وأكد الأب الأقدس أن التوق إلى السلام الموجود في قلب كل إنسان يتطابق مع الرغبة في عيش حياة سعيدة وهذا الأمر حمله على كتابة هذه الرسالة لمناسبة اليوم العالمي للسلام وموضوعها هذا العام مستوحى من الكلمات التي قالها السيد المسيح “طوبي لصانعي السلام فإنهم أبناء الله يُدعون” (متى 5، 9). إن هذا الوعد الذي أطلقه الرب من على جبل التطويبات موجه إلى جميع الأشخاص الذين تقود خطاهم متطلبات الحقيقة والعدالة والمحبة. وينبغي أن يعي صانعو السلام أنهم ليسوا بمفردهم، لأن المسيح يقف إلى جانب الأشخاص الملتزمين في تطبيق العدالة والمحبة والحقيقة.
هذا ثم أشار الحبر الأعظم إلى وجود شرط أساسي للسلام يتمثل في انهيار دكتاتورية النسبية، والارتكاز إلى خلقية مستقلة تماما تُقر بالشريعة الخلقية الطبيعية التي خطّها الله الخالق في قلب كل إنسان. وبدون الحقيقة بشأن الإنسان، التي يكتبها الخالق في قلبه، تضمحل الحرية والمحبة، وتفقد العدالة ركيزتها الأساسية. وكي يصبح الإنسان صانعا للسلام لا بد أن يولي اهتماما بالبعد المتسامي للحوار المستمر مع الله، الآب الرحوم الذي نبتهل منه الخلاص الذي منحنا إياه بواسطة انتصار ابنه الوحيد على الموت والخطيئة.
بعدها يكتب البابا في رسالته أن السلام هو نظام يتحقق في الحقيقة ويرتكز إلى المحبة لافتا إلى أن الله نفسه، ومن خلال تجسد الابن وعمل الخلاص الذي قام به دخل التاريخ البشري وأقام خلقا جديدا وعهدا جديدا بين الله والإنسان، كما جاء في سفر التكوين، وبالتالي منحنا إمكانية أن نحظى بقلب جديد وروح جديدة. لهذا فالكنيسة مقتنعة تمام الاقتناع بضرورة إعلان يسوع المسيح مجددا على البشر، لأنه العامل الأول والرئيس للسلام وللنمو المتكامل للشعوب. ومن هذا المنطلق إن الأفراد والجماعات مدعوون إلى العمل لصالح السلام الذي يتمثل أساسا في تحقيق الخير المشترك لمختلف المجتمعات والأسرة البشرية برمتها.
هذا ثم أشار الحبر الأعظم في رسالته إلى الأشخاص الذين لا يقدرون قيمة الحياة، ويدعمون على سبيل المثال تشريع الإجهاض، فهم يسعون إلى سلام زائف ووهمي. وتساءل كيف يمكننا تحقيق السلام والنمو المتكامل للبشر والشعوب وحماية البيئة دون الدفاع عن حق الأشخاص في الحياة بدءا من الأجنة؟
كما سلط الأب الأقدس الضوء في رسالته على أهمية الإقرار بالبنية الطبيعية للزواج وتعزيزها، لافتا إلى أن الزواج هو اتحاد بين رجل وامرأة. ومن بين حقوق الإنسان الأساسية المرتبطة بالتعايش السلمي بين الشعوب هناك الحق في الحرية الدينية للأفراد والجماعات. وهذا الحق الأساسي يتعلق بحرية الشهادة للإيمان الديني وإعلانه على الآخرين، والقيام بنشاطات خيرية وتربوية. ولفت البابا إلى تنامي ظاهرة انعدام التسامح الديني حتى في البلدان التي تتمتع بتقاليد مسيحية عريقة.
لم تخل رسالة الحبر الأعظم من الإشارة إلى الأزمة الاقتصادية الراهنة في مجتمع اليوم إذ يدعو البابا إلى قيام نموذج جديد للنمو، وإلى تبني نظرة جديدة للاقتصاد، كي يكون النمو متكاملا، متضامنا ومستداما. وأشار إلى أهمية أن تتحول الأزمة الاقتصادية هذه إلى فرصة لإعادة النظر في الأنظمة القائمة وتطوير نموذج اقتصادي جديد.
هذا ثم أكد البابا أن صانعي السلام مدعوون إلى الاهتمام بالخير المشترك للعائلات والعدالة الاجتماعية والالتزام أيضا في مجال التربية الاجتماعية. وشدد قداسته على أن للأسرة دعوةً طبيعية لتعزيز الحياة، مؤكدا أن الكنيسة تشارك في هذه المسؤولية الكبيرة أيضا من خلال الكرازة الجديدة بالإنجيل. وهي تعمل في هذا الاتجاه بواسطة مؤسساتها الثقافية، المدرسية والجامعية.
ختاما يسلط البابا الضوء على أهمية تطوير التربية على السلام ودعا إلى تعليم الأشخاص كيفية أن يحبوا بعضهم بعضا ويربوا الأجيال الفتية على السلام وأن يقولوا لا للانتقام، وأن يقروا بأخطائهم وأن يقبلوا الاعتذار ويغفروا للآخرين. هذا وسأل البابا الله أن ينير عقول وضمائر الحكام كي يدافعوا عن هبة السلام الثمينة.