قضية زوجة يسوع

يسوع التاريخ ويسوع الخرافة (1)

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

بقلم الدكتور روبير شعيب

روما، الأربعاء 5 ديسمبر 2012 (ZENIT.org). – تقوم وسائل الإعلام من وقت إلى آخر بزرع أخبار يعرف الصحفيون كيف يضفون عليها طابع الإثارة بغية لفت الانتباه والـ “كليك” والـ “لايك”. فعالم الصحافة يعيش غالبًا من تهافت القراء وما يحمل ذلك من أرباح من خلال الدعايات، إلخ.

من بين هذه الأخبار، ورد مؤخرًا خبر أثار حشرية بعض قرائنا وطلبوا إلينا الرد والتعمق: خبر المخطوط الذي يتحدث عن “زوجة يسوع”!. نظرًا لمسائل كانت طارئة أكثر (مثل زيارة البابا إلى لبنان وأحداث مشابهة) لم يتوفر لنا الوقت لتكريس الوقت للإجابة والتعمق بهذا الموضوع، ولكننا وعدنا بتكريس دراسة خاصة في هذا الموضوع.

سيكون اهتمامنا في هذه السلسلة من المقالات، لا أن نجيب على تلك “الحشرية” وحسب، بل أن نعطي القراء وسائل أفعل ونظرة أوسع تمكنهم من فهم السبل التي من خلالها يمكننا أن نتأكد من هوية يسوع. كما فعلنا في المقالة السابقة حول إنجيل برنابا المنحول (راجع: الحقيقة وراء الإنجيل المنحول الذي اكتشف في تركيا)، لن نعمد إلى تحريك العواطف بل إلى البحث المنطقي، التاريخي والعقلاني. لن نعتمد على أفكار معطاة سابقًا دون معيار قبول منطقي، لقناعتنا بأن الإيمان، رغم أنه يفوق العقل، إلا أنه لا يناقضه.

سنفتتح المقالة بتعليق أولي على “حادثة” مخطوط زوجة يسوع.

* * *

أولاً: “زوجة يسوع” القبطية

 تصدر أخبار جرائد وتلفزيونات الكثير من بلدان العالم في القسم الثاني من شهر سبتمبر خبر أشار إليه البعض – مرة أخرى – إلى أنه خبر سيشكل ثورة ثقافية، دينية، اجتماعية… فبعض من العناوين الكثيرة كان: “يسوع يتحدث عن زوجته في مخطوط يعود إلى القرن الرابع”، “الكتاب المقدس [!!!!] يتحدث عن زوجة يسوع” (علامات الاستفهام بين [ ] هي من إضافتنا)، “مؤرخة تشير إلى أن مخطوطًا يعلمنا بوجود زوجة يسوع”، “مقابلة مع العالمة التي اكتشفت زوجة يسوع”… والحبل على الجرار…

مرة أخرى، يريد الصحفيون أن يغتنموا موجة الفضول العلمي ليجذبوا القراء، ومرة أخرى يترتب علينا التروي للنظر بشكل أعمق كي لا نكون قصبًا تتراقص به الأهواء كما تشاء. ماذا حدث؟ وما هو الخبر وراء الأخبار؟

الحدث وراء الأخبار والدعايات

في 18 سبتمبر 2012، قامت الباحثة في جامعة هارفرد، السيدة كارن كينغ، خلال المؤتمر العالمي العاشر للدراسات القبطية، في المعهد الآبائي الحبري “أغوسطينيانوم” على بعد بضعة أمتار من بازيليك القديس بطرس في الفاتيكان، بتقديم قطعة صغيرة من مخطوط تقوم حاليًا بدراسته. حجم المخطوط الذي تقوم كينغ بدراسته هو تقريبًا بحجم بطاقة مهنية صغيرة.

في هذه “البطاقة” نجد بضعة سطور غير متكاملة من اليمين ومن اليسار وترجمة هذه العبارات هي التالية:

… لا لي، أمي وهبتني الحياة…

… قال التلاميذ ليسوع…

…أنكر. مريم (لا) تستحق ذلك…

…وقال لهم يسوع: زوجتي…

… ستتمكن من أن تكون تلميذتي…

… فلينتفخ المنافقون…

… أما أنا، فأبقى معها لكي…

… صورة …

وقد صرحت العالمة بمنهج علمي دقيق بأن النص كما هو “لا يقدم لنا برهانًا على أن يسوع التاريخ كان متزوجًا وذلك نظرًا لتأريخ النص المتأخر”. فالمخطوط الذي تقدمه الباحثة قد يعود بحسب رأيها إلى القرن الرابع بعد المسيح، وهي ترجح أن يكون النص نسخة لنص سابق يعود إلى منتصف القرن الثاني. وعليه يبقى كلا النصين بعيدين جدًا عن الواقع التاريخي المتعلق بيسوع، ولذا يفتقران، على أي حال، إلى السلطة التاريخية التي تؤهلهما أن يقولا شيئًا عن يسوع التاريخ.

جل ما يستطيع النص أن يقدمه لنا – إذا كان أصليًا – هو نظرة إلى النقاش الذي ربما كان قائمًا في القرن الثاني حول يسوع، إذا كان متزوجًا أم لا. يجدر الذكر أن أكليمنضوس الإسكندري، في مطلع القرن الثاني نفى قطعيًا أن يسوع كان متزوجًا.

هذا وبينما قامت وسائل الإعلام باستعراض الموضوع باعتبارات وعبارات مثيرة للفضول والأحاسيس، يبقى بحث “كينغ” معرض التدقيق العلمي من قبل دارسين وباحثين في علم الآثار وعلم اللغة القبطية القديمة. فكما هو الحال مع أي بحث علمي، فقط بعد أن يحظى النص بالقبول العلمي المرتكز بدوره على معايير موضوعية تشكل مرحلة التدقيق المعروفة بـ peer review، سيمكن نشره في ” Harvard Theological Review “… والأمر كذلك ببساطة لأن كينغ عينها عرضت الموضوع لا كنتائج أكيدة، بكل كمسألة تحتاج فيها هي أيضًا لملاحظات وأبحاث وتقييم العلماء الآخرين.

هذا وقد أوردت كينغ أن بعض الزملاء الباحثين عبّروا عن تحفظاتهم بشأن قدم المخطوط الذي قد يكون نسخة متأخرة. من بين هؤلاء البحاثة هناك أسماء شهيرة في هذا المجال مثل: إيميل، فانك، سوسيو، أورلاندي، بوتزي). ولذا سيتم إخضاعه حاليًا لفحص المداد وللامتحان الكاربوني. ولا يستبعد البعض منهم أن يكون كل النص مجرد نص غير أصلي. الأمر الواضح مباشرة هو أن هذا النص يأتي من سوق المخطوطات القديمة دون معرفة أصله وفصله، وكيف تم حفظه حتى الآن (بعكس مخطوطات ناج حمادي التي نعرف من أين أتت وكيف حُفظت).

ولكن بغض النظر عن مسالة أصالة النص وقدمه أو عدمها ، نود أن نستعرض مكنونه وما يقوله بالتحديد وكيف يمكننا فهمه بطريقة مبدأية.

(يتبع)

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير