بقلم طوني عساف
الفاتيكان، الخميس 4 فبراير 2010 (zenit.org). – قدمت اليوم في دار الصحافة الفاتيكانية رسالة البابا بندكتس السادس عشر لمناسبة الصوم الكبير 2010، بعنوان “”قد ظهر بر الله وطريقه الإيمان بيسوع المسيح”، سلط فيها البابا الضوء على العدالة بمفهوميها الإلهي والبشري.
قسم البابا الرسالة الى أربعة أقسام، تحدث في كل منها عن مفهوم معين للعدالة إنطلاقاً من التعريف بها ووصولاً الى الاساس “المسيح هو بر الله”.
في القسم الأول، العدالة، إعطاء كل شخص ما هو له، قال البابا أنه لا يمكن لقانون بشري أن يفي الإنسان حقه، لأن مبدأ العدالة “التوزيعية” لا يكفي ليمنح الإنسان ما يحتاجه، وتساءل قداسته بلسان أغسطينوس: إذا “كانت العدالة تلك الفضيلة التي تعطي كل واحد ما هو له… فأين إذن عدالة الإنسان، عندما يهجر الإله الحقيقي؟”
ما هو سبب الظلم؟ في القسم الثاني يوجه البابا أنظار الجميع الى حقيقية أنه لا يمكننا أن نربط الظلم بأسباب خارجية لا تبت بصلة للإنسان. “ما يخرج من الإنسان هو الذي ينجس الإنسان، لأنه من باطن الإنسان، من قلبه، تنبعث المقاصد السيئة”. ” إن مصدر الظلم، ليس محصوراً بجذور خارجية؛ إن أصله يكمن في القلب البشري”.
هذا الظلم النابع من قلب الإنسان مرتبط، بالنسبة لبندكتس السادس عشر، بالأنانية؛ فآدم وحواء قلبا المقاييس واستبدلا منطق الثقة بالمحبة بمنطق الشك والمنافسة؛ منطق القبول بثقة من الآخر بمنطق الاستيلاء والعمل الانفرادي. ويبقى السؤال: ” كيف يمكن للإنسان أن يحرر نفسه من هذا التأثير الأناني ويفتح ذاته للمحبة؟”
سؤال مهد البابا للإجابة عليه في القسم الثالث العدالة والاستقامة، وأكمل الإجابة في القسم الرابع، المسيح، بر الله.
كلمة عدالة، والمشار إليها في العبرية بكلمة Sedaqah أي الإستقامة “تعني من جهة القبول التام لإرادة إله إسرائيل؛ ومن جهة أخرى، المساواة في العلاقة مع القريب”. ومن هذا المنطلق شرح البابا أنه لا بد من وجود تبادل في العلاقة بين الله والإنسان. الله يسمع صراخ الإنسان ولكنه يطلب من الإنسان أن يصغي إليه وأن يعتني “بالفقير والغريب واليتيم والأرملة”. “للدخول في منطق العدالة – تابع البابا – لا بد من التخلي عن وهم الإكتفاء الذاتي، حالة القوقعة العميقة، التي هي أصل الظلم بالذات… هل هناك إذن من أمل للإنسان بالعدالة؟
العدالة التي يتكلم عنها البابا في القسم الرابع والتي تجيب على التساؤلات المطروحة هي عدالة المسيح، العدالة الآتية من النعمة. منطق الله يختلف منطلق البشر وبالتالي من الصعب للإنسان أن يفهم أن “ما يحرر الإنسان من ثقل أخطائه ليست تقادمه، بل عمل الله المحب الذي يفتح ذاته الى النهاية، لدرجة أنه يضع في نفسه “لعنة” الإنسان، ليمنح بالمقابل البركة للإنسان”؛ الأمر الذي يثير اعتراضاً فورياً: “أي نوع من العدالة هذه، حيث يموت الصدّيق لأجل المذنب، والمذنب ينال بالمقابل البركة التي من حق الصدّيق؟ ألا يعني ذلك ان كل واحد ينال بعكس “ما هو له”؟”
السر بالنسبة لبندكتس السادس عشر يكمن في التوبة الى المسيح، في الخروج من وهم الاكتفاء الذاتي بغية أن يكتشف الإنسان ويقبل حاجته – الحاجة الى الآخر ، الحاجة الى الله، الى غفرانه وصداقته”… التواضع ضروري لأقبل أنني أحتاج الى آخر ليحررني من “ما هو لي”، ليمنحي بمجانية “ما هو له”. هذا هو مبدأ العدالة الذي من خلاله وانطلاقاً منه، دعا البابا المسيحيين، في ختام رسالته، الى “بناء مجتمعات عادلة، حيث يحصل الجميع على ما هو ضروري للعيش بكرامة تليق بالشخص البشري وحيث العدالة تغذيها المحبة”.