بكركي، الاثنين 18 يونيو 2012 (ZENIT.org). – طوّب الرب يسوع ويطوّب كل مَن يرى جمالات الله متجلّية في الانسان والعائلة والمجتمع والطبيعة، ويراها عندما يرتفع في الصلاة بعقله وقلبه الى الله. ذلك أن الصلاة مشاهدة تزرع السلام والفرح في باطن الانسان. هذا ما اختبرته النفوس النقيّة المصلّية، وغاب عن الذين وضعوا عقلهم وقلبهم في العلم والسلطة وغنى الدنيا وبحثوا فيها عن سعادة لم يجدوها في عمقها، وسرعان ما تبخّرت كالسراب. وها إنَّ الرب يؤكّد ذلك في انجيل اليوم بقوله: "طوبى للعيون التي تنظر ما أنتم تنظرون. فإنّي أقول لكم: إنَّ أنبياء وملوكاً كثيرين أرادوا أن يروا ما أنتم تنظرون، فلم يروا، وأن يسمعوا ما تسمعون، فلم يسمعوا"(لو 10: 23-24). ويُعلِّمنا أن نصلّي كما صلّى هو.

يسعدنا أن تحتفل معكم في هذه الذبيحة المقدسة، التي نريدها صلاة شكر لله على أحداثٍ ثلاثة تضفي رونقاً على قداس الأحد هذا.

2. الحدث الأول هو تكريم العائلات في قداس اليوم. فيسعدني أن أرحّب بالعائلات الحاضرة معنا ونكرّمها لأنها تميَّزت بإحدى الميزات الثلاث أو بها كلها مجتمعة. هذه الميزات هي: كثرة عدد الاولاد الذين انجبتهم، الدعوات الكهنوتية والرهبانية التي اختارها الله من بيوتها، فالنماذج المشرقة في التضامن العائلي التي حققتها. إني إذ أهنّئها من صميم القلب، أرفع معها ذبيحة الشكر لله الذي أسعدها بما رأت عيون أفرادها من عطايا الله وجمالاته. لهم يقول يسوع المسيح اليوم: "طوبى للعيون التي تنظر ما أنتم تنظرون". وأودّ الإعراب عن شكري وامتناني "لمكتب راعوية الزواج والعائلة" في الدائرة البطريركية، الذي ينسّقه قدس الأبّاتي سمعان بو عبدو، ويعاونه السيد سليم خوري وزوجته ريتا. فالشكر لكم ولكل معاونيكم على تنظيم هذا التكريم. كافأكم الله بفيضٍ من نعمه وبركاته.

3. إنّي في المناسبة، أدعو كل العائلات لإحياء الصلاة في العائلة، لكي تستطيع كل عائلة أن تكون ذاتها وتؤدّي دورها ورسالتها. فالعائلة هي الخليّة الأساسية للمجتمع، كجماعة حب وحياة، تعطي المجتمع البشري نكهة وروحاً. وهي المدرسة الطبيعية الأولى التي تعلّم الحب الصافي المعطاء، والقيم الأخلاقية والانسانية، كالتفاني واحترام الآخر وقبوله، والغفران، وحرارة العاطفة، ومحبة الفقير، وحسن الضيافة. وهيالكنيسة البيتيّة وخليّة كنيسة المسيح، كجماعة إيمان وصلاة. بهذه الصفة تعيش العائلة مقتضيات المعمودية كمشاركة في كهنوت المسيح في أبعاده الثلاثة: البعد النبوي بأن تكون جماعة مؤمنة ومبشِّرة بالانجيل؛ والبعد الكهنوتي بأن تكون جماعة مصلّية وفي حوار مع الله في كل الظروف والحالات التي تمرّ فيها، وتجعل من أعمالها وأفراحها وأحزانها قرابين روحية تُضاف في قداس الأحد إلى قربان يسوع المسيح؛والبعد الملوكي بأن تكون جماعة في خدمة الانسان، جماعة تزرع السلام وتنبذ الحقد والخلاف، وتصنع الخير والعدل والانصاف، وتحارب الشرّ والظلم.

أجل العائلة تحتاج إلى الصلاة في العائلة التي يشارك فيها كل أفرادها. على أن تكون صلاة يومية، فردية وجماعية. تسبّح الله، وتستغفره، وتشكره على عطية الحياة، وتلتمس منه النور والقوّة، لكي تواجه الصعوبات اليومية والآلام، وتصمد في الرجاء. ولتكن أجمل صلاة الحياة العائلية المبنية يومياً على الحب وعطاء الذات(إنجيل الحياة، 93).

4. الحدث الثاني هو اختتام المؤتمر القرباني الخمسين في دوبلن بإيرلندا، الذي دام طيلة الاسبوع، وكان موضوعه: "الافخارستيا شركة مع المسيح وفي ما بيننا". إننا في هذا الاحد، والانجيل ينقل لنا صلاة يسوع لأبيه السماوي، وقد علّمنا ربنا الصلاة وكشف لنا أهميتها وضرورتها ومفاعيلها، نتذكّر، في ضوء تعليم المؤتمر القرباني، أن الافخارستيا التي نحتفل بها في القداس هي قمّة الصلاة. بل نقول هي الصلاة بإمتياز، لأنها فعل العبادة الاسمى لله. هذه العبادة هي تقدمة يسوع، ابن الله، ذبيحة ذاته للآب، فدىً عن الجنس البشري، وتقدمة ذاته لنا وليمة الحياة الجديدة، تحت شكلي الخبز والخمر، المحوَّلين في جوهرهما إلى جسد المسيح ودمه.

5. الحدث الثالث هو أسبوع الرياضة الروحية ومجمع الاساقفة المقدّس اللذين جمعا مطارنة الكنيسة المارونية وانتهى أمس. فأتوا من أبرشيات لبنان والشرق الاوسط والقارّة الاميركية واوستراليا. أودّ أن أشكركم وجميع الذين واكبونا بصلواتهم. ونرفع معكم ذبيحة الشكر لله على كل الخير والنعم التي اغدقها علينا، كما نشكره على القرارات والتدابير التي اتخذناها، ولاسيما منها انتخاب مطارنة جدد للكراسي الشاغرة، وتعزيز التنشئة الكهنوتية في المدارس الاكليريكية، وإقرار توحيد كليات ومعاهد الفلسفة واللاهوت، وتأمين التنشئة المستديمة للكهنة بعد رسامتهم، وأثناء عملهم الرعوي. وفيما نُهنّئ المطارنة الجدد نُهنّئ أيضاً العائلات التي أنجبتهم. نسأل الله أن يُبارك خدمتهم الاسقفية لمجده، وخير الكنيسة وخلاص النفوس.

6. ما نودّ أن ننقله إلى المسيحيين في لبنان وبلدان الشرق الاوسط، من وحي التأملات التي قادت تفكيرنا في الرياضة الروحية هو أن وجودنا في هذا الشرق يهدف إلى الشهادة ليسوع المسيح بالقول والعمل. ما يقتضي أن نصمد في بلداننا، لكي ن جعل المسيح المخلّص والفادي حاضراً في عالمنا المشرقي، ونحن فيه مواطنون أصيلون وأصليّون، وقد طبعنا ثقافات بلداننا بحضارة الانجيل، وهي حضارة السلام القائم على الحقيقة والمحبة، وعلى العدالة والحرية؛ حضارة كرامة الشخص البشري ونموِّه الانساني الشامل، والعيش معاً على قاعدة التعددية والوحدة، بروح الاخوّة والتعاون والتضامن.

ونودُّ أن نقول للمسيحيين أيضاً أن انتماءنا الى جسد المسيح السرّي، الذي هو الكنيسة، يدعونا لنعمل من اجل إعلاء شأن الانسان وكرامته. فالله خلقه على صورته ومثاله، والمسيح افتداه بثمن دمه الكريم، والروح القدس أهَّله ليكون هيكل الله. فلا بدَّ من أن يعيش الانسان مرفوع الرأس وبدون خوف. يرفض الذلّ والتبعية والاستعباد، ويعيش بكرامة في كل ما هو حق وخير وجمال. فلا يرضى لنفسه بأن يعيش في الكذب، ولا يبيع نفسه للشر مهما كانت الاغراءات والوعود، ولا يقترف القباحة في المسلك والعمل والمعاطاة.

هذا على المستوى الشخصي، أما على المستوى الجماعي، فجسد المسيح الجديد، الذي ننتمي إليه، إنما يقوم على ثلاثةٍ مترابطة ومتكاملة، على مثال الجماعة المسيحية الاولى، وهي: المواظبة على تعليم الكتب المقدسة، وعلى ذبيحة القداس والمناولة، وعلى المشاركة في ما نملك مادياً وثقافياً وروحياً مع الاخوة في حاجاتهم.

إنّنا نشكر الله على نعمة جديدة تُعطى لوطننا لبنان، هي أنَّ مجمع دعاوى القديسين أعطى "اللامانع" لبدء التحقيق في دعوى تطويب البطريرك الياس الحويك، أبي الاستقلال ولبنان الكبير. وهذه دعوة للجميع لاحترام أرض لبنان، والمحافظة عليها كأرض مقدّسة، وأرض قداسة، رافضين أن تكون أرض الحديد والنار، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، أو أن تكون مقرّاً أو ممرّاً للسلاح وأدوات العنف والحرب، داخلياً وخارجيّاً. نطلب صلاة هذا البطريرك الذي ترأس الوفد اللبناني إلى مؤتمر السلام في فرساي سنة 1919، ورجع والوفد حاملين استقلال لبنان وكامل أراضيه، وفقاً لحدوده الحاضرة، لكي يحمى لبنان من شرّ السلاح والحروب.

7. بالعودة إلى صلاة يسوع في إنجيل اليوم، هو الذي كان يصلّي في كل مناسبة، قبل أي عمل وبعده، قبل أي معجزة شفاء وبعدها. لقد علّمنا أن الصلاة اتحاد كأبناء بالآب السماوي، وقبول إرادته كيفما كانت، لأنها تؤول دائماً الى خير الذين واللواتي يؤمنون. وعلّمنا أيضاً أن الصلاة مسلك صالح تحت نظر الله، وحوار حب من القلب مع الله، ورفع العقل والقلب إليه، لكي يمتلأ العقل من نور الحقيقة والقلب من الحب النقي المتفاني.

وجلّ ما نسأل أن تكون حياتنا صلاة متواصلة، نسبّح فيها الله، الآب والابن والروح القدس، من الآن وإلى الأبد، آمين.