* * *

"كونوا كاملين كما ابوكم السماوي كامل هو".(متى5: 48)

1.    في ختام رياضتنا الروحية ومجمعنا المقدس نرفع ذبيحة الشكر لله الذي رافقنا بنور كلمته، وأضاءَ بها على حياتنا الروحية ونشاطاتنا الراعوية ومسؤولياتنا الرسولية. ونشكره على إرسال روحه القدوس علينا، فقاد اعمالنا المجمعية، وألهمنا في ما توصّلنا إليه من قرارات كنسية على الصعيد التدبيري والليتورجي والراعوي. لكن الهدف الاساسي الذي نصبو إليه مع أبناء كنيستنا وبناتها في كل ذلك إنما هو كمال الشركة والمحبة، يدعو إليهما الرب في انجيل اليوم: "كونوا كاملين، كما أبوكم السماوي كامل هو": كاملين في اتحادنا الروحي بالله الواحد والثالوث عمودياً، وفي وحدتنا الكنسية والروحية والاجتماعية أفقياً، وكاملين في المحبة التي تدفعنا إلى هذه الشركة الوطيدة مع الله وفيما بيننا.

2.    لقد اختبرنا مرة جديدة قيمة صلاة شعبنا التي رافقتنا في مجمعنا المقدس هذا، كما رافقتنا عندما دخلنا عليّة انتخاب البطريرك الجديد. إننا نعرب عن شكرنا الكبير لأبناء كنيستنا وبناتها، إكليروساً وشعباً مؤمناً، على شركة الصلاة. ونحن نبادلهم اياها كل يوم. واختبرنا أيضاً  كم أن كلمة اللهكانت نوراً أساسياً لقراراتنا، ولقراءة الاحداث الجارية، ولإيجاد السبل الى تلبية النداءات والانتظارات. وإنّا نشكر من القلب حضرة مرشد الرياضة الاب مارون مبارك، المرسل اللبناني، ونتمنّى له دوام الخير والنجاح في حياته ورسالته ومسؤولياته، راجين لجمعيته الازدهار الروحي والكنسي لمجد الله وخير النفوس. واختبرنا كذلك عمل روح العنصرة الذي عضد ضعفنا وأنار عقولنا، ومكّننا من أن نقول في القرارات التي اتخذناها ما قاله الرسل القديسون في أول مجمع عقدوه في اورشليم: "لقد حسن للروح القدس ولنا" (رسل 15: 28)، وأن نقبل ما تقرَّر بروح الايمان.

في عشية عيد العنصرة، نهتف: هلمَّ أيها الروح القدس، واملأ باطن قلوب مؤمنيك! هلمَّ جدِّد وجه الارض! هلمَّ أفض علينا  جميعاً مواهبك السبع: فقِّه إيماننا والعقول بالحكمة والفهم والعلم. شدِّد رجاءنا والارادات بالمشروة والقوّة. ألهب المحبة والقلوببالتقوى ومخافة الله.

3.    لقد تدارسنا في هذا الاسبوع اوضاع كنيستنا في لبنان والشرق الاوسط وفي بلدان الانتشار، وتوقفنا عند حاجاتها الملحّة، وسنواصل التعمق فيها واتخاذ التدابير بشأنها، طيلة يومي الاثنين والاربعاء من الاسبوع الطالع، ونعود بعدها الى ابرشياتنا وبلداننا، حاملين الرجاء ومقاصد الخير والتطلع الى آفاق جديدة.

4.    وكم نتمنّى أن يلتئم المسؤولون السياسيون في لبنان، ويعقدوا، بروح الرب، مؤتمراً وطنياً جامعاً، لوضع عَقْدٍ اجتماعي جديد من وحي الميثاق الوطني، مجددين الاتكال على عناية الله، والثقة بالنفس وبعضهم ببعض، مبتعدين عن المحاور والتجاذبات الاقليمية والدولية، نابذين البرامج الآحادية والفئوية التي تسوق الشعب الى حيث لا يريد. ومن دواعي خيبات الامل تمادي المسؤولين عندنا في عدم تأليف الحكومة، وبالتالي في تعطيل عمل المؤسسات الدستورية والامعان، بقصد أو عن غير قصد، في شلّ الحياة العامة، إقتصادياً وتجارياً وسياحياً. إنَّ مسؤوليتهم لكبيرة أمام محكمة الله والضمير والتاريخ! فهل من ضمير حيّ واعٍ ومسؤول عندنا ولا يسعى إلى إيجاد صيَغ على مستوى الصلاحيات للخروج من هذه الازمة؟

5.    وذكرنا في صلواتنا اخواننا واخواتنا وابناء كنيستنا في بلدان الشرق الاوسط الذين يعانون من احداث العنف الجارية في بعضها، ويقلقون على مصيرهم ومصير أوطانهم، ويتوقون إلى الامن والاستقرار والى حلّ المشاكل المطروحة بالحوار والتفاهم والاصلاح البنّاء المنشود. ولا بدّ من التذكير بأن العنف يجلب العنف في دوامة يسقط ضحيتها الجميع. ولا تستطيع الاوطان ان تعيش بسلام وتحقق العدالة والاستقرار وطيب العيش معاً، على تنوّع الآراء والثقافات والاديان، إلا على قاعدةٍ اساس هي مركزية الشخص البشري وكرامته. أجل، بما أن الكائن البشري مخلوق على صورة الله، فإن له كرامة الشخص، ذي الحقوق الاساسية المعترف بها دولياً، وذي الواجبات العائلية والاجتماعية والوطنية. ولا يحق لأحد استخدامه أو التعاطي معه كشيء. إننا بروح التضامن نشاطر هؤلاء الاخوة والابناء تطلعاتهم الخيّرة، ونحمل بصلواتنا همومهم وقلقهم، ونلتمس من روح العنصرة أن يُنير المسؤولين بأنوار الحقيقة والعدالة والحرية والمحبة التي توطّد السلام. وصلاتنا الحارة هتاف من أعماق القلب: "أرسل روحك أيها المسيح، فيتجدَّد وجه الارض".

6.    وإنّا إذ نُحيّي إخواننا السادة الاساقفة الذين لم يتمكّنوا من المشاركة معنا بداعي السنّ والمرض، نُحيّي أيضاً كل أبناء كنيستنا وبناتها، كهنتها وشمامستها، رهبانها وراهباتها، في هذا الوطن وفي الشرق الاوسط وبلدان الانتشار، ونتمنّى لهم أياماً سعيدة، مستمطرين عليهم حلول الروح القدس في عيد عنصرته. ومعهم نرفع آيات الشكر والتسبيح للآب والابن والروح القدس الآن والى الابد، آمين.