بقلم الدكتور روبير شعيب
روما، الجمعة 14 ديسمبر 2012 (ZENIT.org). – بعد ما استعرضناه باقتضاب في القسم الأول من المقالة حول أصالة – أو بالحري عدم أصالة – وتأريخ الجزء الذي وُجد من مخطوط قبطي يعود إلى القرن الرابع ويزعم الحديث عن يسوع وعن “زوجة”، نركز الآن على ما يقوله المخطوط بالذات، علمًا بأننا نستعمل كلمة “مخطوط” من باب الإيجاز، فما تم إيجاده إنما هو قطعة ورق صغيرة تتضمن ثمانية سطور مجتزأة من اليمين ومن اليسار. الجمل، إذاً ليست متكاملة، ولا ندري كم هو عرض المخطوط وبالتالي ماذا يوجد بين الكلمة والأخرى. ما سنقوله هنا مجرد تكهنات مشروعة يحق لكل باحث أن يطرحها. سيطغى على سعينا للفهم والتحليل طابع فكاهي معتمد قناعة منا بأن الفكاهة أحيانًا هي السبيل الأكثر جدية لإدراك بعض الأمور.
بعض الجمل الواردة في المخطوط (والتي نشرنا ترجمتها الحرفية في القسم الأول) يصعب فهمها. فالجملة الأخيرة، مثلاً، تتضمن كلمة “صورة” دون إمكانية أن نفهم إلام تشير. والبعض الآخر لا يتضمن عبارات ذات أهمية. سنركز تعليقنا على ثلاث عبارات تشكل عصب المسألة التي أثارت اهتمام الصحف:
…أنكر. مريم (لا) تستحق ذلك…
…وقال لهم يسوع: زوجتي…
… ستتمكن من أن تكون تلميذتي…
ماذا يقول هذا النص؟
علمًا بأن الجمل غير متكاملة يتوجب على مخيلتنا أن تقوم بعملها لكي نجد رابط بينها. موضوعيًا، في جمل من هذا النوع، لا يمكن لأحد أن يقول الكثير. الفعل “أنكر” لا يسمح لنا بتكهن ماذا يوجد قبله بسهولة.
مريم (لا) تستحق ذلك…
مريم (لا) تستحق ذلك: نضع (لا) بين قوسين لأن المترجمين المختصين باللغة القبطية القديمة يشرحون بأن العبارة قد تعني النفي والإيجاب على حد سواء. ونسأل: ماذا لا تستحق مريم؟ لا تستحق أن يكون لها هذه الحميمية مع يسوع؟ لا تستحق أن تكون بين أتباع يسوع؟ أو ربما: لا تستحق أن تغسل أقدام يسوع بالطيب وأن تجففها بشعرها لأنها خاطئة (بحسب السرد الإنجيلي). أو لا تستحق أن يُذكر اسمها في كل المعمورة حيث سيُبشّر بالإنجيل؟ أو ببساطة لا تستحق أن تكون تلميذة ليسوع كونها امرأة (علمًا بأن المخطوط قد ينتمي على الأرجح إلى التقليد الغنوصي المعادي للجسد، للزواج، إلخ).
كل هذه الأسئلة مشروعة ولكن من النص، موضوعيًا، لا نستطيع أن نجد جوابًا وافيًا.
…وقال لهم يسوع: زوجتي…
هنا أيضًا الأسئلة التي تطرح نفسها هي كثيرة: هل هناك ترابط بين هذه الجملة والجملة السابقة التي تذكر اسم مريم (ومن قال أننا نتحدث عن مريم المجدلية، او مريم من بيت عنيا، أو مريم أم يسوع، أو مريم زوجة كالوبا…). لو كنا نستعمل اسمًا غريبًا عن إطار يسوع لكان لدينا إمكانية التحديد أكثر. أما والحال هذا، حيث يُستعمل اسم مشهور جدًا في إسرائيل (فلنذكر مريم أخت موسى النبي!)، فهو وكأننا نريد أن نكشف عن هوية مجرم سرق في بقاعكفرا (بلدة القديس شربل، الناسك اللبناني) وكل ما نعرف عنه أن اسمه هو “شربل”. آمل أن يُدرَك البعد الفكاهي بالمثل، فجل ما أبغي قوله هنا أننا موضوعيًا وفي إطار المخطوط القبطي لا نعرف عن أية مريم يتحدث النص. بالطبع، إذا ما نظرنا في مختلف الكتابات المنحولة (وبشكل خاص إنجيل فيليبس المنحول)، فيمكننا أن نرجح الحديث عن مريم المجدلية.
فلننتقل الآن إلى الترابط بين الجملة السابقة التي تذكر مريم وحديث يسوع عن “زوجتي”. ليس من ترابط موضوعي بين الجملة الأولى والجملة الثانية. وجل ما يقوله يسوع في المخطوط الذي بحوزتنا هو كلمة زوجتي. لن نتحدث هنا عن رأي يسوع بالزواج (سيكون موضوع قسم لاحق من هذه المقالة). ما نود قوله هنا هو أن المخطوط الذي يعود إلى القرن الرابع بعد المسيح يصرح بأن يسوع يقول: “زوجتي” و… و؟… بلا “و”!!! انتهت الورقة!!! ولا نعرف ماذا هناك بعدها: هل قال يسوع: زوجتي هي الكنيسة؟ زوجتي هي كل نفس تسمع كلمة الله وتعمل بها (كصدى لما يقوله في إنجيل متى 12: “مَنْ هِيَ أُمِّي وَمَنْ هُمْ إِخْوَتِي؟” ثُمَّ مَدَّ يَدَهُ نَحْوَ تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ: “هَا أُمِّي وَإِخْوَتِي. لأَنَّ مَنْ يَصْنَعُ مَشِيئَةَ أَبِي لَّذِي فِي لسَّمَاوَاتِ هُوَ أَخِي وَأُخْتِي وَأُمِّي “). إذا أردنا التخمين، يمكننا أن نسند هذه الأطروحة بالجملة التالية: “… ستتمكن من أن تكون تلميذتي…“. يمكننا بهذا الشكل أن نربط العبارتين: “زوجتي هي كل نفس تعمل بمشيئة أبي الذي في السماوات. إذا عملت بمشيئة أبي فستكون تلميذتي“.
لا ننسينّ واقعين مهمّين
ولكن هذا التخمين الذي قدمناه لتونا والمتمثل بتدريب طفولي “إملأ الفراغ بعبارة لها معنى” يحمل الوزن نفسه الذي قد تحمله هذه العبارة الخيالية: “فقال يسوع: زوجتي هي مريم. وإذا عملت بمشيئة أبي لن تكون مجرد زوجة بل ستكون تلميذتي أيضًا“.
الواقع المهم الأول هو أن هذه العبارة الثانية هي تخمين بالشكل عينه الذي قد تكونه العبارة الأولى ولا وزن علمي أو تاريخي لها.
الواقع المهم الثاني: حتى لو قال النص ما يلي: “وكان يسوع رجلاً مولعًا بحب النساء، وكان لديه رواق جمع فيه نساءً من كل الأعراق، فقد كان يؤمن بتعدد الزوجات وكان يعتبر ذلك نعمة فائقة من الآب السماري”. يمكننا أن نقول – وأعتذر على سخافة العبارة!! – أن هذا النص لا يمت لأية حقيقة بصلة، فهو نص يعود إلى القرن الرابع بعد المسيح، وبأحسن الأحوال قد يكون ترجمة لنص يوناني يعود إلى القرن الثاني
بعد المسيح. هو لا يملك أية ركيزة تاريخية في حياة يسوع، وكل ما يقوله لا يعبر عن حقيقة بشأن يسوع بل عن مفهوم وفكرة لمن يكتب النص لا تمت ليسوع التاريخ بصلة. فكيف لنص يبعد عن الوقائع بأكثر من مائتي سنة أن يقول حقيقة عن شخص ما.
كما ولو شئت أنا المولود في أواخر القرن العشرين، أن أبتكر سيرة الطوباوي جون هنري نيومان، متحدثًا عن أمور لم يكتبها أحد قبلي من حياته الشخصية.
لن تنتهي هذه المقالة هنا، فرغبتنا هي، بعون الرب، أن نتحدث عن الأناجيل المنحولة بشكل عام وعن سبب رفض الكنيسة لها.
(يتبع)