مقابلة مع البطريرك الماروني الكاردينال بشارة بطرس الراعي (2)

بين علمانية الدولة وأولوية الله

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

روما، الأربعاء 5 ديسمبر 2012 (Zenit.org) – ننشر في ما يلي القسم الثاني من المقابلة التي أجرتها راديو الفاتيكان مع البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي خلال زيارته إلى روما لقبول التعيين الرسمي ككاردينال في الكنيسة الكاثوليكية يوم 24 نوفمبر 2012 .

* * *

لقد تمّ سابقًا طرح فكرة خلق دولة لبنان بعيدة عن الدين والطائفيّة. هل برأيك ستجدي تلك الفكرة نفعًا؟

كلّا، هذا أمرٌ مستحيل. إنّ لبنان يتميّز في فصل الدين عن الدولة. إنّ المشكلة لا تكمن في الأحزاب الممثّلة في الحكومة في التمثيل الطائفي للأديان حسب عددها: هذا ما نسمّيه “الميثاق اللبناني”. نحن نعيش في عالم إسلامي لا يفصلُ الدين عن الدولة: بالنسبة لهم، الدّين هو كلّ شيء.

ولبنان في ظلّ هذا الجوّ المؤصّل في الدّين والتيوقراطيّة والإسلاميّة قد استطاعَ أن يقومَ بهذا الفصل. فقد استطاعَ المسلمون اللبنانيّون أن يتخلّوا عن نزعتهم التيوقراطيّة كما استطاعَ المسيحيّون أن يتخلّوا عن العلمانيّة بمعناها الغربي.

لذا فإنّ لبنان هو بلدٌ يفصل الدين عن الدولة ويُشارك الجميع في الحياة العامّة وفقًا للتمثيل الطائفي. وهذا أمرٌ لا بأس به إلّا أنّ المشكلة هي أنّ السياسة الإقليميّة سياسةٌ إسلاميّة تؤثّر علينا فينقسم اللبنانيّون.

نرى بالفعل نزاعات كبيرة في الشرق الأوسط…

صحيح فمثلًا نشهدُ الآن النزاع الكبير في الشرق الأوسط بين السنّة والشيعة: تسمعون أنّ هناك إصلاحات وديمقراطيّة وحروب…كلّا، إنّ المشكلة هي نزاع كبير بين السنّة والشيعة على نطاق إقليمي له تأثيرات دوليّة. وهذا هو النزاع الذي يشهده لبنان. وحاليًّا، في لبنان النزاع بين الشيعة والسُنّة هو نزاع سياسيّ.

هل لا يزال لبنان بلدًا نموذجًا للبلاد المجاورة؟

يمكنني القول إنّ لبنان في الشرق الأوسط، كما قال يوحنّا بولس الثاني هو مثالٌ لا للشرق فقط بل للغرب أيضًا. ففي الشرق حيث يسود الدّين كلّ شيء وينظّم كل شيء: لبنان ليسَ نظامًا دينيًّا بل يحترم الأديان. وبالنسبة إلى الشرق، قد يكون النظام علماني يفصل الدين عن الدولة من دون أن يغضّ النظر عن الله.

والمادّة التاسعة المعروفة من الدستور اللبناني والفريدة في الشرق والغرب تقول: ” حرية الاعتقاد مطلقة والدولة بتأديتها فروض الإجلال لله تعالى تحترم جميع الأديان والمذاهب وتكفل حرية إقامة الشعائر الدينية تحت حمايتها على أن لا يكون في ذلك إخلال في النظام العام وهي تضمن أيضاً للأهلين على اختلاف مللهم احترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينية.”

وهذا يعني أنّ الدولة اللبنانيّة، فاصلةً الدّين عن الدولة بعلمانيّة، لا تتدخّل أبدًا في المستوى التشريعي بالمسائل الدينيّة أو أمور الزواج أو العلاقات الشخصيّة: فتترك الدّولة الأمر بيد المبادئ الطائفيّة.

هذا عليه أن يُسهّل الحياة الاجتماعيّة ويسمح بتشكيل فُسيفساء جميلة ما لم تتدخّل السياسة في الطوائف. ونحن نتمسّك بهذا النظام مهما صَعُب الأمر إذ أنّ الشرق الأوسط يتّجهُ اليوم إلى الراديكاليّة الإسلاميّة: وهذا ما يحصل في مصر وسوريا حاليًّا… فيتحدّثون عن الشريعة الإسلاميّة، يريدون أسلمة كلّ شيء: لماذا لا نستطيع العيش معًا محترمين بعضنا البعض؟

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير