كاستل غاندولفو، الاثنين 30 أغسطس 2010 (Zenit.org). – ننشر في ما يلي الكلمة التي ألقاها قداسة البابا بندكتس السادس عشر في ساحة القصر الرسولي في كاستل غاندولفو قبيل تلاوة صلاة التبشير الملائكي نهار الأحد 29 أغسطس 2010.
* * *
أيها الإخوة والأخوات الأعزاء!
في إنجيل هذا الأحد (لو 14، 1 . 4 – 14)، نلتقي بيسوع إذ يتناول الطعام في بيت رئيس من رؤساء الفريسيين. وإذ يرى أن المدعوين يختارون الأماكن الأولى على المائدة، يخبر قصة مستوحاة من إطار وليمة عرس. ” إذا دعيت إلى عرس، فلا تجلس في المقعد الأول، فلربما دعي من هو أكرم منك، فيأتي الذي دعاك ودعاه فيقول لك: أخل الموضع لهذا… ولكن إذا دعيت فامض إلى المقعد الأخير” (لو 14، 8 – 10). لا يريد الرب أن يقدم لنا درسًا في آداب السلوك، ولا في تراتبية السلطات المختلفة. بل يشدد على نقطة حاسمة، وهي التواضع: “من رفع نفسه وُضع، ومن وضع نسه رُفع” (لو 14، 11). هذا المثل، بمعناه العميق، يجعلنا نفكر بوضع الإنسان في علاقته بالله. “المكان الأخير” يمكن أن يشكل واقع البشرية المنحطة بسبب الخطيئة، وهي حالة وحده تجسد المسيح يستطيع أن يرفعها منها. ولهذا أخد المسيح “المكان الأخير في العالم – أي الصليب – وانطلاقًا من هذا التواضع الجذري خلصنا وهو يساعدنا باستمرار” (الرسالة العامة “الله محبة”، 35).
في ختام المثل، يحض يسوع رئيس الفريسيين أن يدعو إلى وليمته لا الأصدقاء، الأهل أو الجيران الأغنياء، بل أفقر الفقراء والمهمشين، الذين ليس لديهم ما يقدمونه في المقابل (راجع لو 14، 13 – 14)، وذلك لكي تكون العطية مجانية. الجزاء الحقيقي، بالواقع، سيهب الله في النهاية “فهو يحكم العالم… ونحن نقدم له خدمتنا فقط بقدر ما نستطيع وبقدر ما يهبنا هو القوة لذلك” (الرسالة العامة “الله محبة”، 35).
فلننظر مرة أخرى إذًا إلى المسيح مثالاً للتواضع والمجانية: نتعلم منه الصبر في التجارب، الوداعة في الإهانة، الطاعة لله في الألم، بانتظار أن يقول لنا من يدعونا: “تقدم إلى الأمام يا صديقي” (راجع لو 14، 10)؛ الخير الحق، بالواقع، هو أن نكون قريبين منه.
إن القديس لويس التاسع، الذي احتفلنا بتذكراه نهار الأربعاء الماضي، طبق ما كُتب في سفر ابن سيراخ: “بقدر عظمتك صر متواضعًا، فتجد نعمة عند الرب” (3، 18). ففي وصيته الروحية لابنه يكتب القديس: “إذا أعطاك الرب غنىً، لا يجب فقط أن تحمد بتواضع، بل احرص ألا تضحي أسوأ من خلال المجد البطل، انتبه ألا تدخل في تناقض مع الله أو أن تهينه لأجل مواهبه عينها” (Acta Sanctorum Augusti 5 [1868], 546).
أيها الأصدقاء الأعزاء، نذكر اليوم أيضًا استشهاد القديس يوحنا المعمدان، أعظم أنبياء المسيح، الذي عرف أن ينكر نفسه لكي يفسح المجال للمخلص، وتألم ومات لأجل الحق. فلنطلب إليه وإلى العذراء مريم أن يقودانا في درب التواضع، لكي نضحي مستحقين للجزاء الإلهي.
* * *
نقله من الإيطالية إلى العربية روبير شعيب – وكالة زينيت العالمية (Zenit.org)
حقوق الطبع محفوظة لمكتبة النشر الفاتيكانية – 2010.