بقلم إميل أمين
القاهرة، الجمعة 12 فبراير 2010 (zenit.org).– مما لا شك فيه أن الأحداث الأخيرة التي جرت في مصر سيما حادث نجع حمادي الذي راح ضحيته عدد من المسيحيين الأقباط، قد فرض نفسه على ساحة النقاش العام والخاص داخل مصر وخارجها، وخاصة لجهة التعايش المسيحي الإسلامي في مصر. في هذا السياق أجرت وكالة زينيت مقابلة مع الدكتور أحمد الطيب، رئيس جامعة الأزهر. الطيب، وفي تصريح له مؤخراً، قال أن الحوار بين الأديان “تحول الى مجاملات وبروتوكولات لا فائدة حقيقية من وراءها.
زينيت: الى أين تمضي علاقة الأقباط والمسلمين في مصر، سيما بعد حادث نجع حمادي الأخير ؟
الطيب: في تقديري انه لو تركت هذه العلاقة تسير على طبيعتها الدينية والتاريخية لما حدث شيء من الحوادث المعكرة للصفو العام وفي هذا الإيجاز إشارات عديدة لا تخفى على احد. واعني بذلك أنه لو انتفى التدخل الخارجي واستغلاله للبسطاء والسذج من مسلمي مصر ومسيحييها، ولو تركت الأمور تسير على منوالها التاريخي الطبيعي الذي ترسخ منذ أربعة عشر قرنا لما شاهدنا مثل تلك الأحداث التي جرت مؤخرا والتاريخ خير شاهد واصدق دليل على ما نقوله .
زينيت: حادث نجع حمادي هل كان حادثاً طائفياً دينياً بين مسلمي مصر ومسيحييها ؟
الطيب: لم يكن حادثاً طائفياً أبداً. الذين اقترفوا هذا الجريمة أناس لا يصلون ولا يصومون وغير ملتحين ولا ينتمون لجماعات دينية معينة. هولاء أناس ربما لا يعرفون من الإسلام إلا اسمه. ما حدث بالضبط هو فعل مستفز الى أقصى حدود الاستفزاز ورد فعل وحشي الى أقصى حدود الوحشية.
زينيت: لماذا يرى كثير من الأقباط أن مواطنتهم باتت منقوصة في العقود الأخيرة؟
الطيب: اعتقد أن هذا ادعاء مراد من وراءه ضرب الاستقرار في مصر، هذه هي خطة النظام الأمريكي منذ عهد بوش ، إعادة تشكيل خريطة المنطقة عن طريق الفوضى الخلاقة بدليل أنهم مثلا يضربون المسلمين فيما بينهم شيعة وسنة .. هل سمعت أن المسلمين طوال أربعة عشر قرن في مصر وخارجها يتصارعون ويتقاتلون فيما بينهم كما يحدث اليوم؟ بل انظر الى أوضاع الكنيسة الأرثوذكسية المصرية المستقرة منذ عشرين قرنا. هناك من يحاول تقسيم الكنيسة المصرية.
زينيت: ماذا عن موقف الإسلام من الأديان عامة ومن المسيحيين على نحو خاص؟
الطيب: الإسلام الحقيقي هو الضمان الحقيقي للتقدم في الحياة الاجتماعية الصحيحة، ولقبول الآخر ولإعطائه حقوقه، الإسلام الصحيح لا العادات والتقاليد التي تأسلمت وأصبحت تحكم المسلمين مثل اللحية والعباءة . أنا ارجع دائما للقرآن والسنة وموقف النبي من كل الأديان وخاصة المسيحية، وهذا واضح تماما الوضوح في الآية القرآنية ” ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى” ومعنى هذا انه كل ما ارتبط المسلمون في مجتمعاتهم بشريعة الإسلام الحقيقية كلما استراح غيرهم تماما واخذوا حقوقهم كاملة .
زينيت: البعض يرى أن الصراع العربي الإسرائيلي يغذي التيارات الإسلامية الأصولية، والبعض الأخر يشير الى أن الإسلام بات اليوم مختطفا من قبل الأصوليين … ما رأيكم في هذا التقابل الفكري ؟
الطيب: اتفق في نصف المقولة الأولى وافترق في النصف الأخر .
فيما يخص الجزء الأول أقول نعم لكل فعل رد فعل، قوانين الطبيعة تخبرنا بذلك ، لدينا ضغوطات وأوضاع مؤلمة كان لا بد لها أن تنفجر، لكن هذا لا يعني أن الإسلام بات مختصراً أو مختزلا في التيارات السلفية أو الأصولية، هذا ما يراد له أن يكون من قبل تيارات غربية بعينها تحاول أن تصور الإسلام على انه دين بربري والمسلمين على أنهم همج وبرابرة . وفي هذا السياق أقول إن تاريخ الشعوب المسيحية فيها من الصراعات الكثيرة داخليا، ومع ذلك لم نتهمهم أو نختزل المسيحية ورسالة السيد المسيح عليه السلام في نطاق إيديولوجي معين .
