مصر، الاثنين 5 نوفمبر 2012 (ZENIT.org). – الوكيل الخائن. هذا المثل الذي يذكره فقط لوقا (الإصحاح 16) هو من الأمثال المحيرة في الكتاب المقدس والذي يوجد لديه العديد من التفاسير. المسيح يمدح سارقا ويمدحه بطريقة مشككة فهو يقول انه كان فطنا. وما فعل هذا الوكيل الا السرقة ولكن المسيح يمدحه! لا شك ان المسيح لا يمدحه بسبب سرقته فليس هذا هدف الانجيل، فالمسيح لا يقنن السرقة مهما كان هدفها أبدا. فعلى ماذا يمدحه المسيح؟
في كل مثل يجب أن نأخذ كأي صورة تشبيهيه الجانب المقصود من التشبيه وليست كل الصورة. مثلا نقول هذا رجل أسد. فنعنى انه شجاع او قوي، ولا نعني ولا نقصد انه حيوان، مع أن الأسد حيوان. ففي كل مثل هناك جانب تشابه هو فقط المقصود. فلماذا يمدح المسيح هذا الوكيل الخائن؟ المسيح يمدحه للفطنة التي جعلته يتصرف بطريقة ما. اي ان المسيح يمدح فطنة هذا الوكيل، فما هي هذه الفطنة؟
الفطنة كلمة أساسية في الكتاب المقدس، ترجمة لكلمة يونانية، fronei’s، فرونيه، كلمة تترجم في الكتاب باكثر من تعبير: مرة بالذكاء فالحية كانت اكثر المخلوقات ذكاءً ويستخدم نفس الكلمة؛ وبولس يدعو جماعته ان يكون لديهم نفس المشاعر مشاعر المسيح ويستخدم نفس الكلمة (فل 2:2- 5). فما هي تلك الفطنة او ما هو هذا الشعور؟
الوكيل امام حكم سيده لا يدافع عن نفسه ولا ينشغل حتى بذلك، لا يحاول ان يخلص نفسه من الحكم الذي لحق به فهو يقبل حكم سيده ولا ينشغل بتبرير نفسه او الدفاع لا يفكر في كل ذلك. مثل لص اليمين والذي كان على جانب المسيح، لا يفكر في خلاصه من الموت الحالي كاللص الذي على اليسار، بل يفكر فيما بعد هذا الموت، فيطلب من المسيح ان يذكره في بيته، في ملكوته. وهذه فطنة.
الوكيل أمام هذا الحكم، لا ينطلق وراء رغبته التي كانت دائماً تسوده في سرقة المال، فلا يفكر ان يكسب اموال اكثر ويجمع اكثر بما بقي له من الوقت. وهذه فطنة.
الوكيل أمام هذا الحكم، ينطلق بداخله، يظهر عمق مشاعره ورغبته العميقة، تتفجر فيه رغبته الاساسية، وهي بيت يستقبله عندما لا يستطيع ان يعمل بعد. يتفجر فيه هذا السؤال ماذا سافعل بعد ان تؤخذ مني الوكالة؟ وليس ماذا سأفعل الان؟ الوكيل لا ينظر لاحتياجه الوقتي ولا يسعى لإشباع نفسه الآن، كعيسو الجائع، والذي يبيع بكريته لأنه جوعان الآن. على عكس يعقوب الذي يفعل كل شيء من اجل البركة، أي أن اسكن في بيت الرب إلى الأبد. بالفعل يعقوب كان معتاد الجلوس في الخيام، اي في البيت (تك 25: 27). الوكيل يفكر ماذا سيفعل بعد ان تؤخذ منه الوكالة وهذا يجعله يفهم ويعرف ما يجب ان يفعله الأن. وهذه فطنة.
وتلك الفطنة يمدحها المسيح لان ابناء العالم من اجل مستقبل رحب يضحون بحاضرهم. المسيح يأخذ هذه الفطنة ويطبقها على ابناء النور، اي الذين دعوا من الله، مؤكدا ان ليس لديهم هذه الفطنة. هم لا يفكرون بما سيفعلونه عندما تنزع منهم الوكالة والتي هي رمز للحياة، او السلطة التي أعطيت لهم، او المواهب. اي انهم نسوا الحياة (المساكن) الأبدية (لو 16: 9) والتي كانت يجب ان تكون ملهمة لتصرفاتهم الحالية وليس ما يحتاجونه الان في حياتهم.
إنجيل اليوم خبر مفرح، يذكرنا بأنه في يوم ما ستنزع منا هذه الوكالة. وان هناك سماء، وحياة أبدية، مساكن أبدية، بيت مستعد لاستقبالنا، والفطنة هي ان نستخدم ما تبقى لنا من هذه الوكالة في حياتنا لاجل هذا البيت. فما لدينا الان وان كنا نراه كبير وكثير ومهم لنا، ما هو الا قليل لما ينتظرنا. ينتظرنا اكثر بكثير مما نستطيع ان نصنع لانفسنا.
الوكيل الخائن احتقر بمعنى ما الوكالة والاموال من اجل بيت يستقبله بعد ذلك. كان يجب عليه ان يختار اما ان يزيد امواله او يتصرف من اجل بيت يستقبله. الوكيل الخائن فضل البيت على المال. وهذه فطنة.
المسيح يذكر هذا المثل ويمتدح الوكيل على هذه الفطنة، البحث عن بيت يستقبله. ومفهوم البيت في الكتاب المقدس هو عميق، وسوف نتحدث عنه في مرات قادمة.