نقله من الفرنسية إلى العربية روبير شعيب – وكالة زينيت العالمية
البابا بندكتس السادس عشر يقبل أوراق اعتماد السفير السوري الجديد
الفاتيكان،الخميس 9 يونيو 2011 (ZENIT.ORG). – ننشر في ما يلي خطاب البابا بندكتس السادس عشر لدى قبوله أوراق اعتماد السفير الجديد للجمهورية العربية السورية لدى الكرسي الرسولي، السيد حسام الدين علاء.
* * *
سعادة السفير،
بفرح أستقبلكم هذا الصباح في هذا الوقت الذي تقدمون فيه أوراق اعتمادكم كسفير مميز وكامل السلطان للجمهورية العربية السورية لدى الكرسي الرسولي. لقد شئتم أن تقدموا تحيات سعادة رئيس الجمهورية، وأنا أعبر عن عميق شكري. من خلالكم أود أن أحيي ايضًا كل الشعب السوري، متمنيًا أن يستطيع العيش بسلام وأخوّة.
كما سبق وأشرتم، سعادة السفير، سوريا هي موضع عزيز وغني بالمعاني بالنسبة للمسيحيين، منذ أصل الكنيسة. فبعد لقاء المسيح القائم من الموت على طريق دمشق ببولس الذي سيضحي رسول الأمم، زيّن الكثير من القديسين تاريخ وطنكم الديني. وكثيرة هي الشهادات الأثرية للكنائس، الأديار والفسيفساء التي تعود للعصور المسيحية الأولى والتي تربطنا بأصول الكنيسة. لطالما كانت سوريا تقليديًا مثالاً في التسامح والتعايش والعلاقات المتناغمة بين المسيحيين والمسلمين، واليوم أيضًا العلاقات المسكونية وبين الأديان هي جيدة. أتمنى بحرارة أن يستمر هذا التعايش بين مختلف عناصر المجتمع الثقافية والدينية في الدولة، وأن ينمي لأجل خير الجميع، فيقوي وحدة مبينة على العدالة والتعاضد.
إلا أن هذه الوحدة لا يمكن أن تدوم إلا من خلال الاعتراف بمحورية كرامة الشخص البشري. بالواقع، “بما أنه مخلوق على صورة الله، يتمتع الفرد البشري بكرامة الشخص؛ إنه ليس مجرد شيء، بل هو شخص، قادر ان يدرك ذاته، أن يتمالك ذاته، وأن يهب ذاته بحرية وأن يدخل في شركة مع الأشخاص الآخرين” (رسالة اليوم العالمي للسلام 2007، عدد 2). طريق الوحدة والأمن لكل أمة تمر من خلال الاعتراف بكرامة كل شخص بشري. هذه الكرامة يجب أن تكون في محور كل المؤسسات، القوانين والأعمال الاجتماعية. وعليه، من الأهمية بمكان العمل من أجل الخير العام، وترجيحه على المصالح الشخصية والحزبية. يجب الاعتراف بأن درب الإصغاء والحوار والتعاون هو الوسيلة التي من خلالها تستطيع مكونات المجتمع أن تناقش وجهات نظرها وأن تحقق إجماعًا على الحقيقة المتعلقة بالقيم. وهذا الأمر سيأتي بثمار كبيرة لصالح الأشخاص والجماعات (راجع خطاب إلى الأمم المتحدة، 18 أبريل 2008).
في هذا الإطار، إن الأحداث التي طرأت في الأشهر الأخيرة في بعض دول حوض المتوسط، بما فيها سوريا، تبين عن رغبة بمستقبل أفضل في أطر الاقتصاد، العدالة، الحرية والمشاركة في الحياة العامة. تبين هذه الأحداث أيضًا عن ضرورة القيام بإصلاحات حقيقية في الحياة السياسية، الاقتصادية والاجتماعية. ومن المحبذ أن تتم هذه الإصلاحات والتطورات لا في منطق عدم التسامح أو التمييز أو الصراع، وخاصة من دون منطق العنف، بل في أطر احترام مطلق للحقيقة، للتعايش، لحقوق الأشخاص والجماعات الأساسية، وفي إطار المصالحة. يجب على هذه المبادئ أن تقود السلطات مع الأخذ بعين الاعتبار بتطلعات المجتمع المدني والمطالبات الدولية.
سعادة السفير، يسرني أن أشدد هنا على الدور الإيجابي الذي يلعبه المسيحيون في وطنكم، فكمواطنين هن يلتزمون في بناء مجتمع يستطيع الجميع أن يجدوا فيه مكانهم. لا يمكنني أن أتناسى الخدمة التي تقدمها الكنيسة الكاثوليكية في المجال الاجتماعي والتربوي، والذي يقدره الجميع. اسمحوا لي أن أحيي بشكل خاص مؤمني الجماعة الكاثوليكية، مع أساقفتهم، وأن أشجعهم لتنمية العلاقات الأخوية مع الجميع. العلاقات المعاشة يوميًا مع إخوتهم المسلمين تسلط الضوء على أهمية الحوار ما بين الأديان وعلى إمكانية العمل سوية، في أساليب عديدة، في سبيل الخير العام. فليحمل الزخم الذي جاء به سينودس الأساقفة الخاص بالشرق الأوسط ثمارًا جمة في بلدكم، لخير كل الشعب ومصالحة أصيلة بين الشعوب!
يجب إيجاد حل شامل للسماح بإحلال السلام في المنطقة. ويجب على هذا الحل ألا يؤذي مصالح أي من الجماعات المعنية، وأن يكون ثمرة تفاهم ولا ثمرة قرار أحادي مفروض بالقوة. فهذه المواقف المفروضة لا تحل شيئًا، والحلول غير الكاملة أو الأحادية هي غير كافية. علمًا بمصاعب كل الجماعات، يجب السير نحو مقاربة واعية وشاملة لا تستثني أحدًا من البحث عن حل يكون وليد المشاورات، ويأخذ بعين الاعتبار التطلعات والمصالح المشروعة لمختلف الشعوب المعنية. إن الوضع الذي عرفه الشرق الأوسط منذ سنوات عديدة قد أدى بكم إلى استقبال عدد كبير من اللاجئين، خصوصًا من العراق، ومن بينهم الكثير من المسيحيين. أشكر بحرارة الشعب السوري لسخائه.
في حين تقومون بافتتاح مهمتكم النبيلة كممثل لدى الكرسي الرسولي، أوجه إليكم، سعادة السفير، أحرّ تمنياتي لتكميل مهمتكم على أفضل ما يرام. كونوا أكيدين أنكم ستجدون دومًا لدى مساعديّ الضيافة والتفهم الذي تحتاجون. أستدعي على شخصكم الكريم، على عائلتكم ومعاونيكم، على جميع سكان سوريا، أستدعي من كل قلبي غزير البركات الإلهية.