ومن هنا أقول أن علاقتنا بالمسيحية لا تسمح لنا باتهامها لكن من سوء حظنا أن الآخرين لا تحكم نظرتهم للإسلام هذه النظرة المقدسة التي توجد عندنا .
وعليه أقول إذا كنت ستختزل الإسلام في الراديكالية إذن عليك أن تختصر المسيحية أيضا في مثل هذه الحركات وتختصر كذلك اليهودية فيما هو جاري منها وما سيجري طالما بقي الاحتلال .
زينيت: في تقديركم ما هو الفارق بين المقاومة المشروعة والإرهاب المذموم ولماذا جرى الخلط بينهما مؤخرا ؟
الطيب: لا يمكن أن ترى عورة الحضارة الغربية إلا إذا كنت شرقيا مسلما أو مسيحيا. الإرهاب مصطلح لا مفهوم له، وبحسب المنطق الأرسطي يصنف ضمن العناوين الخاطئة لأنه لا مفهوم له، ولا تحديد لملامحه، بل هو عبارة عن عباءة يلبسونها للمقاومة فتصير إرهابا، يلبسونها للمقتول المعتدى عليه فيصير إرهابي، يلبسونها للمجرم فيصير بريئاً.
نحن أمام سفسطة للمفاهيم من قبل السفسطائيين الجدد، تماما مثل القدامى الذين افرزوا أرسطو في الماضي ولذلك نحن في حاجة الى أرسطو جديد يقول لنا ما هي هوية تلك المفاهيم الحديثة .
زينيت: مؤخرا كان لكم تصريح بشأن ” حوارات الأديان ” وكيف أنها تحولت الى مجاملات وبروتوكولات لا فائدة حقيقية من وراءها … هل لازلتم عند هذا الرأي؟
الطيب: الكثير منها كذلك فعلاً ، لأننا نتحدث فيما بيننا، وآثار هذه الحوارات المتوقعة على الأقل لا تنزل الى الشارع ولا يفهمها الناس، نذهب ونقيم في أفخم الفنادق وهناك تلقى الكلمات العميقة وأنا شخصياً تحدثت كثيراً، ول
هذا أقول لو أن تلك الأموال وجهت لمنتجات أو أعمال فنية مشتركة لربما كان الأمر أجدى .
زينيت: كيف ترون احتدام الجدل حول الحجاب في أوروبا بشكل عام ؟
الطيب: أرى أن الحجاب موضوع مفتعل يدخل ضمن دائرة الفتن. المسلمات كن موجودات في العالم كله، اليوم فقط اكتشف الأوربيون أن الحجاب يمثل إشكالية في الغرب .
على انه كون فرنسا تقول أن احرم هذا أو ذاك فهذا يصطدم صراحة مع المبدأ المعلن هناك وهو الحرية الشخصية لكن في نفس الوقت أقول انه إذا اعتبر الفرنسيون أن الحجاب يصدم حضارتهم أو انه مظهر مناف لحضارتهم التي يخافون عليها فهذا من حقهم وأنا لا أصادر على الناس وفي تقديري أن الحجاب ليس فريضة ولا واجب ولا سنه وإنما هو أمر مباح .
زينيت: الرئيس أوباما وبعد عام في السلطة هل قرب المسافة بين المسلمين والأمريكيين على نحو خاص ؟
الطيب: حتى الآن لا نرى طحناً، ربما الرجل لديه نية طيبة، لكن السياقات لا تجرى كما يريد، هو بالفعل جاء مخلصاً كما لمسنا في كلامه، رجل يريد أن يجيء السلام للعالم لكن الأمر ليس باليسير .
زينيت: متى سيدرس المسيحيون في جامعة الأزهر ؟
الطيب: بصراحة شديدة ، جامعة الأزهر مهمتها الأولى الحفاظ على التراث الإسلامي وعقائده أو العلوم التي نشأت حول الإسلام ، وبقانونها لا بد لمن يدخل جامعة الأزهر أن يكون قد مر عبر تسع سنوات في التعليم الأزهري، ويعنى هذا أن المسلمين الخلص مثل محمد واحمد وعلي إذا جاؤوا من التعليم العام وليس الأزهري لا يستطيعون الدخول للدراسة في الأزهر لأنهم يفتقدوا الشروط الرئيسية من دراسة لأصول الدين واللغة العربية وهذا ينفي عن الأزهر شبهة التمييز .
زينيت: هل أنت متفائل أم متشائم بشأن علاقات أتباع الأديان في قادمات الأيام ؟
الطيب: أنا متشائم طالما الفتنة الخارجية تعبث بالأديان وطالما وجدت برلمانات لها وجهان احدهما غربي ديمقراطي عندما يتعاملون مع بعضهم البعض وأخر عندما يتعاطون مع الشرق فينسون قضايا الديمقراطية ويتعاملون معنا بأحادية مثيرة للعجب والغضب في نفس الوقت .