كيارا: قداسة شابة معاصرة حاربت تنين السرطان

قصة زوجة وأم ماتت برائحة القداسة بعمر 28 سنة

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

بقلم روبير شعيب

روما، الاثنين 18 يونيو 2012 (ZENIT.org). – هناك مناخ شبيه بأيام المسيحية القديمة في البيئة الكاثوليكية في روما في هذه الأيام. فكما كان المسيحيون في الماضي يعلنون جماعيًا قداسة الأشخاص الذين رقدوا بنفحة القداسة، كذلك في هذه الأيام يشعر الكثيرون أنهم عاصروا قديسة شابة ماتت بعمر 28 سنة. إنها كيارا كوربيلا، شابة من مدينة روما، ماتت لأنها فضلت تأجيل علاج مرض السرطان الذي اكتشفته خلال فترة الحمل لكي تسنح الفرصة لطفلها، فرنشيسكو، لكي يولد.

كيارا وزوجها أنريكو بيتريلو ليسا إلا اثنين من أولئك الشباب الذين آمنوا بالدعوة إلى القداسة في سر الزواج المقدس. وما كان للـ “نعم” أمام كنيسة الرب إلا أن تردد صداه في سلسلة من “النَعم” أمام النِعم والصلبان التي قدمتها الحياة في هذه السنوات القليلة من الزواج.

صليب الأمومة

فرنشيسكو ليس ثمرة الحمل الأول. كيارا – التي تعرفت على زوجها أنريكو في مديغورية – حبلت للمرة الأولى بعد شهر من زواجهما، وكان ذلك النعم الأول الشجاع للحياة. في الزيارة الطبية الأولى، اكتشفت كيارا أن الطفلة التي حملت بها لم تكن لتولد كاملة بل مع نقص في النخاع وقد نصحهم الأطباء بالإجهاض، إلا أن الشابين قررا ألا يتصرفا بحياة الطفلة بل أن يقبلاها كما هي بقدر ما يريد الرب أن تعيش.

تقول كيارا في شهادة لها بعد الحدث: كنت أعرف أن طفلتي لن تعيش طويلاً، ولكن في ذلك الحين كانت حية، ولم يتوارد في ذهني لحظة أن أكون أنا من يقرر كم ستعيش… وكيف لي أن أقتلها: إنها ابنتي… ولدت الطفلة وعاشت 30 دقيقة، كان وجودها الأرضي القصير جدًا لحظة عيد لجميع العائلة، وقد قالت الشابة في الشهادة عينها: لو أجهضت ابنتي، لما كنت عشت أبدًا هذه اللحظات التي، رغم قصرها، كانت لحظة عيد ولمسة من الأبدية.

بعد بضعة أشهر، حبلت كيارا من جديد، واكتشف الشابان من جديد أن الطفل الوليد سيكون دون أقدام. وتسلح الزوجان من جديد بالإيمان والشجاعة وقبلا هذه الحياة المعطاة لهما. وصف بعض الأطباء خيارهما بالخيار “غير الواعي والعنيد”، إلا أنها قررا أن يتركا مصير تلك الحياة في يد رب الحياة الوحيد. ورغم أن الأطباء أعلنوا: “إن الطفل لا يتوافق مع الحياة”، آمن الوالدان أنه قد لا يكون متوافقًا مع الحياة الأرضية، إلا أن الآب يدعوه إلى حياة السماء.

ولد الطفل، دافيدي، في 24 يونيو 2010، وبعد أن احتفلا فورًا بعماده رافقاه في ولادته إلى السماء بالصلاة.

صليب الأم

رغم الألم والصدمات المتكررة لم ينغلق الشابان على الحياة، بل بقيا منفتحين وهكذا، بعد قليل من الوقت حبلت كيارا من جديد، وهذه المرة كانت الفرحة كبيرة لأن الفحوصات الطبية أكدت أن الطفل سليم.

ولكن هذه السماء الصافية سرعان ما تلبدت بغيوم تورم ظهر في لسان كيارا وما كان للفحص الطبي إلا أن أكّد أنه ورم سرطاني خبيث. وجدت كيارا نفسها أمام خيار صعب: إما البدء بعلاجات السرطان الكيميائية على حساب صحة وحياة الجنين، وإما الصبر حتى إمكانية ولادة الطفل وبدء العلاج. لم تتردد الشابة لحظة في اختيار الحل الثاني.

ولد فرنشيسكو في 30 مايو 2011 بصحة تامة، وبدأت الأم مسيرة العلاج الكيميائي على رجاء الشفاء، إلا أن الانتظار قد أدى إلى تفشي المرض في جسمها. وكانت قد فقدت النظر في عينها اليمين. وصولاً إلى موتها برائحة القداسة نهار 13 يونيو 2012.

المرأة والتنين

كانت كيارا تصف حربها ضد السرطان بحرب ضد “التنين” في إشارة إلى الوحش الرمزي في كتاب سفر الرؤيا. ربما، في نظرة أرضية بحت، كان للتنين الحظ الأفضل في هذه المعركة الأرضية، ولكن في نظرة الإيمان، كيارا ربحت معركة الحياة الأبدية.

كيارا الآن هي مصدر إلهام لكثير من الشباب والأشخاص الذين يرتادون صفحة “يوتيوب” لرؤية شهادتها، ولمشاهدة مراسم دفنها التي لم تكن مراسم يأس وحزن بل كانت أشبه بحفلة عرس (علمًا بأنها دُفنت مرتدية ثوب عرسها). في تعليقات بعض الأشخاص نقرأ: لست مؤمنًا، ولكني لا أستطيع إلا أن أعترف بعظمة خيارات وحياة هذه الشابة.

قداسة الحياة اليومية

شارك في القداس في كنيسة “سانتا فرانشيسكا رومانا” في روما لفيف من المؤمنين، وتحدث في القداس النائب البابوي في مدينة روما الكاردينال أغوسطينو فاليني الذي وصفها بـ “جانّا بيريتا مولا الثانية” وهي قديسة إيطالية ضحت بحياتها من أجل ابنة كانت حاملاً بها (أعلنت قداستها في اليوم عينه الذي أعلنت قداسة الأب نعمة الله الحرديني، أي 16 مايو 2004).

وقال الكاردينال: “إن الحياة هي مثل قماش نرى فيه نحن الوجه المعكوس، أي الوجه الفوضوي والمليء بخيوط متقطعة؛ من وقت إلى آخر يمكّننا الإيمان أن نرى جزءًا من الوجه الصحيح” وهذه هي خبرة كيارا التي تعطينا “درسًا كبيرًا، نورًا، وثمرة من مشروع إلهي رائع لا نستطيع حصره، ولكنه موجود”.

وأضاف: “أنا لا أعرف ماذا أعد لنا الله من خلال هذه المرأة. ولكن بكل تأكيد هناك شيء لا يمكننا أن نخسره؛ ولهذا فلنحصد ثمر هذا الإرث الذي يذكرنا بأن نعطي القيمة الضرورية لكي فعل يومي صغيرًا كان أو كبيرًا”.

موت القديسين

الموت عادة خبرة تحملنا على الحزن، على الشك، ولكن – بحسب ما صرح الأخ الفرنسيسكاني فيتو – الذي رافق كيارا والعائلة في مسيرة الفترة الأخيرة ما حدث في هذه الأيام هو شبيه بما جرى منذ نحو 2000 سنة عندما رأي قائد المائة كيف مات يسوع فأعلن: “كان هذا حقًا
ابن الله”.

لقد عرفت كيف تموت وعندما أعلن الأطباء في 4 أبريل 2012 أن المرض بلغ حالة نهائية طلبت أعجوبة: لا، لم تطلب أعجوبة الشفاء، طلبت من الرب أعجوبة أن تعرف أن تعيش مع عائلتها المرض بسلام وإيمان… وهذا ما حدث فقد وصف الأخ موت كيارا بالقول: “لقد رأيت امرأة تموت لا بسلام وحسب، بل بحبور عميق”.

وكانت قد قالت يومًا لزوجها: “ربما، بالحقيقة، أنا لا أريد الشفاء، فزوج سعيد وابن هادئ من دون أمه هما شهادة أكبر بكثير من حياة امرأة تخطت المرض. شهادة تستطيع أن تخلص أشخاصًا كثيرين”.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير