وحده الحب يؤمن ويثق

انفتاح الشخص البشري على الحب (15)

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

بقلم روبير شعيب

روما، الثلاثاء 24 أغسطس 2010 (Zenit.org). –  إن المسيح المصلوب على الجلجثة هو ذاته، ومع ذلك فقد عنى حدث صلبه أمورًا مختلفة للفريسيين، الكتبة، لقائد المائة، للص اليمين وللص اليسار، بلمجدلية، ليوحنا وبمريم. كان هناك استعداد مختلف في كل منهم، وهذا الأمر أعطى كلاً منهم خبرته الخاصة للحب الآتي من الصليب. فقائد المائة، انطلاقًا من استعداده سمع كلمة الله الأخيرة في حياته الأرضية وهتف: “كان هذا حقًا ابن الله”. صورة المسيح المائت على الصليب، المتروك من الله والذي يسلم روحه في يدي الآب بحب يؤمن ويثق، يولّد في قائد المائة الإيمان. ثقة المسيح تتولد من حبه للآب وبدوره تغذي الحب، الحب الواثق الذي يفتح عيون إيمان قائد المائة.

الإيمان قبل كل شيء هو ثقة. هو وثبة يدفعنا إليها الزخم الحيوي الذي لا يكتفي بحفنة من الأمان ليعيش بل يريد أن يغور في عباب اللقاء. توق يحثنا على تخطي نقصنا لننفتح على  ملء الآخر.

المسيح هو الإنسان الذي لا نتجرأ أن نكون، ولكن في الوقت عينه هو كل ما يتوق إليه كياننا وكل ما نبغي تحقيقه. نتوق للنظر إلى الحب المصلوب والاعتراف بأننا نجد فيه معنى وجودنا، والفداء من الوحدة، الموت والخطيئة. اعتناق “حالة القلب” هذه، كما يصفها جون هنري نيومان، هو قبول توقنا شبه الغرائزي إلى الحياة والشركة. بكلمة أسهل، هو أن نقبل أن نحب.

يعتبر القديس أغسطينوس الحب كـ “غريزة القلب”، وهو يتضمن عيون ودوافع الإيمان. يقول القديس أغسطينوس: “من يحب يرى الحب، ومن يرى الحب يرى الله، لأننا نرى ما يشابهنا”.

ويتابع القديس قائلاً: “من يؤمن بالمسيح يؤمن بطريقة أن يحبه. هذا هو معنى الإيمان بالمسيح: أن نحبه”. وتعليقًا على الآية: “ما من أحد يأتي إلي إن لم يجتذبه الآب” (يو 6، 44) يقول أغسطينوس أن الحب هو القوة التي تجذب النفس لأنه كما أن للحواس متعتها، كذلك للقلب متعته، وهذه المتعة هي الحب. فقط إذا ما أحببنا نستطيع أن نؤمن، ونستطيع أن نفهم معنى الإيمان.

الإيروس هو دليل على حاجتنا إلى الآخر. أن نقبل الإيروس يعني أن نقبل بتواضع حالتنا: أننا مخلوقات بحاجة إلى الآخر لكي نكون حقًا. من لا يعانق ضعفه وحاجته أمام الله، ويقبل أنه محبوب تمامًا كما هو، رغم ضعفه وفقره لا يستطيع أن يستسلم لحب الله له، ولا يستطيع أن يحب الله حقًا، وإذ لا يحب الله لا يستطيع أن يؤمن به أو أن يثق به.

جميلة في هذا الصدد ونبوية الكلمات التي يضعها برنانوس على لسان خوري من الأرياف: “أن نكره ذواتنا هو أمر أسهل بكثير مما نتصور. النعمة الحقة هي أن ننسى ذواتنا. ولكن إذا ما مات كل كبرياء فينا، النعمة تكون أن نحب ذواتنا بتواضع، وكأننا نحب أيًا كان من أعضاء يسوع المسيح المتألمة”. أن نحب ذواتنا تحت نظر الله يعني أننا توصلنا إلى أن نؤمن بكلمة الإنجيلي يوحنا القائل: “إذا ما وبخنا قلبنا، فالله أكبر من قلبنا” (1 يو 3، 21).

في فقرنا المطلق، وإلى جانب الديك الذي يستنكر نكراننا، هناك دومًا يسوع الذي ينظر إلينا نظرة حب تقيمنا من لجة الخطيئة والنكران. يختبر الإنسان الحب إذ يختبر أن الله يحبه أولاً (راجع 1 يو 4، 10)، وأنه يبرهن عن حبه لنا إذ “عندما كنا خطأة، مات المسيح لأجل الخطأة” (روم 5، 8). من يقبل حب الله المجنون هذا تتدفق في قلبه ينابيع العطش إلى الله، الذي جاء إلى آبارنا عطشانًا لكي يوقظ عطشنا إليه.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير