الفاتيكان، الثلاثاء 31 أغسطس 2010 (Zenit.org). – من خلال نظرة ظواهرية (فينومينولوجية) وتاريخية في آن، يمكننا أن نرى أن الكنيسة هي في آن عائق وفرصة. وهذا ما رآه لاهوتي الإكليزيولوجيا الدومينيكاني إيف كونغار (1):
هي عائق لأننا إذا ما نظرنا إلى وجه الكنيسة رأينا فيه عيوبًا تستر طهارة الحمل الذي لا عيب فيه والذي تريد الكنيسة أن تحمل بشارته.
هي عائق لأن الكنيسة تعيش أحيانًا في نسيان فادح لحيبيها الإلهي.
هي عائق لأنها تعرقل أحينًا الشوق إلى الله في نفوس يمكننا أن نصفها بالملحدين الصادقين. يقول المجمع الفاتيكاني الثاني في هذا الصدد: “يستطيع المؤمنون أن يلعبوا دورًا غير يسير في نشأة الإلحاد بمقدار ما يتجاهلون أن ينموا في الإيمان، أو لأنهم يقدمون صورة مغلوطة عن العقيدة، أو بسبب نواقص حياتهم الدينية، الأخلاقية والاجتماعية. لهذه الأسباب هم يسترون ولا يبينون وجه الله ووجه الدين الأصيل” ( الوثيقة المجمعية “فرح ورجاء”، 19).
للإلحاد المعاصر أسباب عديدة، منها موقف مسبق يرفض الله لأنه لا يشكل عائقًا لتطلعات المرء الفاسدة. ونجد بين أسباب الإلحاد الكسل الروحي والأخلاقي، فهناك من ينكر الله لمجرد أن تفكيره بالله سيدفعه إلى تغيير أسلوب حياته. هناك من هو ملحد لأنه سد آذانه على العطش إلى الله الذي يتأصل في قلبه ويمد جذورًا عميقة… ولكن، يقول المجمع الفاتيكاني الثاني، هناك نوع من الملحدين هم كذلك لأنهم لم يلتقوا بأحد يشهد لله. لأنه – كما يقول يسوع – إذا كانت الناس تمجد أبينا الذي في السماوات عندما ترى أعمالنا الصالحة، فالعكس صحيح: هناك أناس لا تعرف مجد الله لأنها لم تر أعمال المسيحيين. هناك أشخاص لن تعرف الراعي لأنها لم تر أمانة قطيعة. وهناك أناس لن تحب العريس لأنها لم تر إشعاع الحب في نظرة عروسته.
ولكن إذا ما كانت الكنيسة عائقًا حينًا، فهي تبقى غالبًا فرصة للقاء بإله يسوع المسيح، للتعرف عليه، العيش معه والاتحاد به. لدينا الكثير من خبرات القديسين الذي نشأوا وتقووا في إيمانهم بالمسيح بفضل الجماعة الكنسية. الأمثلة كثيرة جدًا، ولكن فلنذكر بعضها:
المدافع الكبير عن الإيمان المسيحي القديس الفيلسوف يوستينوس، يخبر عن مسيرته في معارج المدارس الفلسفية والحياتية في زمانه. وبعد أن ارتاد أروقة مدارس فلسفية مختلفة يقول القديس أنه أعجب بمصداقية المسيحيين والتماسك بين عقيدتهم وعيشهم، وعلاوة على ذلك كانوا يعطون الإيمان لا رغبة بربح ما، بل لكي ينال الآخر الحياة، وهذه الشهادة حملته على اعتناق المسيحية.
كذلك القديس باخوميوس أب الحياة الجماعية في مصر وفي الشرق بشكل عام. كان جنديًا وثنيًا ارتد إلى المسيحية بعد اختباره للضيافة التي قدمها المسيحيون مجانًا وبسخاء مثالي له ولجنوده.
إن شجاعة الشهداء، وطهارة العذارى، وحكمة الآباء في العصور الأولى كانت دافعًا قويًا إلى الارتداد، وسير قديسي العصور الأولى مليئة بخبرات الإرتداد حيث يرتد منفذ الحكم لدى مشاهدته الحب، الشجاعة والفرح في عيش المسيحيين لآخر لحظات حياتهم.
أقدم مثلاً آخرًا كان له أصداؤه القوية في روما في منتصف القرن العشرين: ارتداد اسرائيل ذولّي، حاخام روما. لقد اختبر ذولي شجاعة المسيحيين في عصيانهم للأوامر النازية والفاشية التي كانت تنص على تسليم كل اليهود لكي يقادوا إلى سجون الاعتقال. فلدى رؤيته كيف كان المسيحيون يخبئون اليهود بسخاء ومجانية غير مشروطة ارتد إلى الإيمان المسيحي تاركًا حاخاميته ومولدًا صدى كبيرًا في الجماعتين اليهودية والمسيحية في روما (3).
(1) Y. Congar, «La Chiesa approccio o ostacolo?», in K. Neufeld, ed., Problemi e prospettive di teologia dogmatica, Brescia 1983, 231-249.
(2) Cf. P. Sequeri, L’idea della fede. Trattato di teologia fondamentale, Milano 2002, 6.
Cf. E. Zolli, Prima dell’alba. Autobiografia autorizzata, Cinisello Balsamo 2004; J. Cabaud, Il rabbino che si arrese a Cristo. La storia di Eugenio Zolli, rabbino capo a Roma durante la seconda guerra mondiale, Cinisello Balsamo 2003