رسالة البابا ليوم الشبيبة العالمي 2013: "إذهبوا وتلمذوا كل الشعوب" (راجع مت 28، 19)

النص الكامل

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

الفاتيكان، الجمعة 14 ديسمبر 2012 (ZENIT.org). – ننشر في ما يليالنص الكامل لرسالة البابا بندكتس السادس عشر ليوم الشبيبة العالمي الثامن والعشرين والذي سيقام في ريو دي جانيرو، في البرازيل من 23 وحتى 28 يوليو 2013.

* * *

“إذهبوا وتلمذوا كل الشعوب” (راجع مت 28، 19)

أيها الشباب الأعزاء،

أود أن أوجه لكل منكم تحية ملؤها الفرح والعطف. أنا متأكد من أن الكثيرين منكم عادوا من لقاء الشبيبة العالمي في مدريد وهم “متأصلين ومثبتين في المسيح وراسخين في الإيمان” (راجع كول 2، 7). احتفلنا بمعرض هذه السنة، في مختلف الأبرشيات، بفرح أن نكون مسيحيين، مستلهمين هذا الموضوع: “افرحوا بالرب دومًا!” (فيل 4، 4). وها نحن الآن نستعد للقاء الشبيبة العالمي المقبل، الذي سيُحتفل به في ريو دي جانييرو، في البرازيل في يوليو 2013.

أود قبل كل شيء أن أجدد لكم الدعوة للمشاركة في هذا الموعد الهام. إن تمثال المسيح الفادي الشهير، الذي يسود على تلك المدينة البرازيلية الجميلة، سيكون الرمز البليغ للقاء الشبيبة المقبل: فذراعاه المفتوحتان هما رمز القبول الذي يحفظه الرب لكل من يأتي إليه، وقلبه يرمز إلى الحب العارم الذي يكنّه لكل منكم. اسمحوا له أن يجتذبكم! عيشوا خبرة اللقاء بالرب هذه، مع الكثير من الشباب الذين سيأتون إلى ريو للّقاء العالمي المقبل! اسمحوا له أن يحبكم وستكونون الشهود الذين يحتاج العالم إليهم.

أدعوكم للاستعداد للقاء الشبيبة في ريو دي جانييرو من خلال التأمل بموضوع اللقاء: “إذهبوا وتلمذوا كل الشعوب” (راجع مت 28، 19). نحن بصدد التوصية الإرسالية الكبرى التي تركها المسيح للكنيسة بأسرها والتي تبقى آنية حتى يومنا، بعد ألفي عام. لا بد لصدى هذه التوصية أن يتردد بقوة في قلوبكم. سنة التحضير للقاء ريو تتناسب مع “سنة الإيمان”، والتي كرس في مطلعها سينودسُ الأساقفة أعمالَه للتفكير بـ “التبشير الجديد في سبيل نقل الإيمان المسيحي”. لذا يسرني أن تكونوا أنتم أيضًا، أيها الشباب الأعزاء، شركاء في الزخم الإرسالي الذي يهم الكنيسة الجامعة. فتعريف الآخرين على المسيح هو الهبة الأثمن التي يمكنكم أن تقدموها لهم.

1.     دعوة ملحة

يبين لنا التاريخ كم من الشباب، من خلال هبة الذات السخية، قد ساهموا بشكل كبير في نمو ملكوت الله وازدهار هذا العالم، من خلال إعلان الإنجيل. بحماسة كبيرة، حملوا البشرى السارة، بشرى حب الله المتجلي بيسوع المسيح، بوسائل وإمكانيات أقل بكثير من تلك المتوفرة اليوم. أفكر على سبيل المثال بالطوباوي خوسيه دي أنكيتا، الشاب اليسوعي الإسباني الذي انطلق في القرن السادس عشر إلى البرازيل عندما لم يكن يبلغ من العمر 20 عامًا وصار رسول العالم الجديد. وأفكر أيضًا بمن بينكم يكرس نفسه بسخاء لرسالة الكنيسة: لقد لمست شهادة مفاجئة لهذا الأمر في لقاء الشبيبة العالمي في مدريد، وبشكل خاص خلال اللقاء مع المتطوعين.

في أيامنا هذه، الكثير من الشباب يشكون بأن الحياة هي قيمة ولا يرون بوادر واضحة في مسيرة حياتهم. بشكل عام، أمام مصاعب العالم المعاصر، يتساءل الكثيرون: ماذا يمكنني أن أفعل؟ ينير نور الإيمان هذا الظلام، ويجعلنا نفهم بأن كل وجود له قيمة لا تقاس، لأنه ثمرة لحب الله. يحب الله حتى مَن ابتعد عنه أو نسيه: يصبر وينتظر؛ لا بل وهب ابنه، الذي مات وقام، لكي يحررنا بشكل جذري من الشر. وقد أرسل المسيح تلاميذه لكي يحملوا لجميع الشعوب بشرى الخلاص والحياة الجديدة هذه المفعمة فرحًا.

إن الكنيسة، في متابعتها لمسيرة التبشير، تعتمد عليكم أيضًا. أيها الشباب الأعزاء، أنتم المرسلون الأوائل بين أترابكم! في ختام المجمع الفاتيكاني الثاني، الذي نحتفل في هذا العام بذكراه الخمسين، سلم خادم الله البابا بولس السادس رسالة إلى شباب وشابات العالم. تبدأ الرسالة بهذه الكلمات: “أيها الشباب والشابات في العالم بأسره، إن المجمع يريد أن يوجه رسالته الأخيرة لكم بالتحديد. لأنكم أنتم من سيحمل شعلة آبائكم وستعيشون في العالم في زمن التحولات الضخمة. إذ تجمعون أفضل ما تعلمتموه من مثال وتعاليم أهلكم ومربيكم، ستكوّنون مجتمع الغد: ومعه ستخلصون أن تهلكون”. ويختم البابا الرسالة بالقول: “ابنوا بحماس عالمًا أفضل مع عالم اليوم” (رسالة إلى الشبابا، 8 ديسمبر 1965).

أيها الأصدقاء الأعزاء، هذه الدعوة هي آنية جدًا. نحن نمر في زمن تاريخي فريد: التقدم التقني منحنا إمكانيات لا سابق لها للتواصل بين البشر والشعوب، ولكن عولمة هذه العلاقات ستضحي إيجابية وستنمي العالم في الإنسانية فقط إذا لم يتم بناؤها على أسس المادية بل على أساس الحب، الذي هو الواقع الوحيد الذي يستطيع أن يملأ قلب كل إنسان وأن يوحد الأشخاص. الله محبة. الإنسان الذي ينسى الله هو دون رجاء ويضحي غير قادر على حب الآخرين. لهذا من الضرورة أن نشهد لحضور الله لكيما يستطيع كل إنسان أن يختبر هذا الحب: فنحن بصدد خلاص البشرية وخلاص كلٍ منا. إن كل من يفهم هذه الضرورة، لن يستطيع إلا أن يردد مع القديس بولس: “الويل لي إن لم أبشر بالإنجيل!” (1 كور 9، 16).

2. التتلمذ ليسوع

هذه الدعوة الإرسالية تتوجه إليكم لسبب آخر: هي ضرورية لمسيرة إيماننا الشخصي. لقد كتب الطوباوي يوحنا بولس الثاني: “الإيمان يتقوى إذا ما أعطيناه” (الرسالة العامة، رسالة الفادي، 2). من خلال إعلان الإنجيل، تنمون أنتم أيضًا وتتجذرون بشكل أعمق في المسيح، وتصبحون مسيحيين ناضجين.

الا
لتزام الإرسالي هو بعد أساسي في الإيمان: لا يمكن أن نكون مؤمنين حقيقيين دون تبشير. وإعلان الإنجيل لا يمكن إلا أن يكون نتيجة فرح اللقاء بالمسيح وإدراك أنه الصخرة التي يجب أن نبني وجودنا عليها. من خلال التزامكم بخدمة الآخرين وإعلان الإنجيل لهم، ستجد حياتكم، التي هي مشرذمة غالبًا بين نشاطات مختلفة، وحدتها في الرب. ستبنون ذواتكم، ستنمون وستنضجون في إنسانيتكم.

ولكن ما معنى أن نكون مرسلين؟ يعني أن نكون تلاميذ يسوع المسيح، أن نصغي دومًا لدعوة أن نتبعه، لدعوة النظر إليه: “تعلموا مني أني وديع ومتواضع القلب” (مت 11، 29). التلميذ، بالواقع، هو شخص يصغي لكلمة يسوع (راجع لو 10، 39)، ويدرك أنه المعلم الذي أحبنا حتى هبة حياته لأجلنا. ولذا فالمسألة، بالنسبة لكل منكم، هي أن تسمحوا لكلمة الرب أن تصوغكم كل يوم: ستجعل منكم أصدقاء الرب يسوع قادرين أن تُدخلوا أشخاصًا آخرين في جو الصداقة هذا.

أنصحكم أن تذكروا المواهب التي نلتموها من الله لكي تنقلوها للآخرين بدوركم. تعلموا أن تعيدوا قراءة تاريخكم الشخصي، وأن تعوا الإرث العظيم الذي حزتموه من الأجيال التي سبقتكم: لقد نقل لنا الكثير من المؤمنون الإيمانَ بشجاعة، مواجهين التجارب وسوء الفهم. لا ننسينّ هذا الأمر أبدًا: نحن جزء من سلسلة كبيرة من رجال ونساء نقلوا لنا حقيقة الإيمان وهم يعتمدون علينا لكي ينالها آخرون أيضًا.

أن نكون مرسلين يفترض أن تكون لدينا معرفة مناسبة لهذا الإرث الذي تلقيناه، ألا وهو إيمان الكنيسة: من الضرورة أن نعرف ما نؤمن به، لكي نستطيع التبشير به. كما كتبت في مقدمة الـ “يوكات”، أي “تعليم الشباب” الذي سلمته لكم في لقاء مدريد العالمي، “يجب أن تعرفوا إيمانكم بالدقة عينها التي يعرف بها خبير إلكتروني البرنامج التشغيلي للكومبيوتر؛ يجب أن تعرفوه كما يعرف الموسيقار معزوفته؛ نعم، يجب أن تكونوا متجذرين في الإيمان أكثر من جيل أهلكم، لكي تستطيعوا أن تقاوموا بقوة وثبات تحديات وتجارب هذا الزمن” (المقدمة).

3. انطلقوا!

أرسل يسوعُ تلاميذه في رسالة تبشيرية وحملهم هذه الوصية: “اذهبوا في العالم كله وأعلنوا الإنجيل لكل خليقة. من يؤمن ويتعمد يخلص” (مر 16، 15 – 16). التبشير بالإنجيل يعني أن نحمل إلى الآخرين البشرى السارة وهذه البشرى السارة هي شخص: يسوع المسيح. عندما ألتقي به، عندما أكتشف إلى أي مدى يحبني الله وأنه خلصني،لا يولد في الشوق فحسب بل ضرورة أن أعرّف الآخرين عليه.

في مطلع إنجيل يوحنا نرى أندراوس الذي، بعد أن التقى بيسوع، يسارع لكي يقود أخيه سمعان (راجع 1، 40 – 42). التبشير ينطلق دومًا من لقاء مع الرب يسوع: من تقرب منه واختبر حبه يريد فورًا أن يشرك الآخرين بجمال هذا اللقاء والفرح الذي يولد من هذه الصداقة.

بقدر ما نتعرف على المسيح، نتشوق لكي نبشر به. وبقدر ما نتحدث عنه، نتلهف للحديث عنه أكثر. بقدر ما نتولع به، بقدر ذلك نتشوق لكي نقود الآخرين إليه.

من خلال المعمودية، التي تلدنا إلى حياة جديدة، يسكن الروح القدس فينا ويشعل فكرنا وقلبنا: هو الذي يقودنا لكي نتعرف على الله وللدخول في صداقة أعمق مع المسيح؛ الروح القدس هو الذي يحثنا على فعل الخير، على خدمة الآخرين، على هبة ذواتنا. من خلال سر التثبيت، نتقوى في عطايا الروح القدس لكي نشهد بشكل أنضج للإنجيل. ولهذا فإن روح الحب هو محرك ونفس الرسالة: يدفعنا للخروج من ذواتنا، لكي “ننطلق” ونبشّر.

أيها الشباب الأعزاء، اسمحوا لقوة حب الله أن تقودكم، اسمحوا لهذا الحب أن يتغلب على الميل إلى الانطواء في عالمكم الخاص، في مشاكلكم، في عاداتكم؛ تحلوا بشجاعة “الانطلاق” من ذواتكم و “المضي” نحو الآخرين لكي تهدونهم إلى اللقاء مع الله.

4. إذهبوا إلى جميع الشعوب

أرسل يسوع القائم من الموت تلاميذه لكي يشهدوا لحضوره الخلاصي لكل الشعوب، لأن الله في حبه الفائض، يريد أن يخلص الجميع وألا يهلك أحد. من خلال ذبيحة حبه على الصليب، فتح يسوع الطريق لكي يستطيع كل رجل وكل امرأة أن يتعرفوا على الله ويدخلوا في شركة حب معه. وأقام جماعة تلاميذ لكي يحملوا بشرى خلاص الإنجيل إلى أقاصي الأرض، لكي يبلغوا رجال ونساء كل مكان وكل زمان. فلنجعل رغبة الله هذه رغبتنا!

أيها الأصدقاء الأعزاء، أديروا عيونكم وانظروا من حولكم: الكثير من الشباب فقدوا معنى وجودهم. انطلقوا! يسوع بحاجة إليكم أيضًا. اسمحوا لحبه أن يجتذبكم وكونوا وسائل لهذا الحب الكبير، لكي يصل إلى الجميع، خصوصًا إلى “البعيدين”. البعض بعيدون جغرافيًا، البعض الآخر بعيدون لأن ثقافتهم لا تترك فسحة لله! بعض الأشخاص لم يتلقوا الإنجيل شخصيًا بعد، بينما آخرون، رغم أنهم تلقوا الإنجيل، إلا أنهم يعيشون وكأن الله غير موجود. فلنفتح باب قلبنا للجميع؛ فلنسعى للدخول في حوار، ببساطة واحترام: هذا الحوار، إذا ما عشناه في جو صداقة حقيقية، سيحمل ثمرًا. “الشعوب” التي نتلقى الدعوة لحمل الإنجيل إليها ليست فقط شعوب البلاد الأخرى، بل هي أيضًا أبعاد حياتنا المختلفة: العائلات، الأحياء، بيئات الدرس والعمل، جماعات الأصدقاء وأماكن الرفاهية. التبشير الفرح بالإنجيل يتوجه إلى كل أبعاد حياتنا، دون أي حد.

أود أن أشدد على إطارين ينبغي أن يحظيا بانتباه خاص في التزامكم الإرسالي. الأول هو حقل الاتصالات الاجتماعية، وبشكل خاص شبكة الانترنت. كما سبق وقلت لكم، أيها الشباب الأعزاء، “اشعروا بأهمية التزامكم في إدخال القيم التي ترتكز عليها حياتكم في ثقافة بيئة التواصل والمعلوما
ت الجديدة هذه! […]. يترتب عليكم، أيها الشباب الأعزاء، إذ تجدون أنفسكم بسلاسة في تناغم مع وسائل الاتصال الحديثة هذه، واجب التبشير في القارة الرقمية” (رسالة من أجل اليوم العالم الثالث والأربعين للاتصالات الاجتماعية، 24 مايو 2009).

اعرفوا كيفية استخدام هذه الوسيلة بشكل حكيم، منتبهين للمخاطر التي تتضمنها، بشكل خاص خطر الإدمان، وخطر المزج بين العالم الحقيقي والعالم الخيالي، واستبدال اللقاء والحوار المباشر مع الأشخاص بالتواصل على شبكة الانترنت.

الإطار الثاني هو إطار التنقل. لقد ازداد في أيامنا عدد الشباب الذين يتنقلون ويسافرون، إن لأسباب ثقافية أو لأسباب مهنية، أو للترفيه. ولكني أفكر أيضًا بكل حركات الهجرة، حيث يقوم ملايين الأشخاص، وهم في معظم الأحيان شباب، بالانتقال من منطقة أو من دولة إلى أخرى لأسباب اقتصادية أو اجتماعية. حتى هذه الظواهر يمكن أن تضحي مناسبات مؤاتية لنشر الإنجيل.

أيها الشباب الأعزاء، لا تخافوا من أن تشهدوا لإيمانكم في هذه الأطر: إنها لهبة ثمينة أن تنقلوا فرح اللقاء بالمسيح للأشخاص الذين تلتقون بهم.

5. تلمذوا!

أنا واثق من أنكم واجهتم على الأقل مرة واحدة صعوبة أن تجعلوا أصدقائكم يخوضون تجربة الإيمان. ربما كنتم قد لاحظتم لأي حد يغذي العديد من الشباب بخاصة في مراحل معينة من الحياة الرغبة بالتعرف الى المسيح ويعيش قيم الإنجيل، ولكنهم يعجزون عن ذلك. فما العمل؟

أولا علينا أن نكون قريبين منهم ومن خلال شهادتنا البسيطة قد يستطيع الرب لمس قلوبهم. إن إعلان الإنجيل ليس الحديث عن الله فحسب، بل يشمل الحياة بكاملها ويترجم بأعمال محبة. إن محبة المسيح المفاضة في قلوبنا هي التي تجعل منا رسلا وعلى محبتنا أن تشابهها. يجب علينا أن نكون على مثال السامري الصالح، ننتبه للأشخاص الذين نلتقي بهم، نصغي إليهم، ونفهمهم ونساعدهم. بهذه الطريقة يمكننا أن نقود أولئك الذين يبحثون عن الحقيقة وعن معنى حياتهم نحو بيت الله أي الكنيسة، حيث يجدون الرجاء والخلاص (راجع لوقا 10، 29-37).

أصدقائي الأعزاء، لا تنسوا أن أول عمل محبة نحو القريب يتطلب أن نتشارك معه مصدر رجائنا: من لا يعطي الله! يعطي القليل القليل! أمر يسوع تلاميذه أن “يتلمذوا جميع الأمم” وتابع قائلا: “وعمدوهم باسم الآب والإبن والروح القدس، وعلموهم أن يحفظوا كل ما أوصيتكم به” (متى 28، 19-20). إن الوسائل التي نملكها “لنتلمذ” هي بالأساس المعمودية والتعليم المسيحي. هذا يعني أنه علينا أن ندفع الذين نبشرهم ليلتقوا بالمسيح الحي، بخاصة في كلمته والأسرار: هكذا يستطيعون أن يؤمنوا به، ويتعرفوا اليه، ويحييوا من نعمته.

أود أن يطرح كل واحد منكم على نفسه الأسئلة التالية: هل تجرأت أن أحث شبابا غير معمدين لينالوا سر المعمودية؟ هل تجرأت على دعوة أشخاص الى اتباع طريق اكتشاف الإيمان المسيحي؟ أصدقائي الأعزاء، لا تخشوا أن تقدموا لأصدقائكم فكرة اللقاء مع المسيح. استدعوا الروح القدس: سيعمقكم أكثر في معرفة المسيح ومحبته، ويجعلكم مبدعين في نقل الإنجيل.

6 كونوا ثابتين في الإيمان

إزاء صعوبة مهمة التبشير، ستوشكون في بعض الأحيان أن تقولوا كإرميا النبي: “آه أيها السيد الرب إني لا أعرف أن أتكلم لأني ولد!” ولكن لكم أيضًا يجيب الرب دائما: “لا تقل إني ولد لأنك الى كل من أرسلك اليه تذهب” (راجع إرميا 1، 6-7). في كل مرة تشعرون فيها بأنكم غير كفوئين ولستم على قدر مهمة الشهادة للإيمان وإعلانه، لا تخافوا. في الواقع، أولا التبشير ليس مبادرتنا، ولا يعتمد على مواهبنا، بل هو إجابة أمينة، مطيعة لنداء الله. بالتالي، هو قائم قبل كل شيء على قوة الله، لا على قوتنا نحن. اختبر القديس بولس ذلك بنفسه: “نحن الرسل، نحمل هذا الكنز في آنية من خزف لتكون تلك القدرة الفائقة لله لا من عندنا” (2 كور 4،9).

لهذا السبب أحثكم لتتجذروا في الصلاة والأسرار. فالتبشير الحقيقي يولد دائما من الصلاة والصلاة تعززه. علينا أولا أن نتكلم مع الله لكي نستطيع أن نتكلم عنه. نقدم للرب في الصلاة الأشخاص الذين نُرسَل إليهم. نسأله بأن يلمس قلوبهم، ونطلب من الروح القدس أن يجعل منا أدوات لخلاص هؤلاء الأشخاص. نطلب من المسيح أن يضع على شفاهنا كلماته، وأن يجعل منا شهودًا لمحبته. وعلى نطاق أوسع، نعهد الى الرب مهمة الكنيسة بكاملها، بحسب وصية يسوع: “فاسألوا رب الحصاد أن يرسل عملة الى حصاده” (متى 9، 38). تعلّموا أن تجدوا في الإفخارستيا مصدر حياتكم وشهادتكم المسيحية، من خلال المشاركة بجد في قداس الأحد وبقدر ما تستطيعون في القداديس خلال الأسبوع! الجئوا غالبًا الى سر التوبة: إنه مكان اللقاء الثمين مع رحمة الله التي تستقبلنا، وتسامحنا، وتجدد قلوبنا بالمحبة. لا تترددوا بالحصول على سر التثبيت إن لم تكونوا قد حظيتم به بعد، وكونوا مستعدين له بعناية والتزام! مع الإفخارستيا، هو سر مهمة التبشير بامتياز، الذي يعطينا قوة الروح القدس ومحبته للإعلان عن إيماننا من دون خوف. كما أشجعكم أيضًا على ممارسة السجود للقربان المقدس: إن اللقاء مع يسوع الحاضر في القربان المقدس من خلال الإصغاء والحوار يصبح نقطة الانطلاق لحماس تبشير جديد.

إن تبعتم هذه الوصايا، سيجعلكم المسيح بنفسه أمينين للغاية لكلمته وشهودًا له بشجاعة وصراحة. أحيانًا سيطلب منكم أن تثبتوا مثابرتكم بخاصة حين تخلق كلمة الله حواجز ومعارضات. في بعض أجزاء العالم، يعاني الشباب المسيحي من عدم القدرة على الشهادة لإيمانهم بالمسيح علنًا بسبب
غياب الحرية الدينية، وقد دفع البعض منهم حياته ثمنًا لانتمائه للكنيسة. أشجعكم أن تثبتوا في الإيمان، واثقين بأن المسيح الى جانبكم في كل تجربة. وهو يردد: “طوبى لكم، إذا شتموكم واضطهدوكم وافتروا عليكم كل كذب من أجلي، افرحوا وابتهجوا: إن أجركم في السموات عظيم!” (متى 5، 11- 12).

7. مع الكنيسة الجامعة

أيها الشباب الأعزاء، لتبقوا ثابتين في إعلان الإيمان المسيحي أينما أرسلتم، أنتم بحاجة الى الكنيسة. لسنا وحيدين بالشهادة للإنجيل، فيسوع قد أرسل تلاميذه بالمهمة معًا. وقد حثهم قائلا لهم “تلمذوا” بصيغة الجمع. إذا نحن دائمًا نشهد كأعضاء في الجماعة المسيحية، ومهمتنا تصبح خصبة من خلال الجماعة التي نعيشها في الكنيسة: فمن المحبة التي نحملها لبعضنا البعض سيعرف الناس بأننا تلاميذ يسوع (راجع يوحنا 13، 35). أنا أحمد الله على عمل التبشير الثمين لجماعاتنا المسيحية، ورعايانا، وحركاتنا الكنسية. تعود ثمار هذه المهمة للكنيسة الجامعة، فكما قال يسوع: “الواحد يزرع، والآخر يحصد” (يوحنا 4، 38).

