بغداد، الخميس 13 يونيو 2012 (ZENIT.org). – يقول لورانس:” الروح الإنسانية تشتاق إلى الجمال الحقيقي وتحتاجهُ أكثر من شعورها بالحاجة للخبز”. والجمال كما قالهُ الحكيم أنواع، بأن:
جمال الروح: يهون عليك المصائب.
وجمال النفس: يسهل عليك المطالب.
وجمال العقل: يُحقق لك المكاسب.
وجمال الشكل: يسبب لك المتاعب.
ونُضيف أيضا إلى أنواع الجمال التي ذكرها الحكيم (جمال الأخلاق، جمال الكلام، جمال الطبيعة…. وكل شيء جميل في الحياة)، ولأن الله جميلٌ يُحب الجمال فقد خلق كل شيء جميل في هذا الكون بما فيه الإنسان. ولا يمكن تصور وجود إنسان لا يملك جمالاً، ولكنهُ يكون على درجات متفاوتة ومُتباين من شخص إلى آخر. فمنهم من تكون درجة جمال شكلهِ عالية، وهناك من يتسم عقلهُ وفكرهُ بقوة التفكير والحكمة في التصرف، وهناك من تكون روحهُ رقيقةٌ ومرحةٌ.
وهناك من الناس من يكون دمث الأخلاق أو يتميز بسلوك مُميز في التعامل مع الغير وبأسلوب جميل في حديثهِ وأقوالهِ. هذه جميعها تُعطي الجمال لدى الشخص وتكتمل صورتهِ كإنسان لهُ فكر وإبداع وتميز وروح، أي ليس فقط إطارا جميلا نزينهُ من الخارج كيفما نريد وبالصورة التي تناسبنا، فما يهمنا هو ما في داخل الإطار النابض بالحياة والمهتم بكل ما هو جميل في الحياة.
ويُخطئ الكثيرون إذا ظنوا إن المظهر الخارجي كفيل بأن يُحقق لهم ما يرجونهُ، فالجمال ليست كلمة تُقال وعبارة يُنطق بها لتصف الجمال نفسهُ، وإنما الجمال هو شيء أبلغ من ذلك! وهو كلمة خاصة بين الكلمات، وصفة يتمناها كل إنسان سواء كان رجلاً أو امرأة. ولذلك اختلف الكثيرين في آرائهم وتقييمهم للجمال ومعاييره، ولكن لا يختلف اثنان إن الخلق الحسن والأفعال وعذوبة الروح هي في حدّ ذاتها جمال يُزين صاحبها. فقد نرى شخصًا ما جميل في الشكل والمظهر والأقوال، ولكن من ناحية أخرى وفي باطنهِ مُقصر، فهل نصفهُ بالجميل؟! وربما قد يكون العكس. فـــ:
ليس الجمال بأثواب تزيننا إن الجمالَ جمال العلم والأدب.
وانظر أيضاً هذا القول:” كمْ من حسن في الخُلق، غطىّ عيبًا في الخُلق”.
وكل امرأة تبحث عن الجمال وعن كل ما يزيدها بهاءً وجاذبية، وهذا جميل، ولكن نقول لها، أنتِ لست فقط جسد وإطار جميل، بل نفسٌ وروحٌ وجوهر مكنون! مثلما تغذين الجسد وتهتمين به كذلك الروح بحاجة إلى ما يُغذيها من القيم والأخلاق والسلوك الحسن، فلا معنى للجمال الخارجي دون الداخلي. وجمالك الحقيقي إن تُدركي دورك في حياتك، وفي حياة أسرتك ومُجتمعك، وتُقييمين ذاتك من خلالهِ. فالجمال مُوجود في أعماق ودواخل كل إنسان، ونحن بمشيئتنا نستطيع أن نعكسهُ على ما حولنا، فنرى الجمال في كل شيء، وبهذا نعطي لكلمة الجمال معناها الحقيقي.
قال أحيقار الحكيم في أحد أمثالهِ:” يا بُني لا يُغريك جمال المرأة، ولا تشتهيها في قلبك، لأن جمال المرأة ذوقها، وبهاؤها نطقها”. أي إن جمال المرأة يبرز أكثر من خلال ما تنطق به بكلمات نابعّة من داخلها. فالجمال بالنسبة للمرأة ليس فقط إن تهتم بمظهرها ولبسها وشعرها، بلْ لابدّ وأيضًا من إن تهتم بجمالها الداخلي وروحيتهِ ورسالتها كأم وكزوجة وكأخت وبنت، لأنهُ غالبًا جمال المظهر يكون خداع. فالجمال أولاً هو جمال الروح والأخلاق والتواضع والإنسانية في الإنسان، وليس جمال الصورة، الذي مع الأيام يترك الزمن بصمتهِ عليهِ ويذبلهُ! إذن كل عناصر الجمال الخلقية سوف تنتهي وتزول بمرور الزمن، فما الباقي من الجمال غير الجمال الروحي الذي لا يذبل ألا بانتهاء حياة الإنسان؟!
والإنسان لا يرتقي ولا يُرفع ألا بما يحملهُ في داخلهِ، وما دمتْ تمتلك عاطفة فلابدّ أن يكون لك جمال يُشرق ويُنير في قلبك ويشع في روحك، التي تُرقىّ وتتغنىّ بكلمات الحبُّ والأمل والتفاؤل بحياة تُدرك معنى وجودّك وحضورك فيها، فتتذوقها بحس وبنكهة السعادة. جمالاً يُبرق من خلال التعامل مع مواقف الحياة وبأسلوب راقي وباحترام مع الآخرين. وما أجمل أن تبصر الجمال في براءة طفل، وفي ابتسامة بشوشة، مُشعة تعكس على الناظر والسامع وتدخل قلبهُ وتلامس روحهُ. أو جمالاً تراه في لوحة فنان تعكس عمق نظرتهِ وإحساسهِ الباطني، الذي يفتن القلب ويزعزع المعاني.
فالجمال فنٌ. وكم هو جميل أن نهتم بجمالنا الخارجي، ولكن الأجمل أن نهتم أكثر بجمال شخصيتنا وذاتنا وروحنا النقية التي تسمّو على كل ما يُخدش نقاءها وتبقى بقاء الخلوّد.