وَلَمَّا ٱحْتَشَدَ جَمْعٌ كَثِير، وَأَقْبَلَ النَّاسُ إِلَيهِ مِنْ كُلِّ مَدِينَة، خَاطَبَهُم بِمَثَل: «خَرَجَ الزَّارِعُ لِيَزْرَعَ زَرْعَهُ. وَفيمَا هُوَ يَزْرَع، وَقَعَ بَعْضُ الحَبِّ على جَانِبِ الطَّرِيق، فَدَاسَتْهُ الأَقْدَام، وَأَكَلَتْهُ طُيُورُ السَّمَاء. وَوَقَعَ بَعْضُهُ الآخَرُ عَلى الصَّخْرَة، وَمَا إِنْ نَبَتَ حَتَّى يَبِسَ، لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ رُطُوبَة. وَوَقَعَ بَعْضُهُ الآخَرُ في وَسَطِ الشَّوْك، وَنَبَتَ الشَّوكُ مَعَهُ فَخَنَقَهُ. وَوَقَعَ بَعْضُهُ الآخَرُ في الأَرْضِ الصَّالِحَة، وَنَبَتَ فَأَثْمَرَ مِئَةَ ضِعْف. قالَ يَسُوعُ هذَا، وَنَادَى: «مَنْ لَهُ أُذُنَانِ سَامِعَتَانِ فَلْيَسْمَعْ!».» وَسَأَلَهُ تَلامِيذُهُ: «مَا تُراهُ يَعْنِي هذَا المَثَل؟». فَقَال: «قَدْ أُعْطِيَ لَكُم أَنْتُم أَنْ تَعْرِفُوا أَسْرارَ مَلَكُوتِ الله. أَمَّا البَاقُونَ فَأُكلِّمُهُم باِلأَمْثَال، لِكَي يَنْظُرُوا فَلا يُبْصِرُوا، وَيَسْمَعُوا فَلا يَفْهَمُوا. وَهذَا هُوَ مَعْنَى المَثَل: أَلزَّرْعُ هُوِ كَلِمَةُ الله. والَّذِينَ عَلى جَانِبِ الطَّريقِ هُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُون، ثُمَّ يَأْتي إِبْلِيسُ فَيَنْتَزِعُ الكَلِمَةَ مِنْ قُلوبِهِم، لِئَلاَّ يُؤْمِنُوا فَيَخْلُصُوا. والَّذِينَ عَلى الصَّخْرةِ هُمُ الَّذينَ يَسْمَعُونَ الكَلِمَةَ وَيَقْبَلُونَهَا بِفَرَح؛ هؤُلاءِ لا أَصْلَ لَهُم، فَهُم يُؤْمِنُونَ إِلى حِين، وفي وَقْتِ التَّجْرِبَةِ يَتَرَاجَعُون. والَّذِي وَقَعَ في الشَّوكِ هُمُ الَّذينَ يَسْمَعُونَ وَيَمْضُون، فَتَخْنُقُهُمُ الهُمُومُ والغِنَى وَمَلَذَّاتُ الحَيَاة، فَلا يَنْضَجُ لَهُم ثَمَر. أَمَّا الَّذِي وَقَعَ في الأَرْضِ الجَيِّدَةِ فَهُمُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ الكَلِمَةَ بِقَلْبٍ جَيِّدٍ صَالِحٍ فَيَحْفَظُونَها، وَيَثبُتُونَ فَيُثْمِرُون.
تأمّل:
مِن مثل الزارع نتعلّم أنَّ اللهُ هو أبٌ لا يميّز بين شخصٍ وآخر مهما كانت حالته، وبكونه الحب اللامتناهي “فهو يُطلع بشمسه على الأشرار والصالحين ويُمطر على الأبرار والظالمين”(مت5: 45). إنَّ الله يفيض نعمتَه على الجميع دون استثناء كمثلِ سقوط الزرع في مختلف أنواع التربات: على جَانِبِ الطَّرِيق، عَلى الصَّخْرَة، في وَسَطِ الشَّوْك وفي الأَرْضِ الصَّالِحَة.
مما لا شكَّ فيه هو أنَّ الله صالحٌ ومحبّ، سخيٌ ومجّاني بعطاء نعمته يريد نمو الإنسان وخلاصه، ولكن هل يتفاعل الإنسان مع غنى النعمة والمُلقاة في تُربته فيُُثمِر ثمراً كثيراً؟ كلُّ شيء يتوقّف على نوعيّة التُربة التي في داخلنا. هناك التربة الصالحة التي تستقبل النعمة وتتفاعل معها وهناك أيضاً التربة الرديئة التي تستقبل النعمة ولكن دون أن تتفاعل كثيراً. فأي تربةٍ هي تربتُكَ؟
ما هو المعيار الذي نحدد نوعيّة تربتنا؟ فالجواب بسيط وواضح وهو الإتيان بالثمر. إنْ كانت تُربتُنا صالحة ينبتُ فيها الزرعُ ويُثمِر مئة ضعف: “وَوَقَعَ بَعْضُهُ الآخَرُ في الأَرْضِ الصَّالِحَة، وَنَبَتَ فَأَثْمَرَ مِئَةَ ضِعْف”. وإنْ كانت تُربتنا رديئة لا يثبتُ فيها الزرعُ وييبَس: “وَوَقَعَ بَعْضُهُ الآخَرُ عَلى الصَّخْرَة، وَمَا إِنْ نَبَتَ حَتَّى يَبِسَ”.
لتكن قلوبنا في هذا الصيام تُربةً تخصبُ فيها كلمة الله فتُثمرَ “ثمراً يليق بالتوبة”(مت3: 8) فنكون شهوداً، في وفرة وجودة ثمارنا، للذي اختارنا وقال لنا: “أنا اخترتكم وأقمتُكم لتذهبوا وتثمروا ويدوم ثمرُكم”(يو15: 16).