في هذا الصدد، لا أستطيع إلا أن أشكر عطاء المرسلين الكبير، الذين يكرسون حياتهم لإعلان الإنجيل في جميع أنحاء العالم. كما أشكر الله أيضًا على الكهنة والأشخاص المكرسين الذين يعطون من دون مقابل ليعلن يسوع المسيح ويكون محبوبًا. أرغب هنا بتشجيع الشباب الذين يشعرون بأن الله يدعوهم ليلتزموا بدعواته بحماسة: “السعادة في العطاء أكثر منها في الأخذ” (أعمال 20، 35). فيسوع قد وعد جميع الذين تركوا كل شيء وتبعوه بأن ينالوا مئة ضعف ذلك ويرثوا الحياة الأبدية (راجع متى 19، 29).

كما إنني ممتن جدًّا لكل العلمانيين الذين يطمحون لعيش حياتهم اليومية كمهمة، أينما كانوا، في عائلاتهم، أو في عملهم بحيث يكون المسيح محبوبًا ومخدومًا، وكذلك لينمو ملكوت الله. أفكر بشكل خاص بكل الذين يعملون في مجال التعليم، والصحة، والأعمال، والسياسة، والإقتصاد، وفي مجالات أخرى كثيرة ينشر فيها العلمانيون رسالتهم. المسيح بحاجة لالتزامكم وشهادتكم. لا تدعوا الصعاب وسوء الفهم يمنعانكم عن إعلان إنجيل المسيح في الأماكن التي تتواجدون فيها: كل واحد منكم مكانه ثمين في فسيفساء التبشير الكبيرة!

8. “ها أنذا يا رب!”

في الختام أيها الشباب الأعزاء، أود أن أحثكم أن تسمعوا في عمق أعماقكم نداء المسيح لإعلان إنجيله. كما يشير تماما تمثال ريو الكبير فقلبه يحترق من محبته للبشر، من دون تمييز، وهو فاتح ذراعيه ليضم جميع البشر.امسوا قلب يسوع وذراعيه! اذهبوا واشهدوا لمحبته، كونوا المرسلين الجدد المحفزين بالمحبة وبمعنى اللقاء! احذوا حذو مرسلين الكنيسة الكبار مثل القديس فرنسوا كزافييه وغيره.

في ختام يوم الشبيبة العالمي في مدريد، فرحت بمباركة بعض الشباب المرسلين من قارات مختلفة. هم يمثلون العديد من الشباب الذين يقولون للرب على غرار النبي أشعيا: “ها أنذا، أرسلني!” (أشعيا 6، 8). الكنيسة تثق بكم وتشكركم جزيل الشكر للفرح والطاقة اللذين تجلبونهما لها. سخروا مواهبكم بسخاء في خدمة اعلان الإنجيل. نحن نعلم أن الروح القدس يعطى بوفرة للذين يقبلون بتواضع أن يتركوا كل شيء لإعلان الإنجيل. وأنتم لا تخافوا: يسوع، مخلص العالم، هو معنا، كل يوم حتى انقضاء الدهر (راجع متى 28، 20).

هذا النداء الذي أوجهه الى جميع الشباب في العالم، يتسم بأهمية خاصة لكم، أنتم شباب أميركا اللاتينية الأعزاء. في الواقع، خلال انعقاد المجلس العام الخامس لأساقفة أميركا اللاتينية في أباريسيدا عام 2007، أطلق الأساقفة “مهمة قارية.” والشباب الذين يمثلون غالبية سكان هذه القارة، يشكلون قوة مهمة وثمينة للكنيسة والمجتمع. كونوا إذا المرسلين الأولين! وبينما يقام يوم الشبيبة العالمي في أميركا اللاتينية، أحث جميع شباب هذه القارة: انقلوا لأصدقائكم من جميع أنحاء العالم حماسة إيمانكم!

فلترافق العذراء مريم، نجمة التبشير الجديد، المعروفة أيضًا بعذراء أباريسيدا أو عذراء غوادالوبي، كل واحد منكم في مهمته كشاهد لمحبة الله!

أعطي لكل واحد منكم ومن كل قلبي بركتي الرسولية.

***

نقله الى العربية روبير شعيب ونانسي لحود-وكالة زينيت العالمية

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير