الموصل، الجمعة 8 يونيو 2012 (ZENIT.org). – كان اليهود منذ بداية علاقتهم ومسيرتهم مع الرب، يعتبرون انفسهم شعب الله المختار، وهذا الإمتياز وضعهم أمام أعتداد كبير بالنفس، اعتبروا لأنفسهم امتيازاً وهو كونهم شعب الله وهذا الامتياز يضمن لهم، حسب ظنهم، الملكوت، وكأنه جواز سفر ضمان الحياة الأبدية… فنبذوا كل الامم التي لا تؤمن بالرب واعتبروها نجسة ودنسة لا يجوز الاقتراب منها او التعامل معها… وليس على مستوى علاقتهم بالشعوب الاخرى، بل تعدى ذلك إلى قيام الكثيرين منهم بالتباهي على بعضهم البعض (الفريسي يعيب على العشارــ واليهودي السليم صحيا ينبذ المريض ــ الرجل هو اهم من المراة) إذاً، أسلوب حياة لا يمت بصلة إلى الإيمان بالله الذي يدعو إلى الإنفتاح على الآخرين…
أمام هؤلاء الناس، جاء يسوع وكشف أمامهم الحقيقة المرة، بأنهم على خطأ، لأنهم لا يسرون بمقتضى عهد الرب معهم، بل ابتعدوا كثيراً حتى صارت عبادتهم جافة لا روح فيها “هذا الشعب يكرمني بشفتيه، أما قلبه فبعيد عني“… فيبتعد يسوع عن هؤلاء الناس المتبجّحين بانتمائهم إلى الله…. ويحول بشارته إلى الأمم التي اعتبرت مدنسة ونجسة إلى الناس الذين نبذهم الشعب مثل العميان والبرص والعرج وإلى آخره من أشكال المرض…. فهّم يسوع الناس بأن البشارة ليست لهم والملكوت ليس لليهود فقط، بل هو للكل لان الكل هم شعب الله….
يقيم السيد عشاءً، ويدعو كعادته، الناس الذين هم مبدئياً (احبائه)، فتفاجئ بكون هؤلاء الناس لا يعتبرونه أساسا لحياتهم، بل هنالك أخرى امور تشغلهم عنه. فيعلن بان أحبائه، هم كل من يعتبرونه منبعاً لحياتهم وأساساً لمسيرتهم… فيلقي هذا الرجل بشباكه ليذهب إلى الناس الذين اعتبرواً منبوذين وغير مستحقين لأن يكونوا من شعبه، فيذهب الخادم ويبشّر بالعشاء الذي أقامه رب البيت، لعله يجد من يصغي إليه من كل قلبه…
اليوم، كثيراً ما نعتبر نحن المسيحيين أنفسنا شعب الله المختار، ولكن ما أعظم الهوة التي بيننا وبين الرب…. إن الذي يؤمن، عليه ان يعمل أيضاً، عليه ان يبرهن بحياته بانه فعلاً يؤمن ويحب إلهه ويعتبره منبعاً لحياته…. ومن أشكال التعابير الأساسية لهذا الإيمان، القداس، عشاء الرب، الوليمة التي يعدها ويدعونا نحن المؤمنين به لان نشاركه بها… ولكن يتطلب ذلك الإيمان الكلي به وليس جزءاً منها فقط….
القداس، أو العشاء الإلهي، هو أساس ومنبع الحياة المسيحية… فهو المكان الذي فيه نتذكر و ما عمله يسوع ليلة العشاء الأخير، وبصورة خاصة الصليب الذي عليه برهن بحبه للعالم عندما مات عليه، باذلاً ذاته كلها من أجلنا…. لهذا نحن نأتي إلى القداس لنعترف للرب بأنه هو الأول والأخير في حياتنا كأساس ومنبع لكل افعالنا… عندما نعيش هذا، نكون فعلاً مستحقين ان ندعى إلى عشاء الرب…. فهل فينا هذا الإيمان؟ إلى متى سيبقى القداس فرض علينا إتمامه؟ إلى متى سيبقى القداس مجموعة رتب نؤديها بجفاف واحياناً، باستخفاف؟……
إن المسيح لم يحب هباءً، ولم يعش هباءً، ولم يمت هباءً، بل كان لحياته معناً عظيماً وهو بنوته لله أبيه، هو استحق ان يدعى ابناً لله لان عاش فعلاً بكل معنى الكلمة، كأبن لله، والله اعترف به كأبن، لانه عاش بما يريده الله منه فعلاً… ونحن معشر المسيحيين، نعتبر انفسنا أبناء، ولكن، شتّان ما بيننا وما بين معلمنا يسوع… يومياً يدعونا ونحن لا نلبّي الدعوة لان نعيش الحب الحقيقي الذي هو أساسه…. دعونا نفكر بجدية بهذا الأمر، لئلا يتركنا يسوع ويذهب إلى أناس آخرين لعله يجد من يصغي إليه ويؤمن به حقيقة…. مثلما عمل مع اليهود حيث تركهم وذهب صوب الوثنيين (وقال يسوع لليهود: العشارون والزواني يسبقونكم إلى ملكوت السماوات)… إما نؤمن أو لا نؤمن….
إنجيل اليوم يعلمنّا، أمام نكون إمّا أحياء بحق أو أموات… فهل انتَ أو أنتِ إنسان ميت في ثوب إنسان حي، ام انتَ او انتِ بالحقيقة احياء…
فليكن لنا خمس ازواج بقر، ولنتزوج ولنشتري حقلا ولنربي ولنعمل ونعمل طوال حياتنا، ولكن، إن لم يكن الحب، الفرح، التواضع، الرب، أساس حياتنا، فلا معنى لكل هذا…. فلنصلِّ ، من أجل ان نتعلم ان نكون شهود وعلامات لحضور الله، ان نكون في الحقيقة قداديس تُعاش بكل معنى الكلمة، ان نكون افعال حب حيّة تدخل في قلب كل إنسان، لان كل إنسان مستحق بان يكون محبوب الله…. آمين