبيحة الإلهية كاهنين على مذابح أبرشيتنا المباركة من الله. وأدعوكما أن تسمعا اليوم أكثر من أي وقت آخر، كلمات يسوع التي وجهها لبطرس: "لا تخف" إن إيماننا بيسوع المسيح يبعد عنا روح الخوف، لأننا معه ندخل في مدار النور الذي لا يغرب ومن كان في نور الله لا يخاف.

أدعوكما أيضا لتكونا مبشرين بيسوع المسيح المخلص الذي تجسد ومات وقام من بين الأموات، ولتكن بشارتكما من خلال سر الافخارستيا لأن مهمتكما الأولى هي أن تحملا يسوع وتقدماه للناس، فالقربان المقدس هو حياة الكاهن وحياة المؤمن. إن أساس دعوتكما هي الافخارستيا وبدونها لن يكون هناك كهنوت. أريدكما أن تتمتعا بحماسة كبيرة وتقوى عميقة وأخلاق مسيحية سامية، وأن تدافعا بحماسة، بمثلكما وحياتكما ووعظكما، عن إيمانكما وكرامة الكهنوت. أدعوكما أيضا إلى أن تكونا كاهني التوبة، فالروح القدس يعطيكما بالرسامة نعمة لتعيدا النقاوة إلى القلوب والقوة لتهدما العداوة بين البشر، وصلابة لتبنيا جسور المحبة بينهم وفطنة لتفتحا قلوب الناس فيدخل إليها نور المسيح. كما أدعوكما لتتخذا دوما العذراء مريم أما لكما لأنها أم لجميع الكهنة والمحامية عنهم.

كما أعرب عن سعادتي بإعطاء بركة الشماس الرسائلي لولدنا برنارد توتنجي، على أمل أن تكون هذه البركة خطوة أولى نحو التكريس الكامل لخدمة يسوع وكنيسته.  إن مستقبل كنيستنا في أستراليا هي بين أيدي دعوات نشأت في هذا البلد كي يدمجوها في حضارته وثقافته وفي الوقت عينه يحافظون بأمانة وصدق وقوة على هوية كنيستهم.

أشكر كل الذين رافقوا  أخوتنا المرتسمين الثلاثة ليصلوا إلى هذه الدرجة السامية: الأهل والأقارب والأصدقاء والكهنة والمعلمين.

الشكر لله لأنه قاد الكاهنين الجديدين أنور وايلي والشماس برنارد إلى المذبح.

لكم جميعا أيها الأخوات والأخوة سلام الرب ونعمته. آمين