قلعة حلب، سوريا، الثلاثاء 9 فبراير 2010 (zenit.org). – ننشر في ما يلي كلمة المطران يوسف أنيس أبي عاد، رئيس أساقفة حلب وتوابعها على الموارنة، في معرض “في ديار مار مارون” الخاصّ بمنطقة براد وأماكن مار مارون.
– فخامة الرئيس اللبناني السابق العماد إميل لحّود
– دولة الرئيس العماد ميشال عون
– معالي الوزير السابق سليمان فرنجيّة
– سعادة السفير البابوي ماريو زيناري
– السادة السفراء والرسميون ورجال الدين وممثّلو الفعّاليّات المختلفة في سورية وخارجها
إنّه يوم مبارَك، إذ يطلّ علينا عيد مار مارون ونحن تلقاء مشاهد ولوحاتٍ متفرّدة، تحكي حكايات التاريخ من ينابيعه وبأدقّ تفاصيله، لنسمعها في الموقع الأهمّ من مدينة حلب، وأعني قلعتها، وقاعة العرش بالذات، الغنيّة أيضاً بمعالمها التراثيّة وبهذا الجَمال الذي يتألّق فيها.
حكايات التاريخ التي سوف نسمعها من هذا المعرض تنبع من هذه الأرض، من سورية الشماليّة التابعة كنسياً لأبرشيّة حلب. حيث هنا عاش مارون، ومات ودُفن، في رائحة القداسة، بعد أن جذب إليه تعالى، تلاميذ كثيرين، حذوا حذوه، ناشدين حياة النسك في العزلة والتأمّل والصلاة. ثمّ انتقلوا في منتصف القرن الخامس إلى نواحي مدينة أفاميا وبنوا لهم ديراً كبيراً. وأصبحت لهم بطريركيّة في أواخر القرن السابع، هي “بطريركيّة أنطاكية وسائر المشرق للموارنة”.. ثمّ ذهبوا منها، على دفعات، حتّى منتصف القرن العاشر إلى لبنان.. لكنّ وجودهم لم ينقطع في حلب والمدن السوريّة وأرجائها.
وإذا كان على العالم كلّه أن يعرف أنّه “يعود إلى الكنيسة السوريّة منذ القديم، شرف بدء
الاحتفال بموت نسّاكها المتوفّين برائحة القداسة، حيث إنّ القدّيس مارون كُرِّم في سورية الشماليّة، منذ بداية القرن الخامس، بعبادة علنيّة”، فإنّه لَمِن واجبنا الإيماني والتاريخي – نحن أبناء الحاضر – أن نعود إلى الجذور، ونقرأ في السطور، لنكتشف مجدّداً قداسة هذه الأرض الطاهرة.
800 (ثمانمئة) بلدة وقرية تمتدّ مساحتها إلى 5500 كم2. وكنائس وأديار جاوز عددها الألفين ما بين معبد وكنيسة. وأبراج لا تُحصى للنسّاك. وأعمدة للعموديين.. كلّها في بقعة واسعة موزّعة على خمسة جبال من الكتلة الكلسيّة. أقام فيها المسيحيون زهاء 500 سنة، حول أديار الرهبان وصوامع النسّاك الذين “قدّسوا الأرض وتقدّسوا بها”.
ولقد كرّمت هذه الديار قدّيسها مارون غداة رقاده. فبنت له المدفن الفخم، الذي لم يُبنَ نظيره قبلاً، إلى جوار واحدة من كبريات الكنائس في المنطقة هي كنيسة جوليانس في براد. وكانت له الأعياد الاحتفاليّة المتميّزة والحجّ الكثيف طلباً للبَرَكة والشفاء.
وإنّنا إذا ما اجتمعنا اليوم إخوة، مسيحيين ومسلمين، معجبين بما نرى ونعاين، ذلك أنّ روحانية هذا النوع من العبادة المثلى، تعود لتنبض في قلوبنا المتآلفة، التي يزداد تآلفها مُكنةً هذه الأيّام، التي فيها تُبنى في هذا الوطن الغالي سورية، وفي لبنان العزيز، والشرق، كما في أمكنة عديدة من العالم، حوارات صادقة تساهم في إعلاء شأن إنساننا، وترسُّخه في الإيمان وتزيينه بالمحاسن الأخلاقيّة والفضائل الحميدة.
وإنّنا من هذه الأرض السوريّة الطيّبة نشهد بأنّ الأخوّة في هذا الوطن العزيز ليست كلمة جوفاء، بل هي حقيقة راهنة يحياها جميع المواطنين وفي جميع مناحي الحياة.
كما أنّنا بفيض من الشُكر والعرفان نقدّر هذه العاطفة السامية التي يغمرنا بها سيادة الرئيس المحبوب الدكتور بشّار الأسد. لقد أظهر سيادته الاهتمام البالغ منذ أوّل يوم عرف فيه مشروعنا في إظهار أماكن مار مارون، في سعي نبيل منه إلى إبراز معالمنا الأثريّة وإرثها التاريخي الثمين، وتشجيع السياحة الدينية، وتمتين عرى الألفة والتحابّ بين أبناء هذا الوطن الحبيب، وتقديم شهادة حياتيّة حيّة تذيع في المسكونة كلّها.
ولا يزال سيادته يتابع ما يتحقّق من أعمال، بعناية فائقة، تكريماً لمار مارون وأبنائه الموارنة. فلسيادته منّا جزيل الشكر والتقدير، والدعاء الخالص من أجل أن يكلّل تعالى، بشفاعة مار مارون، بالتوفيق والنجاح، مواقفه المبدئية، وجهوده الرامية إلى إحلال السلام في المنطقة، ورفع الظلم والطغيان، وزرع الدفء في القلوب، والاستقرار في النفوس.
ومع ترحيبنا الحارّ بفخامة الرئيس إميل لحّود ودولة الرئيس ميشال عون ومعالي الوزير سليمان فرنجيّة وبصحبهم الكرام، وبسعادة السفير البابوي بدمشق المطران ماريو زيناري، ممثّلاً قداسة البابا بندكتُس السادس عشر – وإنّنا نسأله أن ينقل إليه تحيّاتنا وشكرنا ومحبّتنا – اسمحوا لنا أن نشكر مجدّداً، كلّ جهة، وكلّ جهد، وكلّ شخص على اختلاف موقعه، ساهم معنا في مسيرة إحياء أماكن مار مارون، فهيّأ، ونظّم، وبنى، واعتنى، وآزر، وزار، وهنّأ.. وما إلى ذلك من بادرات مشكورة.
فلتبقَ مئويّة مار مارون السادسة عشرة، على امتداد سنة تذكاريّة هي الأُولى من نوعها في التاريخ الماروني، فلتبقَ هذه المئويّة لقاءً حقيقياً يستلهم ماضينا، ليرسّخ حاضرنا وحضورنا، عنواناً من عناوين الحضارة الإنسانيّة على مرّ السنين.
شكراً لكم.
المطران يوسف أنيس أبي عاد
رئيس أساقفة حلب وتوابعها على الموارنة